بغداد تنتظر “الأخبار السّارة”.. ماذا حملت الزيارة الخامسة لنيجيرفان بارزاني إلى إيران؟
طوى رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، مباحثات محطة إيران المكملة لمثلث بغداد- طهران- أنقرة المليء بالعقبات، بعد إتمام نقاشات مع أركان الدولة الإيرانية بأعلى مستوياتها.
وحظيت الزيارة الخامسة لنيجيرفان بارزاني خلال 11 عاماً بأهمية عالية، خاصة وأنها تأتي لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستقرار في المنطقة، فيما تؤكد الحكومة العراقية أنها تنظر إلى هذه الزيارة بإيجابية كونها تهدف إلى تذليل العقبات وحل الإشكالات العالقة بين الجانبين، وبانتظار “الأخبار السّارة” التي سترد في بيانها الختامي.
البداية من سعد آباد
وبطلته الباسمة وكاريزمته المعهودة، بدأ نيجيرفان بارزاني من قصر سعد آباد للقاء الرئيسي الإيراني إبراهيم رئيسي، ليعقبها لقاء مع المرشد الإيراني علي خامنئي الذي تحسب له القرارات المصيرية والرئيسية لطهران، مكملاً بعدها مباحثات مع أركان الحكومة والأمن والسلطة التشريعية.
ويقول المتحدث باسم رئاسة إقليم كوردستان، دلشاد شهاب، لوكالة شفق نيوز؛ إن “رئيس الإقليم ركز خلال هذه الزيارة على تطوير العلاقات الثنائية بين العراق واقليم كوردستان مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، وكما تعلمون أن لدينا علاقات تاريخية مع ايران من زمن المعارضة العراقية ونضال القوى الكوردستانية ضد الدكتاتورية”.
وأكد شهاب، أن “من المهم لإقليم كوردستان التأكيد للجانب الإيراني على أنه عامل استقرار كما كان دائماً مع جميع الدول الجارة”.
ولفت إلى أن “تطوير العلاقات والاحترام المقابل والعلاقات الاقتصادية والتجارية والاستقرار في المنطقة ستكون مواضيع مهمة خلال الزيارة”.
مثلث بغداد- طهران- أنقرة
زيارة بارزاني لطهران تأتي بعد جولة مباحثات موسعة مع القادة السياسيين في بغداد، قال رئيس الإقليم إنه يدشن فيها مرحلة جديدة من العلاقة.
كما تأتي بعد مجيء الرئيس التركي إلى بغداد وأربيل الشهر المنصرم، في زيارة اعتبرت تاريخية.
يشار إلى أن زيارة بارزاني، إلى بغداد، والتي استمرت ليومين (السبت والأحد 27 و28 نيسان 2024)، واجتمع خلالها مع مسؤولين كبار في الدولة ورؤساء أحزاب وشخصيات سياسية بارزة، حملت عدة ملفات تخص اقليم كوردستان والعراق والمنطقة، في وقت أشاد قادة عراقيون بارزون إلى أهمية الزيارة وكونها تحمل انفراجة حلول للمشاكل العالقة بين بغداد وأربيل.
وكانت زيارة بارزاني الى بغداد، هي الثانية له خلال شهر نيسان، بعد الأولى التي جرت في الخامس من الشهر نفسه.
وبحث رئيس إقليم كوردستان في بغداد، ملفات رواتب وميزانية إقليم كوردستان، علاوة عن استئناف تصدير النفط من إقليم كوردستان المتوقف منذ آذار 2023، وملف انتخابات برلمان إقليم كوردستان التي من المقرر إجراؤها في العاشر من حزيران المقبل، وملف انتخاب رئيس مجلس النواب العراقي، وأيضاً ملف الهجمات التي يتعرض لها إقليم كوردستان، والتي كان آخرها قصف حقل كورمور الغازي في محافظة السليمانية، في 27 نيسان الماضي.
أما زيارة الرئيس التركي إلى بغداد وأربيل في 22 نيسان 2024، فقد كانت هي الأولى منذ 13 عاماً، حيث رعا مع رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، مراسم توقيع مذكرة تفاهم رباعية بين العراق وتركيا وقطر والإمارات.
وفي الإقليم، فقد اجتمع أردوغان فور وصوله مع كبار المسؤولين الكورد في مقر رئاسة الإقليم، كما عقد لقاءً خاصاً مع الزعيم الكوردي مسعود بارزاني. وكان في توديع أردوغان كما في استقباله في مطار أربيل، رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني.
ترحيب إيراني
وعن أهمية زيارة نيجيرفان بارزاني إلى طهران، يقول المحلل السياسي الإيراني، مصدق بور، إن “هذه الزيارة تحظى بأهمية كبيرة وترحيب كبير داخل الأوساط الإيرانية على ضوء العلاقات الوطيدة القائمة بين إيران وإقليم كوردستان، كما أن بارزاني هو صديق لإيران ولديه مواقف جيدة تجاهها وهو ليس ببعيد عن المجتمع الإيراني”.
ويؤكد بور خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن “من بين أهم الملفات بحثت خلال الزيارة هو الملف الاقتصادي، حيث هناك علاقات تجارية واقتصادية إيرانية جيدة مع الإقليم، ورغم وجود توترات أمنية على خلفية وجود جماعات مناوئة لإيران في مناطق بالإقليم، لكن بفضل مساعي الإقليم والحكومة الاتحادية تعيش المنطقة حالياً فترة هدوء”.
ويضيف، “كما أن الملف الأمني دائماً ما يكون حاضراً على ضوء التحديات الأمنية التي تواجه الإقليم وإيران، حيث إن الأمن متشابك ومتداخل بينهما، لذلك تتواصل إيران مع إقليم كوردستان من أجل تسوية هذا الملف بشكل يضمن الأمن والاستقرار لكلا الجانبين”.
ويتابع، “كذلك هناك قضايا تتعلق بالجانب الثقافي، حيث إن الثقافة الإيرانية والكوردية قريبتان من بعضهما الآخر، فهما ينبعان من جذر واحد، لذلك تعزيز التعاون الثقافي بين الجانبين مطروح على طاولة المفاوضات، وربما يصار إلى تعاون جامعي وعلمي”.
من جانبه يقول صالح ذو القدر المحلل السياسي الإيراني: “إن زيارة رئيس الإقليم مهمة في أي وقت، وتقودنا لدلالة حصول متغيرات في المنطقة بحاجة لاستشارات بين طهران واربيل.
اهتمام الإعلام الإيراني
وانعكست زيارة رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني إلى طهران على وسائل الإعلام الإيرانية التي أخذت حيزاً في تقاريرها وتغطيتها.
وأشار تقرير لوكالة “مهر” إلى دور رئيس الإقليم، وقدمت سرداً تاريخياً لعائلته ونضالها مروراً لمعيشته في إيران وإتقانه اللغة الفارسية، وتأكيداً على الحوار والتفاهم لحل الإشكالات.
وقال التقرير، “من المتوقع مع زيارة نيجيرفان بارزاني إلى طهران، سيرتفع مستوى التفاعل السياسي بين الجانبين”، كما لفت التقرير، إلى إمكانية تطوير العلاقات الاقتصادية مع الزيارة التي قالت الوكالة إنه أمر سيعود بالنفع على الشعبين.
من جانبها ذكرت صحيفة “هفت صبح” في تقرير لها، إن زيارة نيجيرفان بارزاني تأتي بعد نحو ثلاث سنوات من حالة الصعود والهبوط بالعلاقة، لكنها أشارت إلى أن رئيس الإقليم شخصية تتمتع بعلاقات جيدة مع طهران.
وأشار التقرير أيضاً إلى نيجيرفان بارزاني سيأخذ الآن زمام المبادرة لإقامة المصالحة وتوسيع العلاقات مع إيران.
حراك لضمان أمن كوردستان
من جهته، يقول المحلل السياسي، أحمد الياسري، إن “زيارة نيجيرفان بارزاني إلى إيران مبنية على ثلاث قواعد، الأولى هي القاعدة الأمنية، وهي الضمانات التي يريد أن يحفظها الإقليم المتعلقة باستهداف المواقع الحيوية والطاقة أو استهداف العمق الأمني بشكل مباشر من إيران، لذلك يتحرك بارزاني لضمان أمن كوردستان”.
ويضيف الياسري لوكالة شفق نيوز، أن “القاعدة الثانية هي الاقتصادية المبنية على فكرة تقاطع المشاريع التجارية في المنطقة خصوصاً بعد زيارة الرئيس التركي أردوغان، لذلك هو يريد اعطاء ضمانات لإيران بأن هناك عملية توافق بين إدارة الإقليم وحكومة بغداد بهذا الخصوص لتقليل الضواغط الأمنية”.
وعن القاعدة الثالثة يوضح الياسري، أنها “ملف الأحزاب الكوردستانية، وهو هاجس أمني بأن لا يتحول إقليم كوردستان إلى ضاغط أمني على إيران خصوصاً بعد المواجهة المباشرة التي حصلت بين إيران وإسرائيل، واعطاء ضمانات للجانب الإيراني بهذا الاتجاه وأيضاً اعطاء ضمانات من أن التدخل التركي هو ضمن نطاق الشراكة الأمنية، وأن الخط التجاري (مشروع التنمية) ليس هدفاً استراتيجياً موجهاً ضد إيران”.
وخلص إلى القول، “لذلك زيارة نيجيرفان بارزاني تأتي لتهدئة الجانب الإيراني ما سينعكس على المشاريع العراقية بشكل عام وليس على إقليم كوردستان فقط”.
بغداد تدعم الزيارة
بدوره، يؤكد مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الخارجية ضياء الناصري، أن “الحكومة العراقية تدعم أي جهود من أجل تذليل العقبات وحل الإشكالات مع دول الجوار وخاصة مع الجمهورية الإسلامية، وأن الحكومة العراقية تنظر إلى زيارة نيجيرفان بارزاني بإيجابية كونها جاءت بعد استهداف إيران لأربيل في كانون الثاني 2024 بحجة وجود مخربين أو مقار مشبوهة تابعة للموساد”.
ويتابع الناصري حديثه لوكالة شفق نيوز، أن “الحكومة العراقية تتطلع إلى نتائج الزيارة”.
ملخص الزيارة
ومع إتمام مباحثاته مع قادة وأركان الدولة الإيرانية، أعرب رئيس اقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني، في مؤتمر صحفي عقده في طهران إن “هذه الزيارة بداية لمرحلة جديدة من العلاقات بين ايران واقليم كوردستان”، معربا عن شكره لحفاوة الاستقبال من قبل المرشد الإيراني اية الله علي خامنئي، ورئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف وباقي المسؤولين.
وأضاف أنه “بالنسبة لنا في اقليم كوردستان، فإن العلاقات مع جمهورية ايران الاسلامية مهمة للغاية”، واصفا تلك العلاقات بأنها “تاريخية لوجود مشتركات عديدة بين الجانبين منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية ولغاية الآن”.
وقال رئيس الإقليم، إن “الجمهورية الاسلامية الايرانية كانت دائما داعمة ومساندة لنا في المراحل الصعبة”، مردفا أنه “مما لا شك فيه توجد هناك بعض المشاكل، لكن المهم أن نبذل الجهود من أجل حلِّها، ولدينا ارادة جدية في هذا الصدد من خلال الزيارة التي اجرينها الى ايران لمعالجة تلك المشاكل القائمة بيننا، ونرغب بانشاء أفضل العلاقات مع هذا الجار المهم”.
ومضى بالقول، إن إقليم كوردستان يريد أن يبقى عاملا لاستتباب الاستقرار والأمن في المنطقة، وهذه السياسة مترسخة لدى الإقليم، ونستمر بها.
وأعرب عن شكره لرئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على دعمه لهذه الزيارة.
كما أكد بارزاني أنه تباحث مع الرئيس إبراهيم رئيسي زيارته المقررة الى بغداد، مردفا بالقول: وأنا كرئيس للإقليم وجهت له دعوة رسمية لزيارة كوردستان ضمن زيارته الى العراق.
وأضاف “اعتقد انه (الرئيس الايراني) اخذ هذه الدعوة على محمل الجد، وما هو متبقٍ هو أن يناقشوا ظروف موعد إجراء هذه الزيارة”، مشيرا الى أن رئيسي “كان ايجابيا في قبول هذه الدعوة”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية