قرارات المحكمة الاتحادية ضد إقليم كوردستان محاولة لإفراغ الفيدرالية في العراق من محتواها
خضر منتك
المتابع للاحداث وتاريخ ومجريات الحركة التحررية الكوردستانية في إقليم كوردستان (العراق) طوال العقود الماضية ، بقيادة القائد الكوردي التاريخي ، الخالد مصطفى بارزاني ، سيجد ان هذه الحركة دائماً ماكانت حركة مطالبة ومنادية بالديمقراطية لكل العراق ، على امل ان يتمتع الكورد وبقية المكونات في العراق بحقوقهم القومية في ظل نظام ديمقراطي عادل يكون الجميع فيه سواسية من حيث الحقوق والواجبات ، والكل يكونون مواطنين من الدرجة الأولى وليست الثانية اوالثالثة.
وبعد العام 1991 والانتفاضة الشعبية ، وإخراج النظام ومؤسساته القمعية من كوردستان وانتصار شعب كوردستان بكل مكوناته على الدكتاتورية والظلم والقمع الذي مارسه لعقود النظام العراقي السابق ، كان اول من دعا الى اجراء انتخابات ديمقراطية واستبدال الشرعية الثورية بالشرعية الديمقراطية والدستورية هو الزعيم الكوردي مسعود بارزاني ، وهذا ماحصل فعلاً وتم اجراء اول انتخابات تشريعية في إقليم كوردستان في 19 أيار من العام 1992 ، واقر البرلمان المنتخب الفيدرالية عبر القرار المرقم (22) في نفس العام ، على امل نيل الحقوق والتطلعات الديمقراطية لشعب كوردستان بكل مكوناته ، كحل ديمقراطي امثل في اطار دولة عراقية اتحادية ، مثله في ذلك مثل كافة الدول المتقدمة المشكلة على اساس الاتحاد الفيدرالي.
وبعد عملية تحرير العراق وسقوط النظام الدكتاتوري ، شارك الكورد في بناء العراق الجديد بكل قوتهم ، وشاركوا في كتابة الدستور الجديد للبلاد والذي اقر بنظام الحكم الفيدرالي في العراق وبأن تطبيق بنود الدستور هو الضامن لبقاء العراق موحداً ، كاتحاد اختياري ، لبلد متنوع مكون من قوميتين رئيسيتين هما الكورد والعرب ، ويضم كذلك مجموعات عرقية وطائفية ودينية مختلفة.
واقر الدستور العراقي الجديد الذي صوت عليه اكثر من 85% من الشعب العراقي ، إقليم كوردستان ككيان فيدرالي له رئيس وحكومة وبرلمان منتخب يعملون على اتخاذ القرارات ورسم السياسات المتعلقة بالأمن والاقتصاد والتعليم والرعاية الصحية والثقافة والخدمات الاساسية الأخرى ضمن مناطق الإقليم ، وقد أسهمت الإدارة الكفوءة للموارد الطبيعية والبشرية في الاقليم في تحقيق نمو اقتصادي كبير وتحسين الاوضاع الاقتصادية بشكل عام ، حيث وصلت مستويات الخدمات الأساسية في إقليم كوردستان في قطاعات الصحة والتعليم والزراعة والبنى التحتية إلى مستويات متميزة متجاوزة تلك الموجودة في مناطق وسط وجنوب العراق باشواط كبيرة ، وتقترب من مستوى الخدمات المماثلة في البلدان المجاورة للعراق بل وحتى تضاهيها احيانا.
وفي قطاعي النفط والغاز، حقق إقليم كوردستان العراق إنجازًا ملحوظًا منذ عام 2003 من خلال بناء منظومة متطورة ومتكاملة لإنتاج وتكرير وتصدير النفط والغاز. وقد نجح اقليم كوردستان في جذب المستثمرين الذين لعبوا دورًا حيويًا ومهماً في تطوير وتوسيع قطاع النفط والغاز في الإقليم ، مما ساهم في نمو الاقتصاد المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.
كل هذه التطورات والتقدم الذي شهده إقليم كوردستان في مختلف المجالات ، خلق للإقليم خصوم واعداء كثيرين ، لم يعجبهم تقدم إقليم كوردستان وتطوره ، وبدأوا محاولاتهم لوضع العصا في الدواليب ومحاولة تغطية فشلهم عبر وضع العراقيل امام عجلة التقدم في الإقليم وإضعافه كهدف تكتيكي ، والقضاء عليه والغاءه وتفكيكه ككيان فيدرالي دستوري كهدف استراتيجي بعيد المدى ، بوسائل وأدوات مختلفة.
وقد بدأت هذه العراقيل مع قطع الحكومة الاتحادية لحصة إقليم كوردستان في الموازنة العامة الفيدرالية بالتزامن مع دخول إقليم كوردستان في حرب ضروس مع ارهابيي داعش ، وفرض حصار اقتصادي على الإقليم ، ثم الهجوم العسكري الواسع غير المبرر في 16 أكتوبر 2017 بعد استفتاء الاستقلال في العام نفسه ، وامتدت محاولات اضعاف وتقويض الكيان الفيدرالي لإقليم كوردستان والنظام الفيدرالي في العراق بشكل عام حتى الان ، بطرق وأساليب مختلفة ، من بينها كما هو الحال عليه الان ، عبر محكمة غير دستورية وغير قانونية ، تسمى بالمحكمة الاتحادية العليا وقراراتها المسيسة التي هي ابعد ماتكون عن روح القانون والدستور.
ويمكن ملاحظة توجه متنامي في العديد من الدوائر السياسية في بغداد ولدى كتل سياسية في مجلس النواب الاتحادي لمعاداة حقوق إقليم كوردستان وشعبه ، وعلى سبيل المثال نرى المناقشات السنوية للموازنة وخصوصاً المتعلقة بحصة إقليم كوردستان منها وكذلك الاتفاقيات مع حكومة الإقليم حيث تخضع لمناقشات مفتعلة ومعارضة ومحاولات عرقلة من قبل مجموعات من نواب الكتل السياسية المعروفة بتبنيها لاجندات مشبوهة هدفها الحد من استحقاقات إقليم كوردستان الدستورية. ومما يؤسف له أن هذا النهج مدفوع بالرغبة في تقليص الصلاحيات والامتيازات الدستورية الذي يتمتع بها إقليم كوردستان وفق الدستور، وبالتالي فإن هذا الامر يعتبر انتهاك للمبادئ الأساسية للدستور العراقي المتعلقة بالفيدرالية.
ان القرارات الأخيرة للمحكمة الاتحادية ضد إقليم كوردستان هي قرارات سياسية بامتياز ، تهدف وبشكل واضح لا لبس فيه لسلب صلاحياته وخرق الدستور وباتت تذكرنا بسلطة مجلس قيادة الثورة في حقبة البعث ، فهذه القرارات محاولة للعودة بالعراق الى المربع الأول وإفراغ النظام الفيدرالي من مضمونه ومحتواه ، عبر فرض إرادة غير وطنية على إقليم كوردستان ككيان فيدرالي معترف به في الدستور ولديه حكومة وبرلمان منتخبين.
وكان المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني ، اكبر الأحزاب الكوردية ، بعدم الاشتراك في الانتخابات البرلمانية، واضحاً ، حيث جاء وكما اكد البيان من منطلق فهم الحزب لموقعه ومسؤوليته التاريخية في المحافظة على الحقوق المشروعة لشعب كوردستان “ونظامه الديمقراطي والاتحادي للعراق”، وعدم اضفاء الشرعية على انتخاب غير دستوري وغير ديمقراطي والوقوف أمام جميع الخروقات الدستورية التي تمارس من قبل المحكمة الاتحادية ضد إقليم كوردستان ومؤسساته الدستورية عامة والتعديلات غير الدستورية لقانون انتخاب الدورة السادسة لبرلمان كوردستان بشكل خاص.
وهنا بقي ان نقول ان الذين يحاولون النيل من إقليم كوردستان ومن حقوق شعبه ومكتسباته قد نسوا او يتناسون التاريخ ودروسه ، والذي يثبت ان الانتصار النهائي هو لإرادة شعب كوردستان التي لم ولن تلين .
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية