تقرير أمريكي يسلط الضوء على “المجد الضائع” لزراعة التبغ في كوردستان
سلّط موقع “المونيتور” الأمريكي الضوء على العراقيل والتحديات التي تواجه زراعة التبغ وصناعته في إقليم كوردستان، والتي وصفها بأنها بمثابة صورة عن “انهيار الزراعة بشكل عام”، وذلك لأسباب عديدة، من بينها الآثار التي خلفتها جرائم الإبادة الجماعية والاستيراد بالإضافة إلى نقص الدعم من جانب الحكومة.
واستعرض التقرير، ما يجري في حقل ستار المزارع أحمد سليمان الذي يملك حقلاً للتبغ صار جاهزاً للحصاد في أعلى واد جبلي في إقليم كوردستان، حيث أنه الآن مع تراجع درجات الحرارة وحلول الخريف، تتجه أوراق شتلة التبغ الخضراء إلى الإصفرار، بينما يستعد أفراد العائلة والجيران إلى الانتشار في قطعة الأرض للبدء بقطف الأوراق وتجفيفها.
جزء أساسي من الاقتصاد
وأشار التقرير إلى أن التبغ كان فيما مضى يشكل جزءاً رئيسياً من الاقتصاد حيث كانت تعتمد عليه مصانع السجائر المملوكة للحكومة في أربيل والسليمانية، والتي كانت تصنع ماركات محلية مشهورة مثل “سومر” و”الجمهورية”، لكن الآن لم يعد هناك سوى عدد قليل من المزارعين الذي يعملون في زارعة التبغ في مزارع صغيرة في الجبال المحيطة بسوران ورانية، في حين أن مصنع السجائر في السليمانية أنتج للمرة الأخيرة في العام 2005، وتحول المجمع الصناعي الكبير، إلى ساحة للمعارض الفنية والثقافية.
ونقل التقرير عن سليمان (40 عاماً) والذي يقيم في خانقا، إلى الشمال الشرقي من أربيل، قوله “نحن نزرعها لأنه يمكن التحكم بها ونعرف كيفية القيام بذلك”.
وبرغم ذلك، يقول التقرير إن سليمان لم يتمكن في العام الماضي، سوى من بيع جزء صغير من محصول التبغ لأنه لم يتمكن من الحصول على سعر جيد من تاجر الجملة.
وبلغ سعر الكمية التي باعها نحو 10 الآف دينار عراقي (7.60 دولار) للكيلوغرام الواحد، بينما بقيت الكمية الأخرى مخزنة في مستودع مجاور، وهو لا يعرف السعر الذي قد يحصل عليه هذا العام.
ونقل التقرير عن سليمان قوله إن “جميع هذه الحقول، كانت عبارة عن تبغ، لكن الآن هناك مجرد حقل واحد”.
اندثار زراعة التبغ
أما نوري أحمد (63 عاماً)، فأنه يستذكر كيف كان التبغ يزرع في أنحاء إقليم كوردستان كافة.
ولفت التقرير إلى أن أحمد كان خلال ثمانينيات القرن الماضي، يقوم بزراعة المحصول في ضواحي السليمانية بالقرب من الأراضي التي أقيم عليها المجمع السكني “مدينة كورد”.
وأوضح أحمد الذي يدير الآن متجراً في سوق السليمانية “لقد كانت منطقة جيدة جداً للزراعة ولزراعة التبغ، وكان العديد من الناس يقومون بذلك، ولكن ذلك لم يعد يحصل الآن”.
وذكر التقرير أن حكومة إقليم كوردستان تأمل في إعادة تنشيط القطاع الزراعي كوسيلة لتنويع اقتصادها والحد من اعتمادها على النفط، لكن الديناميكيات التي دمرت زراعة التبغ على نطاق واسع ما تزال مؤثرة، مضيفاً أن جريمة الأنفال في العام 1988، التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الكورد، دمرت ما لا يقل عن ألفيّ قرية ريفية، وكان العديد من القتلى والنازحين من مزارعي التبغ.
وتابع التقرير أنه فيما بعد حرب الخليج، تعرض العراق لضربة قوية بسبب العقوبات الدولية بينما عانى إقليم كوردستان من آثار “الحظر المزدوج”، بما في ذلك من جانب النظام البعثي في بغداد.
ولفت التقرير إلى أنه خلال تلك الفترة جرت عمليات نهب في ظل الفوضى التي تسبب بها الاقتتال الحزبي الكوردي، وطالت المصانع، ولم يكن بالإمكان استبدال الآلات التالفة والمفقودة، ما جعل إقليم كوردستان يفقد قدرته الصناعية على تحويل السلع الزراعية إلى منتجات ذات مستوى جيد.
الاستيراد
وأضاف التقرير أنه بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام 2003، تمت إعادة فتح العراق أمام العالم، وامتلأت أسواق السجائر بواردات دخان تتميز بسلاسة ومتعة أكبر، ما جذب المستهلكين وأبعدهم عن الخلطات النقية ولكن الحادة لتبغ السجائر المصنعة محلياً في شركات مملوكة للحكومة.
وتابع التقرير، أنه في ظل ذلك، فقد انهار سوق التبغ المزروع محلياً، التي كانت تتسم أساساً بالضعف.
واعتبر التقرير أنه بالنسبة إلى البعض في السلطة، فإن ذلك لم يكن خسارة كبيرة، إذ كان ينظر إلى الزراعة على أنها شيء من الماضي، بينما صناعة النفط المزدهرة تمثل المستقبل، وبدأ الناس من المناطق الريفية ينزحون إلى المدن الكبرى بحثاً عن وظائف خلقتها الثروة النفطية الجديدة.
الدعم الحكومي
ونقل التقرير عن الشاب فرهنك عبد القادر (20 عاماً) أنه سيقوم بمساعدة سليمان في حصاد محصول التبغ الخاص به في غضون أيام قليلة، وقال وهو يتكئ على عصا تحمل بعض أوراق التبغ التي نضجت مبكراً، إن المزارع في المنطقة اعتادت زراعة العديد من أنواع التبغ، بما في ذلك الأنواع التي من شأنها أن تحقق أسعاراً مرتفعة في السوق.
ونقل التقرير عن عبد القادر قوله وهو يشير إلى حكومة الإقليم “لكننا الآن لم نعد نزرعها، والحكومة لا تقوم بأي شيء من أجل المنتج المحلي والمزارعين المحليين”.
ولفت التقرير إلى أن ما قاله عبد القادر يعكس مشاعر شائعة بين العاملين في المزارع والأسواق، مضيفاً أن الواردات الرخيصة من إيران وتركيا تتسبب في تقويض الأغذية المزروعة محلياً، مشيراً إلى أن المزارعين قاموا خلال مناسبات عديدة، بإلقاء منتجاتهم في الطرقات كتعبير عن الاحتجاج لأن منتجاتهم مثل التبغ الذي يحاول سليمان أن يبيعه، لا تحقق أسعاراً جيدة.
وفي هذا الإطار، أشار التقرير إلى أن رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني أطلق في العام 2022، مبادرة نالت اهتماماً إعلامياً كبيراً، هدفها تنويع الاقتصاد والحد من الاعتماد على النفط، بما في ذلك الترويج لبيع الرمان في أسواق دول الخليج، مذكراً بتصريح لبارزاني قال فيه “نحن بحاجة لمساعدة ودعم مزارعينا حتى يتمكنوا من تطوير قطاع الزراعة وتحويل منتجاتهم الزراعية إلى مصدر دخل ليس فقط لأنفسهم، ولكن للحكومة وإقليم كوردستان”.
وبحسب التقرير، فإن مبادرة الدعم التي أعلن مسرور بارزاني عنها ما تزال في بداياتها وهي تركز على مجموعة صغيرة من الفواكه والخضروات التي سيتم بيعها خارج إقليم كوردستان، مضيفاً أنه لم يتضح حتى الآن عدد المزارعين الذين استفادوا من مبادرة مسرور بارزاني، بسبب افتقار برنامح المبادرة إلى الشفافية.
وبرغم ذلك، استبعد التقرير أن تحصل صناعة التبغ على دعم من الحكومة في وقت قريب، على الرغم من مكانتها كمحصول موروث رئيسي.
ونقل التقرير عن متحدث باسم وزارة الزراعة في حكومة الإقليم، قوله إنه ليس لديه معلومات عن خطط لمساعدة مزارعي التبغ.
واعتبر التقرير أن فهم السبب وراء توقف زراعة التبغ يسلط الضوء على التحديات النظامية التي تواجه إعادة بناء القطاع الزراعي الذي كان يتميز بالقوة فيما مضى، مضيفاً أن الواردات الأرخص ثمناً، تؤدي إلى تقويض المنتجات المحلية وتحل محلها، في حين أن المزارعين الذين يزرعون المحاصيل الأساسية، لا يحصلون على الدعم الكافي من الحكومة، بينما أصبحت الأيدي العاملة الآن تعمل في المدن وليس في الأرياف.
ونقل التقرير عن أحمد قوله وهو جالس في متجره، إنه سيكون من الصعب تفعيل الزراعة في إقليم كوردستان في ظل التحديات الحالية، موضحا أن “الشجرة عندما يتم اقتلاعها، لا تنمو مرة أخرى”.
ـ ترجمة وكالة شفق نيوز
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية