أكتوبر 09, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

من “الباذنجانة” الى “الاصبع” و”السعلوة”.. نُصب وتماثيل تثير سخرية العراقيين

من “الباذنجانة” الى “الاصبع” و”السعلوة”.. نُصب وتماثيل تثير سخرية العراقيين

كلّف بعضها آلاف الدولارات

عرف العراقيون الفن والنحت منذ قديم الزمان ، وبرزت على مدى قرون أعمال فنية شكلت علامة فارقة في تاريخ الفن في وادي الرافدين ، إذ لا تزال هناك آثار ونصب فنية شاخصة أبهرت العالم ، لكن سلالة الإبداع لم يكتب لها الاستمرار، وبرزت في السنوات الأخيرة أعمال فنية بلا ملامح أو معنى ، وأثارت سخرية العراقيين.

ومنذ سنوات، كانت الساحات العامة والأماكن المهمة توضع فيها أعمال لم تبرز فيها اللمسات الفنية التي تثير انتباه المواطنين، لكنها سرعان ما تحولت إلى مادة للسخرية والضحك على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي.

في السياق ، لم يكن الاعتراض على “نصب الإصبع” في بغداد والخلاف حول جماليته ومدى ملاءمته الذوق العام الأول من نوعه ، حيث أثارت هذه النُصب والتماثيل اعتراضات كبيرة وموجات من السخرية ، إما لأنها “بلا معنى” وفق تعبير المعترضين أو لأنها منفذة بطريقة تبدو صادمة للجمهور، أو لأنها لا توافق المعايير الفنية العالية برأي الكثير من العراقيين، بالنظر إلى تاريخ البلد الحافل بمظاهر الفن والجمال العمراني الممتد منذ آلاف السنين.

“نصب الإصبع” في منطقة الجادرية في بغداد

وفتحت تلك الأعمال الباب أمام تساؤلات كبرى عن مستقبل النحت العراقي ، لا سيما بعد ظهورها في ساحات عامة في عدة محافظات جنوبي العراق ، مما يثير المخاوف أكثر بشأن اتساع التشوه البصري وانحسار الأعمال الفنية التي تحمل بصمة جمالية واضحة.

بالنسبة إلى أليكس فون تانزيلمان، فإن “التماثيل ليست محايدة، ولا توجد في الفراغ”، كما تحاجج في كتابها “تماثيل متساقطة”، الذي خصصته للحديث عن 12 تمثالاً “صنعت التاريخ” وفق تعبيرها، ومن بين هذه التماثيل أشارت لتمثال صدّام حسين الشهير في ساحة “الفردوس” الذي تحول سقوطه عام 2003 إلى رمز لسقوط نظام حزب البعث.

تانزيلمان ترى أن “ما يحدد ردود أفعالنا تجاه التماثيل هو ما تمثله، ومَن رفعها، ومَن دافع عنها، ومَن قام بإسقاطها ولماذا؟ فكل هذه العوامل نحتاجها لفهم لماذا يشكّل انتصاب تمثال أو سقوط آخر أهمية أكثر من انتصاب أو سقوط تمثال آخر، ولماذا يختلف ردّ فعل الناس تجاه هذه الأصنام من ثقافة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر”.

من هنا فإن بعض التماثيل التي تحمل معان سياسية أو ثقافية إشكالية، قد تثير الجدل أكثر من غيرها. أما في حالة “نصب الإصبع” وما أثير حوله، فكان مسألة مرتبطة بشكل أساسي بالقيمة الفنية ، واعتبار نقابة الفنانين العراقيين أن هذا النصب “لا ينتمي إلى حضارة وادي الرافدين لا زماناً ولا مكاناً ولا يرمز إلى قيم ومعتقدات وتاريخ بغداد الحضارة ويخلو من القيم الفنية والجمالية الرصينة”، كما جاء في كتابها الذي وجهته إلى أمانة بغداد.

كما انتقد فنانون عراقيون “رداءة” بعض النصب الموضوعة في الساحات العامة العراقية، لانخفاض قيمتها الفنية كونها “تُصنع من مواد رديئة تجعلها غير قابلة للصمود أمام عوامل الزمن” على حدّ تعبيرهم.

تسميات فكاهية

وقبل أن تثير هذه الأعمال حفيظة المتخصصين والنقاد والفنانين، يسبق الرأي العام العراقي غالباً الجميع إلى إثارة الجدل حولها، وتحويل الكثير منها إلى مادة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

في عام 2014 مثلاً، أطلق مواطنون في البصرة لقب “الباذنجانة” على نصب فني يرمُز إلى النفط (كلّف 8 مليارات دينار) ، بسبب شكله الذي يشبه ثمرة الباذنجان.

كما أطلق مواطنون في الناصرية على تمثال المرأة السومرية لقب “السعلوة”، لما اعتبروه “بشاعة في منظرها”، في إشارة إلى أسطورة “السعلوة” المستمدة من التراث الشعبي.

كما أثار تمثال في النجف يمثل أسداً (كلّف نحو 54 الف دولار) سخرية مواطنين بسبب “تنفيذه السيء”.

باب للفساد

وإلى الجدل الفني والجمالي المتصل بالذوق العام، يخوض الجمهور مع كل حدث مماثل في مسألة الكلفة المالية لهذه الأعمال، التي كلف بعضها آلاف الدولارات، ما اعتبره مستخدون عراقيون في مواقع التواصل “باباً للفساد”.

نقيب الفنانين العراقيين جبار جودي ، يقول أن ما أثير بسبب “نصب الإصبع” هو “مسألة فنية وجمالية وترتبط بالذوق العام لأن التمثال معروض في مكان على تماس مع الشارع ، وإن كان واضعوه هم أصحاب فندق خاص في منطقة الجادرية”.

جودي يرى ، أن “سمعة العراق الفنية تفرض على النقابة أن تلعب دورها في حماية الذوق العام والفن من الأعمال التي تفتقر إلى الحد الأدنى من القيم الفنية والجمالية”.

بعد موجة من السخرية والانتقادات، بلدية الناصرية أزالت مدفع الإفطار من أحدى الحدائق بمحافظة ذي قار

قبل عام 2003 كانت هناك لجنة تهتم بهذه الأمور ، وتعطي الأذونات لرفع التماثيل والنصب في الساحات العامة والشوارع، بحسب جودي، مبيّناً “اليوم من واجب أي أحد يريد أن يضع تمثالاً في مكان عام أو مكان خاص يتصل بالمجال العام أن يرجع إلى نقابة الفنانين بحسب توجيهات الأمانة العامة لمجلس الوزراء”.

ويؤكد ، بالقول “كل الساحات العراقية يجب أن تعكس الإرث العراقي القيّم في مجال الفنون، لأن بلاد ما بين النهرين لديها حضارة تمتد إلى 7 آلاف سنة، ويجب أن نحافظ دائماً على هذه الحضارة من خلال التنوع الفني فيها والحفاظ على المستوى العالي للأعمال الفنية”.

ويشير جودي إلى أن النقابة ” فتحت حواراً مع أصحاب الفندق الذين وضعوا نصب الإصبع ، من أجل اتخاذ قرار يتعلق بإزالته والإعلان عن مسابقة لتصميم وتنفيذ النصب من خلال فنانين تشكيليين عراقيين معروفين بإنجازاتهم وتاريخهم الفني”.
دخلاء على الفن

اما الفنان والأكاديمي بجامعة ذي قار أياد حياوي ، فيقول إن الواقع الفني في ترد مستمر، خاصة ما يتعلق بالأعمال الفنية الخاصة بالنصب النحتية ، حيث نشاهد ترديا في اختيار المضمون والأشكال الفنية لأسباب كثيرة؛ لعل أبرزها انخراط الدخلاء في الفن واعتبارهم أسماء وفنانين.

وقد أعطت الحداثة ، كما يقول المجال لانخراط هؤلاء من دون دراسة أكاديمية، وساعدهم في الدخول للساحات الفنية وجود السلطات المحلية التي “لا تفهم ولا تفقه في الفن”.

وحسب حياوي، فإن الأعمال الفنية أصبحت اليوم مثل المشاريع الوهمية التي تحصل في العراق، والتي تدخل فيها السرقة، بمعنى أن الأشخاص الذين في السلطة وعبر الواسطة يأخذون هذه المشاريع على اعتبار أن فيها مكسبا ماديا.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi