أبريل 26, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

سهر كوسا : زهرة الشمس ..قصة قصيرة

زهرة الشمس ..قصة قصيرة
سهر كوسا
على بعد قارات وثقافات وزمن وجد الفتى نفسه في محيط لم يألفه .. سماوات مرتفعة ومساحات خضر لا متناهية .. جداول ماء صغيرة تفاجئك كما التهمة ، ثم لا تلبث ان تغيب دون ان تدرك كيف يحدث كل هذا ..
ملايين الأشجار لا تحفظ الذاكرة أسماءها توزع في مساحات مرسومة بعناية ، قبائل خضر بارتفاعات  غير متشابهة وبأسماء غير متشابهة أيضا ..

غابات زهرة الشمس ، هكذا كانت تسمى الزهور الوان غريبة ، وأشكال لا علاقة لها بما يعرفه عن الزهور ، وشمس لم تكن الانعكاسات ضوئية تداعبك حيناً ، تغضبك ، او تغضب منك أحياناً ، ثم لا تلبث ان تختفي ..

يسير الفتى مأخوذاً بما يراه ، تلفت يميناً ثم شمالاً ، نفس المشاهد ، فَكر ان يغمض عينيه ويستند الى جذع الشجرة ، ويطلق العنان لحاسة أخرى تكتشف المكان ..

أصاخ السمع ، أصوات غير مألوفة ، نداءات مشوشة ، فَكر ان ماشاهدهُ يربك سمعه ، فلجأ الى حيلة قديمة ، تصور نفسه جالساً في بيته البعيد وأصاخ السمع من جديد..

صوت ابيه يرتل القرآن ، صوت عذب حنون يحمل خمسة عشرة قرنا من التقوى ، أصوات قدور وملاعق وصحون تستعد للإفطار , ورائحة طعام معجون بدعاء امهِ وصوت ابيه , احس بالجوع , فتح عينيه , شاهد كوخاً خشبياً يستظل بشجرة عملاقة , وفي نافذة الكوخ المشرعة , كانت عينان واسعتان تحدقان فيه .. الفتى لا يبعد سوى خطوات عن الكوخ , والنافذة تقع الى يمينه , والى شماله غابات وغابات ..

خفق قلبه , نظر نحو العينين .. صفاء عجيب , وبرودة لذيذة تسري في أوصالهِ .. العينان ترقبان نحوه , وهو يرقب نفسه .. شعر ان الأشجار تنحني نحوه .. لاشيء غير الخوف يفجر في نفسه رغبة التحدي والاكتشاف ..

هل كان غصناً تهدل فجأة , او هو شعرها ذلك الذي حجب نصف وجهها ونصف روحه ..

سار بخطوات قلقة سريعة , الوجه السحري يغيب , وعبر نصف دورة كان الكوخ قد أصبح وراءه ..

الجداول الصغيرة مترعة بالماء , ورائحة لحاء الأشجار المحملة بالصمغ تفوح ..

كان الفتى قد استعان بكل حواسه , وأجهدها بصدق ليجد نفسه بالكوخ مع زهرة شمس أزلية .. لاشيء غير إحساس صادق معبر عنه بفعل صادق يفتح مغاليق السر الإنساني في رحلة خوفه .. جاس الفتى وجه زهرة الشمس , وتأمل شعرها , وثم تتبعا أثار الدخان في سقف الكوخ قبل ان يجلس قرب الموقد ..

غابت الفتاة قليلاً , ثم عادت محملة بألق اضاء الكوخ المعتم , وقنينة خمر , وخبز اسود ..

التقط الفتى أربع قطع من اخشاب الموقد ورتبها كما الكوخ , واخذ ينظر الى لسان النار وهو يتموج ثم ينعكس على وجه الفتاة .. وأذ احست الفتاة بلون النار , تناولت قطعة خبز وجلست جوار الفتى , وهي ترقب الخمر تعلو في كاسين .. حاول الفتى ان يحدثها , اسرعت بكأسها ووضعته على شفتيه ,واشارت لهُ , ففهم ان الحديث امر غير لائق في مملكة زهرة الشمس ..

نار الموقد تعلو , ومستوى الخمر في القنينة يهبط .. تضرج الخبز الأسود بالخمر الأحمر , وتضرج وجه الفتاة بلون النار , فتجلت حكمة الفتى في فهمه ان زهرة الشمس كائن لا ينفصل بيئته عن الغابة والخمر والموقد, وفهم أيضا ان السر شيء كالماء ينبع من الأرض وينزل من السماء  يسكن أوراق الأشجار وقناني الخمر وعيون الصبايا , وجسد زهرة الشمس ..

صدرها يعلو , فتلفظ الأزرار قميصها الأسود , ويسيل شعرها الطويل خَلف مقعدها القديم .. قنينة خمر أخرى , وكأسان مترعتان , مقاعد فائضة دفعت عن الموقد , فبانت أرضية الكوخ سوداء مشربة بحمرة النار والخمر , زهرة الشمس جسد هجر ملابسه , وهتاف قديم , والفتى عيون فضحت السر , ورغبة أزلية ..

كأسان خاويتان , وجسدان ممتلئان بالحياة , خمر في العيون نار تتلوى , تسري , تؤلم , تنفجر ..

بدأت رحلة الفتى مع زهرته , من أظافر قدميها جاس كل خلية وكل انحناءة او استدارة او استطالة وحتى ذوائب شعرها ..

شيء ينبض كالألم , يذوب كاللذة , يمتلئ كعين ماء , يعلو كطائر , ويهبط كالسهم ..

وكانت الفتاة خلاصة معتقة لسر حواء , منحت كل شعرة في رأسها , وكل خلية في جسدها , عبر تناسق مذهل بين الشهيق والزفير . بين الأهداب والعيون , بين الشفاه واللسان , بين الجنب الأيسر والأيمن , تناسق بركان او انفجار ..

السنة النار ..  جداول ..  رائحة أشجار .. وثمار ناضجة وزهور , ثم قدرة فذة على امتلاك السر في لحظة شامخة من الزمن ..

جسدان لم يهدءا , ورغبتان تصرخان في التحام مطلق ..

ماء ونار , شمس وغابة ..

أهو اختراق جديد للزمن امتأكيد اخر لقانونه .

 

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi