يوليو 27, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

بكر صدقي: بين حجاب الإيرانيات ونقاب نساء أعزاز

بين حجاب الإيرانيات ونقاب نساء أعزاز

بكر صدقي

قبل نحو شهر من الآن احتدم سجال حاد، على موقع فيسبوك، حول صورة توثق تخرج دفعة من طالبات جامعة الشام في أعزاز السورية الواقعة في منطقة سيطرة القوات التركية والفصائل العسكرية السورية التابعة لها. ففي الصورة مجموعة من المنقبات اللواتي لا يظهر أي شيء يدل على شخصياتهن، مرتديات عباءة التخرج المعروفة في جامعات العالم.

لم يكن السجال بين رافضين للنقاب ومدافعين عنه، بل بين هؤلاء ومن استغرب الصورة لأنها ليست صورة، فهذه تعريفاً تعني الوجه قبل كل شيء حين يتعلق الأمر بأشخاص. أول الشخصية وجهه، فإن حُجِبَ اختفت وألغيت، لتبقى مجموعة كتل سوداء لا يمكن للناظر التكهن بهوياتها. هل وراءها حقاً طالبات أو حتى نساء؟

كان اللافت في هجوم أنصار النقاب أنهم لم يتذرعوا بتعاليم الدين، ربما لأنها بديهية لديهم، بل بـ«الحرية الشخصية» للنساء في ارتداء النقاب. ربما لأنهم رأوا أن خصومهم في السجال علمانيون، ولكن أكثر من ذلك لأن الحرية كقيمة إيجابية كانت الشعار الأبرز للثورة السورية وروحها المحركة. فقد رأوا في إبراز حجة «الحرية الشخصية» إفحاماً لخصومهم لا يستطيع هؤلاء الرد عليه. فيما رد هؤلاء بنشر صورة لتعميم صادر عن جامعة أخرى في مدينة إدلب التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» يفرض على طالباته ارتداء النقاب. أي أن الخلاف تركز حول النقاب/ الحجاب بين الإكراه والحرية الشخصية.

من الصعب التأكد من سبب تنقب النساء في المناطق المذكورة، حتى لو جرى سؤالهن واحدة واحدة، فلا شيء يضمن أن يكون الجواب صادقاً في ظل سلطات أمر واقع مكونة من مجموعات مسلحة هي جميعاً إسلامية شديدة المحافظة في موضوع النساء، ومعروفة بمعاقبتها لمن يخالف التعليمات بهذا الشأن. هذا عدا عن البيئة الاجتماعية المحافظة أصلاً، وازدادت تمسكاً بهذه المعايير في ظل سلطات المجموعات المسلحة المشار إليها. تلك السلطات التي تضيّق على عمل الإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني، بعيداً عن موضوع الحجاب والنقاب، لا تعني الحرية الشخصية شيئاً بالنسبة لها، بل هي معادية لها في مسالكها القمعية.

ولكن قد يمكن الافتراض أن هناك نساء، لا نعرف نسبتهن إلى المجموع، يخترن الحجاب طوعاً من غير انتظار لأوامر تفرض عليهن. ولكن بالمقابل يمكن افتراض أن نسبة كبيرة من النساء يرتدين الحجاب، وبخاصة النقاب، رضوخاً لإكراه، أو تجنباً لضرر كالحرمان من الخروج للعمل أو الدراسة مثلاً، وهذا إكراه غير مباشر لكنه لا يقل فاعلية عن التعليمات الصارمة التي يؤدي الخروج عليها إلى العقاب. وهناك أخيراً نوع من الإكراه «الناعم» الذي يتمثل في ضغط البيئة الاجتماعية، حيث أن المرأة حتى لو تغلبت على مقاومة أهلها وخرجت سافرة، ستعاني من نظرات الناس إليها في الحي الذي تقطنه أو في مكان العمل، إذا كانت الأكثرية الساحقة من بنات جنسها محجبات أو منقبات، ومعها سيعاني أهلها أيضاً وبخاصة ذكور الأسرة من أب وأخوة وأقارب، ليرتد ذلك عليها في النهاية بتخييرها بين الحجاب /النقاب أو التخلي عن العمل أو الدراسة.

ذلك أن الحجاب والنقاب يتعارضان مع «الفطرة» البشرية، إذا استخدمنا الكلمة الأثيرة لدى الإسلاميين والمسلمين المحافظين، ومع الحرية طبعاً. وما التذرع بالحرية الشخصية في ارتداء الحجاب إلا للتغطية على السلطوية الذكورية التي تستقوي بالدين في تأويله المحافظ وليس الدين بإطلاق القول. فلا يعقل أن يفرض دين على النساء الحجاب والنقاب وكتابه المقدس يقول «خلقنا الإنسان في أحسن تقويم».

يمكن الاستدلال بواقع أن كثيراً ممن كن محجبات في سوريا، قد خلعن الحجاب بعد لجوئهن إلى بلدان أخرى وتخلصهن من السطوة الذكورية وضغط المجتمع المحافظ. هذا لا يلغي محافظة قسم آخر من النساء على حجابهن في بلدان اللجوء، فضغط التقليد المحافظ لا يتوقف بمجرد الخروج إلى بلد آخر.

لكن فرض الحجاب أو النقاب لا يتعلق فقط بالسلطوية الذكورية بالمعنى الاجتماعي، بل كذلك بالهندسة الاجتماعية التي تفرضها سلطات الأمر الواقع السياسية ـ العسكرية لتكريس سطوتها على المجتمع برجاله ونسائه.

هذا ما نراه الآن في إيران: سلطة قمعية متمسكة بفرض الحجاب، مستعدة للقتل من أجله، وانتفاضة بدأت بسبب مقتل امرأة بدعوى أن حجابها غير مطابق للمعايير الصارمة، تخلع فيها النساء حجابهن ويحرقنه، والبعض منهن يقصصن شعرهن. الحجاب هنا رمز سياسي لدى كل من السلطة والانتفاضة، وهو كذلك في المناطق السورية الواقعة تحت سلطة المجموعات الإسلامية، إعزاز مثالاً. قال بعض المشاركين في السجال حول صورة التخرج المذكورة أعلاه للمنقبات إن جامعة الشام لا تفرض النقاب، وإن فيها طالبات غير منقبات. أين هن إذن في الصورة؟ أم تم حرمانهن من الظهور في الصورة بسبب عدم التزامهن بالنقاب؟

يبقى التساؤل عن موقف أولئك المدافعين عن النقاب في سوريا مما يحدث في إيران. فهم من بيئة الثورة السورية، وإن كان مفهومهم لها إسلامياً، ودور إيران في قمع الثورة سيدفعهم بداهةً للتهليل للانتفاضة على نظام الملالي. لكن دور النساء في هذه الانتفاضة ومركزية موضوع الحجاب سيحرجهم ويقوّض ذرائعهم بشأن الحجاب والنقاب بوصفهما «حرية شخصية» للمرأة. لذلك لم نر منهم ذلك التهليل أو التضامن المنتظر.

الحرية لا تتجزأ، لا يمكن للمرء أن يكون مع الحرية السياسية وضد الحرية الاجتماعية في وقت واحد.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi