من المسؤول عن إنقراض الأقليات في العراق؟
طارق حسو
لاشك عندما نتحدث عن الأقليات تعني مجموعة من الأقليات الدينية و الأثنية والمذهبية مثل” المسيحيين کلدوسريان، آشوريين، أرمن والإيزيدية، الصابئة، البهائية، الکاکائية – آهل الحق والشبك”،تمتد تاريخ وجذور هذه الأقليات إلي حضارة بلادمابين النهرين العريقة .
إذا أمعنا النظر إلي هذه الأقليات نرى بأنها قد حافظت علي عاداتها وتقاليدها و ميثولوجيتها عبر السنوات الطويلة يبرهن على أصالتهم و واسع أفقهم وعمق معانيهم في تاريخ وحضارة المنطقة بأکملها .
عندما نلفت النظر قليلاً إلي التاريخ و بالأخص الربع الأول من القرن العشرين وحتى نهايته يظهر للعيان بأن غالبية هذه السنوات الطويلة أصبحت شبه مستقرة بالنسبة لکل الأقليات في العراق. أستطيع القول بأن هذه الفترة الزمنية كانت تتميز بالأمان و ضمان وإزدهار أکثر منالقرون السابقة التي تميزت بالقتل والدم وجلبت الخراب والحروب والفرمانات و الغزوات على هذه الأقليات…. إلخ الظلم والإضطهاد الذي لحق بتلك الأقليات ، وکل هذا الأمان و الإستقرار كان نتيجة ظهور الحکومات و الدويلات و إنتفاضات و ثورات القومية في المنطقة و بالتالي إدي الي إنتشار الشعور والأحساس بالوعي القومي بين المواطنين بشکل أوسع وضعف الفکر الراديکالي الديني المتطرف وکسرت شوکة الإمبراطورية العثمانية التي أحتلت الدول العربية بأسم الدين وبنفس الوقت لصالح القومية الترکية العثمانية، ولم تكن تخدم سوي المنفعةالذاتية للدولة العثمانية،و خلال فترة حکم السلاطين المتعاقبة قد إنجزت وشعلت فتيل النار بين الإنسان ضد أخيه الإنسان بحجة الإتهامات الفارغة بأسم الدين من أجل الأستمرار بحکمه في البلدان المحتلة وبسطت هيمنتها عليهم ،هذه سياسة الدولة العثمانية معروفة في التاريخ .
بعد إنهيار الإمبراطورية العثمانية في العراق والمنطقة بأسرها تغير المسار الديني لمصلحة المسار القومي تدريجياً وإستمر حتى ظهور الحکومات وأصدار الشرائع والقوانين، وهذا التغير في المسار كان له دور في حماية الأقليات من الأذي ومن التمييز وأدي إلي إبعاد البلد من أزمات والحروب الداخلية وأنشأ روح التسامح والأخوة بين مکونات الشعب العراقي بمختلف فئاته، وللذکر فقط أن هذه الحکومات المتعاقبة في العراق کانت ملکية وجمهورية ودکتاتورية وبرجوازية وفي نفس الوقت كانت نعمة على الأقليات في وطنهم إلي حدما، ومن خلال طبيعة حکمهم الفردي تعلم المواطن العراقي القوة وإعتناق الثقافة المشترکة وروح التسامح الأخوي بين جميع مکونات المجتمع العراقي بدون نقد وحساسية مهما کان دينه أو مذهبه أو عقيدته فكان هناك مساواة في الحياة العامة وفي صنع القرارات أيضا دون أي تمييز ، ياتري نحن الآن في عصر الحرية والديمقراطية والعولمة إذا أجرينا مقارنة بسيطة مع تلك الديکتاتوريات والحکومات اللاديمقراطية سوف يتبين لنا بأن الطائفية والتمييز العنصري والعرقي قد أزداد علي حساب الدين، و الجواب عند القارئ الکريم ومن هو المسؤول ؟ هذاالحالة تذکرنا بالمقولة ” ديکتاتورية دول الشرق الأوسط هي ديـــمقراطيتهم” بغض النظر عن الدين أو القومية أو الدولة . هذا خطأ فادح وخيانة تاريخية من قبل حکومات اليوم أمام مکونات المجتمع الأساسية في وطن الأباء و الأجداد والإنحياز إلي جانب التيار الديني الراديکالي علي حساب الأکثرية وجعل الشرعية الدينية المصدر الرئيسي لتسيير أمور البلد في القرن الحادي والعشرون وهو العامل الرئيسي الذي أدى إلي إنهيار الأحساس بالشعور والوعي القومي أمام الدين وشريعته وبالتالي خضعت هذه الأقليات إلي قيود وإنتهاکات لحقوقها وتهميش مقدساتها الدينية وبقي دستورهم وقوانينهم المطاطية مجرد حبرا علي الورق لا أکثر، وهم مسؤولون عن خروقات والأحداث الأخيرة بين مکونات الشعب نفسه بأسم الدين وتفريغ البلد من أقلياته ومکوناته الأصلية وإجبارها على الهجرة نحو الدول الأوربية وإبعادهم عن الوطن.
بإعتقادي إن قرار الهجرة عندما يتخذه المرء ليس بالسهولة علي نفسه بترك وطنه ومقدساته وذکرياته في سبيل العيش بأمان والإستقرار في الغربة، إذا لم يكنقد وصل السکين إلى عظمه وتهميش حقوقه و أحساسه بأنه أصبح مواطن من الدرجة الثالثة والرابعة ، والسؤال الذي يحيرني هو أن هذه الحکومات تدعي بأسم الديمقراطية والحرية وتوزع حبات المسکن ببعض الکراسي من الکوتات ساري المفعول. بإعتقادي أن إحترام حقوق الأقليات في الهوية والحماية هو العوامل الأساسي في إدارة التنوع و تحقيق الأستقرار، والعکس هو الصحيح، أن تهميش حقوقهم وعدم تثبيت مقدساتهم في دستور الدولة بشکل واضح تكون بمثابة عملية الضحك علي الذقن لا أکثر، نتيجة کل هذه السياسات الخاطئة من قبل الحکومة تعرض الأقليات إلي الهجمات من قبل الراديکالين بأسم الدين والتمييز العنصري والعرقي في البلاد.
فقد قال ” وليـــم وردة ” المنسق العام لتحالف الأقليات العراقية في الشهر الجاري حول الأقليات و تهميشهم :يجب علي الحکومة أو الدولة توفير الحماية لهم وتطوير التشريعات والقوانين بخصوص الأقليات أمرا ضروريا . ويقصد هنا السيد وليـــم بالحماية ليست الحماية المسلحة أو حماية المساجد و الکنائس والمعابد والمزارات المقدسة ، بل القصد منه إصلاح القوانين الرئيسية للبلد وحماية وجود هذه الأقليات والحظر من التمييز علي أساسات مختلفة ذات صلة بالأقليات والعمل من أجل بقاء الأقليات في البلاد ومنع الهجرة إلي الخارج ،تثبيت وضمان حقوقهم في دستور الوطن بعيداً عن التمييز العنصري في العقيدة والإيمان، بل علي أساس المواطنة والشراکة الحقيقية وإحساس الفرد بمواطنيته بمعني الکلمة . أن هذه الأقليات قدمت الكثير من التضحيات من أجل الوطن ودافعت عنه أمام کل التحديات عبر مسيرته الطويلة وقاوم کل الإبادات والحروب والغزوات وهذا أمر واضح ويسطع مثل وجه الشمس والتاريخ شاهد ولا يرحم أحد .
واليوم واجب علي الحکومة أن تفکر بالأقليات وأصالتهم في البلد بالفعل وليس بالقول وفي مکان هذا زرع وإستخدام عامل التطرف الديني والمذهبي والطائفي في البلد ، وأصبحت الأقليية اليوم بمثابة قطيع الغنم وإستعمالهم في وقت الحاجة والطلب کما مبين .وتدحرج وتدهورت أمور الدولة يوما بعد يوم نحو الأسوء وکل أحلام وخيالات الأقليات باتت بالفشل وذهبت مع أدراج الرياح في الأخير.
أخيراً أقول إلي متي يبقي التمييز العنصري والعرقي والتطرف الديني والمذهبي، وتهميش حقوق الأقليات في العراق ؟ ، ماهو الحل الأصح؟ بإعتقادي وحسب قناعتي سيبقي الوضع کما هوإلي الأبد إذا أستمرت الحکومــــــة في التقصير وإذا لم يفصل الدين عن السياسة داخل الدولة الواحدة .
Tariq-heso@hotmail.de
Berlin
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية