حذر من “كارثة كوردية”: تقرير يوصي بتدخل واشنطن و”ضبط” الاتحاد الوطني الكوردستاني
وصفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، اقليم كوردستان بانه يمثل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة من عدة جوانب، وان انهيار الإقليم من شأنه ان يؤدي الى فوضى واضطرابات تمتد تداعياتها الى ما هو ابعد من العراق، منتقدة تقاعس واشنطن عن القيام بدورها لمواجهة محاولات ايران استغلال الانقسامات داخل الاقليم من خلال علاقتها تحديدا مع حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني الذي اقترحت المجلة التلويح له بعقوبات أمريكية.
وبداية، ذكر التقرير الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، برسالة رئيس حكومة الاقليم مسرور بارزاني الاخيرة الى البيت الابيض والتي حذر فيها من ان الاقليم والنظام القائم في العراق منذ العام 2003، معرضان للسقوط ما لم تتدخل الولايات المتحدة.
واشار التقرير الى ان بارزاني وجه تحذيره الاستثنائي في ظل تحديات سياسية واقتصادية متزايدة امام الاقليم وامام الحكومة في بغداد، مضيفا ان اقليم كوردستان مهم لمصالح الولايات المتحدة من عدة جوانب.
واوضح التقرير ان قوات البيشمركة شريكة رئيسية في القتال ضد تنظيم داعش وغيره من الجماعات المتطرفة، كما انها تؤدي دورا حاسما في الجهود الغربية لمكافحة الإرهاب في كل من العراق وسوريا، بالاضافة الى ان الاقليم تاريخيا يشكل منطقة عازلة ضد الاضطرابات في بقية انحاء العراق، حيث يؤمن ملاذا امنا لما يقرب من مليون نازح داخلي ولاجئ.
ولفت التقرير الى انه في ظل انشغال واشنطن الان بمنافستها المتزايدة مع الصين والحرب الاوكرانية، فانها لا تولي سوى القليل من الاهتمام لكوردستان، مضيفا انه مع استشعار “المنافسين” لحكومة الاقليم، بمن فيهم الميليشيات المصنفة امريكيا كارهابية، بان واشنطن تصب تركيزها على مكان اخر، بدأوا في التحرك.
وبعدما حذر التقرير من ان انهيار كوردستان من شانه ان يؤدي الى اضطرابات وفوضى تمتد اثارها الى ما هو ابعد من العراق، ذكر بان حكومة الاقليم عانت من سلسلة من المشاكل في السنوات الاخيرة، حيث انها بعدما تولى بارزاني منصبه في العام 2019، واجهت حكومته وباء كورونا والتصعيد العسكري بين الولايات المتحدة وايران والميليشيات التابعة لها، الى جانب الازمة الاقتصادية بعد ان تلقت عائدات النفط ضربة كبيرة مع تراجع اسعار النفط في العام 2020.
وبالاضافة الى ذلك، قال التقرير ان كوردستان تضررت ايضا بسبب التنافس بين اكبر حزبين سياسيين، الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، وقد تسبب هذا الانقسام باضعاف القدرة التفاوضية للكورد مع بغداد خلال مفاوضات تشكيل حكومة عراقية بعد انتخابات العام 2021.
ورأى التقرير ان ايران وحلفاؤها، بما في ذلك قوات الحشد الشعبي، استغلوا الخلاف الكوردي، عبر التحالف مع الاتحاد الوطني الكوردستاني لتوسيع نفوذهم على الدولة العراقية، كما ان الجماعات المدعومة من طهران، عززت سيطرتها على القضاء العراقي مما مهد الطريق امام صدور حكم قضائي بان صادرات النفط الكوردية عبر تركيا غير قانونية، وهو ما اثر بدوره على قرار التحكيم الدولي بعد عام والذي توصل الى النتيجة نفسها، فتوقفت صادرات النفط الكوردي، مما ادى الى شل اقتصاد الاقليم واثر على اسواق الطاقة العالمية، وهو ما يشكل انتصارا لرهانات الحشد الشعبي في تحييد الاستقلال الاقتصادي لكوردستان.
كما لفت التقرير الى احداث كركوك مؤخرا حيث قتل متظاهرون كورد بعدما جمع الحشد الشعبي انصاره لمنع استعادة بارزاني مقر للحزب الديمقراطي الكوردستاني في المدينة بعد اتفاق بين رئيس الحكومة محمد شياع السوداني وبارزاني ما ادى الى منع تسليم المقر للحزب.
الى ذلك، رأى التقرير ان الانقسامات بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني تسببت في تقويض حكومة الاقليم بشكل كبير، مضيفا ان هذا التنافس بين الاخوة كان بمثابة نقطة ضعف الكورد طوال عقود من الزمن مشيرا في هذا السياق الى اقتتالهم الداخلي بين عامي 1994 و1998، بحرب اهلية للسيطرة على الاقليم وانتهت بوساطة امريكية. واضاف ان التسوية السلمية التي تم التوصل اليها العام 1998 مهدت الطريق امام اتفاق استراتيجي اصبح الاساس للعصر الذهبي لكوردستان بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق العام 2003، والذي منح الكورد نفوذا كبيرا في الدولة العراقية، ووسع حكمهم الذاتي، وعجل بحصول نهضة اقتصادية غير مسبوقة.
وذكر التقرير انه برغم ان التنافس حاليا يمثل صراعا بين الشخصيات داخل جيل جديد من القادة الكورد، الا انه يعكس ايضا مسار كل من الحزبين منذ العام 2003، مضيفا انه بينما يدين الحزب الديمقراطي الكوردستاني بدرجة كبيرة من قوته الى انضباطه التنظيمي الطويل الامد، والذي منحه نجاحا انتخابيا واتاح له السيطرة على رئاسة الحكومة منذ العام 2012، فانه في المقابل، شهد الاتحاد الوطني الكوردستاني انقساما الى فصائل منذ انشائه في السبعينيات من القرن الماضي، مشيرا الى ان بافل طالباني نفذ انقلابا اطاح بابن عمه لاهور من منصب الرئيس المشترك للحزب ورئيس قوات مكافحة الارهاب والاستخبارات.
وبحسب التقرير الامريكي، فان هذه الديناميكيات العنيفة تسببت في اضعاف قدرة الاتحاد الوطني الكوردستاني على ان يقدم نفسه كبديل جدي للحزب الديمقراطي الكوردستاني.
وبدلا من ذلك، يقول تقرير المجلة الأمريكية ان حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني اختار أساليب التخريب، والعمل مع الجماعات المتحالفة مع ايران في بغداد لتقويض منافسه سياسيا واقتصاديا، مشيرا الى ان قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني تحتضن الافراد والفصائل المتحالفة مع ايران والتي تفرض عليها وزارة الخزانة الامريكية عقوبات، واحيانا بسبب هجماتها بالطائرات المسيرة والصاروخية على الاقليم.
ورأى التقرير ان ذلك يطرح تساؤلات جدية بالنسبة لواشنطن وحول علاقتها بالحزب، وايضا بالنسبة للاتحاد الوطني الكوردستاني نفسه.
وتابع ان تطلع الاتحاد الوطني الكوردستاني نحو طهران وبغداد قد يساعد الحزب على اعادة تأكيد مكانته محليا، الا ان تقويض كوردستان ككل بهدف اضعاف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، يعكس قصر النظر بشكل خطير لانه يعتمد على حسن نية قوات الحشد الشعبي، ومن المحتمل ان يكون وجوديا لانه يجازف بمقامرة تتعلق باقليم كوردستان على المدى الطويل.
واعتبر التقرير ان المشكلات الكوردية والانتهاكات الايرانية للاقليم، تحمل اثارا بعيدة المدى على المصالح الامريكية، مضيفا ان حكومة الاقليم تعتبر حليفا حيويا في حملة ضمان الهزيمة الدائمة لداعش، وان الانقسامات بين الكورد، ومحاولات ايران لاخضاع الدولة العراقية، والاضطرابات الاقتصادية في كوردستان، كلها عوامل تؤدي الى تقويض الحملة الامريكية ضد داعش وتتيح للجماعات المسلحة المدعومة من ايران والتي تصنفها واشنطن على انها ارهابية تعزيز مكانتها.
ولفت ايضا الى ان القاعدة الامريكية في اربيل تعتبر احدى اهم القواعد العسكرية ومراكز التنصت لواشنطن في الشرق الاوسط، حيث تعمل كمركز للعمليات الخاصة وموقع انطلاق للعمليات في كل من العراق وسوريا. ورأى التقرير ان مجرد وجود هذه القاعدة يتطلب وجود نظام سياسي يؤدي الى الحفاظ على الشراكة بين الولايات المتحدة وحكومة اقليم كوردستان، وهي مسألة تأمل ايران في اضعافها، ثم هدمها في نهاية المطاف، وذلك من خلال استغلال الاتحاد الوطني الكوردستاني.
واضاف ان “ايران برهنت على استعدادها للعب اللعبة الطويلة لتحل محل الولايات المتحدة في كوردستان، كما فعلت في بغداد على مدى العقدين الماضيين”.
ولهذا، دعا التقرير واشنطن الى التدخل للضغط على الاتحاد الوطني الكوردستاني لانهاء تواطؤه مع طهران، مضيفا ان الحزب وقيادته يجازفان باحتمال ارتكاب انتهاك العقوبات الامريكية المحددة من اجل منع قدرات الجماعات والمسؤولين المتحالفين مع ايران الذين يقيم الاتحاد الوطني الكوردستاني ارتباطا معهم.
وبحسب التقرير الامريكي، فانه يمكن لهذه العقوبات ان تؤكد على الجهود التي تبذلها واشنطن لتحديد خطوط حمراء امام الاتحاد الوطني الكوردستاني، وذلك لاحتواء الانتهاكات الايرانية ولحماية مصداقية للعقوبات.
كما دعا التقرير واشنطن الى ثني الاتحاد الوطني الكوردستاني عن التهديد بالعودة بكوردستان الى النظام المزدوج للادارة (بين اربيل والسليمانية) والذي كان سائدا خلال التسعينيات، وهو ما من شانه ان يتسبب فعليا بحل الحكم الذاتي للاقليم وحقوقه المكتسبة بصعوبة بموجب دستور العام 2005. واعتبر التقرير ان مثل هذا التقسيم الاداري من شأنه تقويض المصالح الاستراتيجية الامريكية في العراق والمنطقة.
ورأى التقرير ان بالامكان ايضا اشراك الجهات الفاعلة الاقليمية مثل تركيا التي كات صعدت هجماتها بطائرات مسيرة على المقاتلين والمنتسبين الى حزب العمال الكوردستاني، الذين لجأوا الى السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكوردستاني، مشيرا الى ان ذلك تسبب في زعزعة استقرار المحافظة وفاقم من مشاكل الحزب، على الرغم من جهود الاتحاد الوطني الكوردستاني لمنع وقوع المزيد من هذه الغارات.
الا ان التقرير اشار الى انه ليس بمقدور الاتحاد الوطني الكوردستاني اجبار حزب العمال الكوردستاني على الانسحاب، لان هذا سيؤدي الى صراع عنيف، الا ان الحزب ليس بامكانه ايضا تحمل المزيد من الهجمات التركية.
ولهذا، يعتبر التقرير ان بامكان الاتحاد الوطني الكوردستاني التوصل الى صفقة مع انقرة على اساس الالتزام بانهاء تواطؤه مع الحشد الشعبي، الذي يضم في صفوفه فروعا تابعة لحزب العمال الكوردستاني، وبان يعمل حزب الاتحاد الوطني على منع تعزيز وجود حزب العمال بشكل مباشر او غير مباشر، ما من شانه ايضا ان يقلل من نفوذ ايران ويخفف من المخاوف التركية، ويحد من التوترات الجيوسياسية الناتجة عن التوغلات التركية.
“عقاب” بغداد
وذكر التقرير ان واشنطن فلشت في مقاومة او ادانة الاجراءات العقابية التي اتخذتها بغداد ضد اقتصاد اقليم كوردستان، والتي وضعتها الجماعات المتحالفة مع ايران من خلال اخضاع السلطة القضائية في بغداد، مشيرا بذلك الى منع صادرات النفط الكوردي المقدرة بنحو 500 الف برميل يوميا، مضيفا انه لهذا الامر تداعيات تتجاوز حدود الاقليم، اذ ان اوروبا اعتمدت بشكل متزايد على النفط الكوردي منذ الغزو الروسي لاوكرانيا.
ووصف التقرير الموقف الامريكي بانه “متفرج” حتى الان على كل من التصعيد بين الكورد والاعتداء الايراني. واضاف ان واشنطن قد تعتقد ان هذه المشاكل هي شؤون كوردية داخلية، لكن هذا خطأ.
ورأى التقرير ان اقليم كوردستان برهن على قدرته على الصمود، لكن هناك حدود لذلك، مضيفا ان الانهيار الكامل لاقتصاد الاقليم من شأنه ان يجبره في نهاية الامر على الاستسلام لايران، وهو ما يعني منح ايران الدور الاكبر في تحديد معالم مؤسسات اقليم كوردستان، وقواته المسلحة، وحدوده، والاهم من ذلك، مستقبل القاعدة الامريكية في اربيل.
ولهذا، دعا التقرير الولايات المتحدة الى منع ذلك من خلال التوسط في التوترات بين الكورد لتوحيد الصف الكوردي في بغداد وحماية الحكم الذاتي للاقليم واستعادة استحقاقاته في الميزانية وحقه في التنافس الانتخابي على المناطق المتنازع عليها مثل كركوك من دون التعرض للاجراءات القسرية من جانب الحشد الشعبي، وذلك مع التأكيد على حماية التنافس الديمقراطي الصحي في الداخل.
وقال التقرير الامريكي انه في حال كانت واشنطن جدية بشأن حماية مصالحها، فانه بمقدورها البدء باقناع الاتحاد الوطني الكوردستاني بان أمله الامثل هو في ان يعكس اتجاه حركة تراجعه، من خلال معالجة ازمته الداخلية، لا من خلال اللجوء الى ايران، والتي وصفها التقرير بأنها “ممارسة مدمرة للنفس”.
وبرغم ان التقرير لفت الى الاتحاد الوطني الكوردستاني سوف يكافح من اجل ان مجاراة التفوق السياسي الذي يتمتع به الحزب الديمقراطي الكوردستاني، تابع قائلا انه في احسن الاحوال، بإمكان الحزب المراهنة على ابطاء صعود منافسه، اما في اسوأ الاحوال، فان تواطؤه مع ايران، يعتبر مجازفة بمصير الحزب والسليمانية على السواء.
ثانيا، قال التقرير، ان بمقدور للولايات المتحدة تركيز وساطتها على احتياطيات الغاز في كوردستان، مما قد يؤدي الى معالجة النقص العالمي على المدى الطويل مع دعم اقتصاد اقليم كوردستان. ولفت الى ان الحزب الديمقراطي الكوردستاني يتمتع بالشرعية السياسية والدستورية من اجل ان يدفع هذا القطاع الى الامام وجذب المستثمرين، الا ان احتياطيات الغاز تقع بشكل اساسي في المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكوردستاني.
ولهذا، فان التقرير يعتبر ان بمقدور واشنطن ان تشجع الحوار حول تطوير حقول الغاز هذه وتأمين ادراج كوردستان فيما وصفته وكالة الطاقة الدولية بـ “العصر الذهبي” للغاز الطبيعي. واضاف ان الاتحاد الوطني الكوردستاني بامكانه هنا في داخل الاقليم، وليس في بغداد او طهران، وبدعم من الولايات المتحدة، ان يضغط من اجل حصته الاقتصادية عبر ترتيبات شاملة مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني تتضمن اتفاقية لتقاسم هذه الايرادات.
وختم التقرير بالقول انه من خلال هذا الانخراط في التعامل، يمكن ان تتوفر نقطة انطلاق نحو تسوية اوسع. وتابع انه بينما يلقي الاتحاد الوطني الكوردستاني بالمسؤولية على الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الاستفادة من الإيرادات وحقيقة ان السليمانية تخلفت مقارنة بالمحافظات الاخرى، فان هذه الحجة تصبح ضعيفة عندما يكون تدهور السليمانية بمثابة انعكاس لتدهور الاتحاد الوطني الكوردستاني.
وخلصت “فورين بوليسي” الى القول ان هذا الارتباط ليس من قبيل الصدفة. وتابع ان الاتحاد الوطني الكوردستاني في حال مواصلته مساره الحالي، فانه يجازف بابعاد سكان السليمانية البالغ عددهم 700 الف نسمة عن التحول الاقتصادي الذي يقوده بارزاني، وهو ما لن يؤدي الا الى زيادة احباط مؤيديه.
وتابع قائلا ان البديل سيكون بالنسبة للولايات المتحدة، من خلال الوقوف وهي تتفرج وتراقب انهيار حكومة اقليم كوردستان، “سيكون كارثة على كورد العراق وعلى مصالح الولايات المتحدة في المنطقة”، مضيفا ان مصير اقليم كوردستان سيؤدي دورا مهما في تحديد معالم الشرق الاوسط الاوسع”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية