الآثار القانونية والسياسية للاعتراف بإبادة جماعية .. الإبادة الإيزيدية نموذجاً
في آب / أغسطس 2014، شن تنظيم داعش هجوماً دموياً على قضاء شنگال (سنجار)، حيث يقطن معظم إيزديي العالم، وخلال هذا الهجوم، قتل داعش آلاف الرجال والأطفال الإيزيديين، وخطف 7000 امرأة وفتاة كسبايا، كما هجر داعش نحو 400 ألف إيزيدي من منازلهم، وحوصر الكثير منهم في جبل شنگال لأسابيع دون طعام أو ماء أو طبابة.
وقد وُصفت هذه الجرائم بأنها «إبادة جماعية» أو حملة تغيير ديموغرافي للمنطقة من قبل داعش، حيث أكدت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا وغيرها من الدول والمنظمات أن ما حدث للإيزيديين يشكل «إبادة جماعية»، وطالبت بضرورة تحقيق المساءلة والعدالة للضحايا.
الآثار القانونية والسياسية للاعتراف بإبادة جماعية
بشكل عام، يمكن أن يكون لاعتراف دولة أو منظمة ما بأن هناك إبادة جماعية وقعت في مكان معين آثار قانونية وسياسية على الصعيدين الدولي والوطني، من هذه الآثار:
على الصعيد الدولي، يمكن أن يسهم اعتراف دولة بإبادة جماعية في تحقيق العدالة والمساءلة للضحايا والناجين، وفي منع تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل. كما يمكن أن يؤدي إلى تغيير في العلاقات الدبلوماسية والتجارية والإنسانية مع الدولة التي ارتكبت الإبادة أو التي تنكرها. على سبيل المثال، اعترفت كندا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها من الدول بإبادة الأرمن التي ارتكبها الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، مما أثار احتجاجات وانتقادات من تركيا، التي ترفض هذا التصنيف. كما اعترفت بلجيكا بإبادة التوتسي في رواندا عام 1994، مما دفعها إلى تقديم اعتذار رسمي ودعم مشاريع إعادة الإعمار والمصالحة في رواندا.
على الصعيد الوطني، يمكن أن يؤثر اعتراف دولة بإبادة جماعية على حقوق ووضع المجتمعات المتضررة أو المهددة بالإبادة داخل حدودها. كما يمكن أن يشجع على التوعية والتثقيف حول تاريخ وثقافة هذه المجتمعات، وعلى حماية ذاكرتها وهويتها. على سبيل المثال، اعترفت أستراليا بإبادة السكان الأصليين التي حدثت خلال فترة الاستعمار، مما دفعها إلى إصلاح سياساتها الخاصة بحقوق الأصليين وإبرام اتفاقات استرداد للأرض مع بعض المجموعات. كما اعترفت نيوزيلندا بإبادة الموريوري، شعب بولينزي قديم كان يسكن جزيرة شاتام، مما دفعها إلى تقديم اعتذار رسمي وإصلاح قانونها للاعتراف بحقوق الموريوري كشخص قانوني.
كما أنه يجب أن لا نغفل أن اعتراف دولة بإبادة جماعية قد يكون له تبعات، خاصة إذا كانت الدولة نفسها متورطة في ارتكاب أو تمكين أو تغاضي عن الإبادة. فقد يواجه هذا الاعتراف مقاومة من قبل بعض الجهات السياسية أو الإعلامية أو الشعبية التي تنفي أو تبرر أو تنسي الإبادة. كما قد يؤدي إلى تحريك دعاوى قضائية أو مطالبات تعويضية من قبل الضحايا أو ذويهم ضد الدولة المعترفة أو ضد المسؤولين عن الإبادة. على سبيل المثال، اعترفت فرنسا بإبادة الهريري في الجزائر خلال فترة الحكم الاستعماري، مما أثار جدلا واسعا في فرنسا والجزائر، وأدى إلى تقديم بعض المنظمات والأفراد دعاوى قضائية ضد فرنسا للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم.
وبشكل عام، يجب أن يكون اعتراف دولة بإبادة جماعية نتيجة لدراسة وتقييم شاملين للحقائق والأدلة والظروف المحيطة بالإبادة، وللآثار المحتملة لهذا الاعتراف على مستوى القانون والسياسة والأخلاق. كما يجب أن يكون هذا الاعتراف مصحوبا بخطوات عملية وفعالة لضمان حقوق الضحايا والناجين في الحقيقة والعدالة والتعويض والضمانات ضد التكرار.
وبعد تسع سنوات من الإبادة، لا يزال الإيزيديون يعانون من آثارها المدمرة على مستوى الأفراد والمجتمع. فلا يزال آلاف المخطوفات في عداد المفقودات أو في قبضة داعش، ولا يزال مئات الآلاف من النازحين يقطنون في مخيمات بظروف صعبة، ولا يزال عودة الإيزيديين إلى شنگال محدودة بسبب نقص الأمن والخدمات والتهديدات المستمرة من داعش. كما يواجه الإيزيديون تحديات اجتماعية وثقافية ودينية بسبب تأثير التجارب المروعة التي عانوها على هويتهم وقدرتهم على التآلف مع باقي المكونات في العراق
ولذلك، فإن هناك حاجة ماسة لدعم جهود إعادة إعمار شنگال وتأمينها وتعزيز الحوار والتسامح بين الإيزيديين وجيرانهم، وكذلك لتقديم المساعدة الإنسانية والنفسية والقانونية للناجيات من الإبادة. كما يجب مواصلة العمل على تحرير المخطوفات وتحديد مصير المفقودين والمقابر الجماعية، وملاحقة المسؤولين عن الإبادة أمام القضاء الوطني والدولي.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية