حين يُعاقَب إقليم كوردستان على نجاحه
كوردستان المزوري
في مشهد عراقي مثقل بالأزمات، حيث تتراجع البنى التحتية وتخفق الخدمات العامة، ويتفشى الفساد والبطالة، يبرز إقليم كوردستان كاستثناء نسبي، يقدم تجربة أكثر استقرارًا إداريًا، وبيئة اقتصادية أكثر انفتاحًا، وبنية عمرانية تواصل النمو رغم التحديات.
فأربيل والسليمانية ودهوك شهدت تطورًا ملحوظًة في السنوات الأخيرة، مع المشاريع الحضارية الحديثة، واستثمارات في المجالات السياحة والطاقة والنقل وإلى جانب هذا التقدّم العمراني، حافظ الإقليم على درجة من الاستقرار الأمني، جعلته بيئة مفضلة لكثير من المستثمرين الأجانب.
لكن بدل أن تُقابل هذه النجاحات بتقدير وتشجيع من بغداد، غالبًا ما تواجهها قرارات عقابية، تتجلى أبرزها في ملف الرواتب، الذي تحوّل إلى أداة ضغط سياسي تستهدف الإقليم ومواطنيه، لا لسبب سوى استقلاله النسبي في القرار، أو تواصله الدولي، أو تبنيه سياسات إدارية واقتصادية مختلفة.
إن تأخير رواتب مئات الآلاف من الموظفين، وربطها بالتجاذبات السياسية، يمثل خرقًا صارخًا للدستور، وإضرارًا مباشرًا بمفهوم العدالة الاجتماعية. فهل يُعقل أن يتحوّل حق الموظف في راتبه إلى ورقة مساومة؟ وهل من المنطق أن تُصرف أموال طائلة لمؤسسات وهمية في مناطق أخرى من العراق، بينما يُترك موظفوا إقليم كوردستان ينتظروا شهورًا من دون دخل؟ و الرواتب تُقطع عن موظفي الإقليم كوردستان فقط لأنهم يعيشون في منطقة تحاول أن تنجح مئات الآلاف يُعاقبون لا لذنب ارتكبوه، بل لأن هناك من يكره أن يرى مكانًا في العراق يتقدّم.
المفارقة أن “النجاح” في هذا السياق لم يُكافأ، بل حُورب. لم يُسأل الإقليم: كيف نجحتم؟ بل وُوجِه بالسؤال لماذا تنجحون؟ ليس لديكم حق في النجاح لن نسمح لكم بنجاح أكثر، و إذا كانت هناك نية فعلية لبناء عراق موحد، فإن هذه السياسات لا يمكن أن تستمر. المطلوب ليس أكثر من أن تطبيق الدستور والعدالة، وإحترام إرادة المواطنين، وفصل الخلافات السياسية عن حقوق الناس في العيش الكريم. فالوطن لا يُبنى بالكيد السياسي، بل بالشراكة الحقيقية، والاعتراف المتبادل، والاحترام.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية