تبعات الانسحاب من العراق.. تحذير من “خسارة عسكرية” لواشنطن و”انتصار سياسي” لطهران
حذرت تقارير أمريكية ، يوم السبت، من تبعات الانسحاب الأمريكي من العراق، وقالت إن ذلك سيشكل “انتصاراً سياسياً” لإيران، وخسارة استراتيجية للعراق نفسه، لان ذلك سيكون بمثابة مخاطرة تقود بغداد لتدور في فلك طهران.
وعدّد تقرير لمجلة “فورين آفيرز” الأمريكية، رؤساء الحكومات العراقيين الذين طالبوا بانسحاب القوات الامريكية خلال العقدين الماضيين، وهم: ابراهيم الجعفري الذي أطلق أول دعوة علنية للانسحاب الأمريكي في العام 2005، وتلاه نوري المالكي في العام 2008، وعادل عبد المهدي في العام 2020، ومحمد شياع السوداني في ديسمبر/كانون الاول العام 2023.
إلا أن التقرير اعتبر ان غالبية هذه الدعوات من جانب رؤساء الحكومة كانت مدفوعة بطلب من الميليشيات المدعومة من ايران، مشيراً إلى أن السوداني يسعى الى انهاء المهمة العسكرية الامريكية في العراق تماما، حيث يواجه ضغوطا من شركائه في الحكومة، اي من “الإطار التنسيقي”.
ولفت التقرير الى انه يتحتم ان يكون لرئيس الوزراء سلطة على الكيانات المسلحة في العراق كافة باعتباره القائد الاعلى للبلاد، الا انه من الناحية العملية، فان فصائل الميليشيات تعمل اما بشكل مستقل او من خلال الحشد الشعبي المعترف به قانونيا كجزء من الاجهزة الامنية، لكنه ينسق مباشرة مع الحرس الثوري الايراني.
ورأى التقرير ان السوداني، عندما سيلتقي الرئيس الامريكي جو بايدن، سيدعو الى سحب جميع القوات الامريكية، الا انه من غير المرجح ان يطرح خطة للتعامل مع الميليشيات فيما بعد ذلك، وهي خطوة تتطلب تعزيز المؤسسات العراقية، لان الميليشيات والساسة الذين يدعمونها، يستغلون هياكل الدولة الضعيفة، مضيفا ان الارادة السياسية محدودة في الوقت الحالي للقيام بمثل هذا الإصلاح، وذلك على اعتبار ان بعض اعضاء الائتلاف الحاكم يشغلون أيضا مواقع في الحشد الشعبي.
تحذير من التصعيد
وحذر التقرير الامريكي من ان خطر التصعيد من جانب الفصائل المسلحة حقيقي، مشيرا الى ان العديد من هذه الجماعات، بما في ذلك كتائب حزب الله، أصبحت أكثر نشاطا، وهاجمت القواعد الامريكية في المنطقة، بل ان احدى الفصائل قالت انها اطلقت صاروخا وصل الى مدينة ايلات الاسرائيلية، وهو ما كان سيتطلب عبور المجال الجوي الأردني او السوري، مضيفا انه من المتوقع ان تستفيد إيران، من الاضطرابات المنتشرة في انحاء الشرق الاوسط كافة، بينما من شأن انسحاب الولايات المتحدة من العراق، أن يمنح طهران المزيد من الفرص لتعزيز نفوذها.
كما حذر التقرير من انه في حال انتهى الوجود العسكري الامريكي، فانه من المرجح أن يلي ذلك فك الارتباط السياسي لأمريكا في العراق، وان التقدم الذي حققته القوات المسلحة العراقية منذ ان فشلت في منع داعش من اجتياح ثلث البلد في العام 2014، يمكن ان يضيع في حال توقف الدعم الامريكي، وانه من المرجح ان يضيع التوازن الدقيق الذي تحققه بغداد ما بين علاقاتها مع إيران ومقاومة الوقوع تحت املاءاتها، بينما تعمل الولايات المتحدة كثقل موازن.
دعوة للاحتفاظ بقوات غير قتالية
ورأى التقرير انه يجب على واشنطن الآن ان تستخدم نفوذها في بغداد من اجل ان تحتفظ بوجود عسكري غير قتالي، على غرار القوات التي تحتفظ بها في المانيا واليابان والفلبين وفي دول اخرى.
واعتبر التقرير ان التوصل الى اتفاق ثنائي، طويل المدى، يتعلق بوجود القوات الامريكية، سيعكس تأييدا واضحا لدعم الجيش العراقي، وبان العراق ليس مدينا لإيران، مشيرا الى انه من خلال دعم الولايات المتحدة، فسيكون بمقدور العراق ان يمضي قدما على الطريق ليكون حجر الزاوية للاستقرار في المنطقة.
واعتبر التقرير انه بعد الغارة الاسرائيلية على السفارة الايرانية في دمشق، فان ضبط النفس الايراني قد يخف، مضيفا انه ليس لدى الولايات المتحدة العديد من الأصدقاء داخل القيادة العراقية حاليا، وذلك كنتيجة لفك ارتباطها الدبلوماسي على مر السنين، الا ان ذلك لا يعني ان السياسيين العراقيين يتخذون موقفا موحدا يتعلق بخروج القوات الامريكية من البلاد، مذكرا بأن للقادة الكورد بشكل خاص، علاقات تاريخية وثيقة مع الولايات المتحدة ويفضلون استمرار وجود القوات الأمريكية.
وتحدث التقرير عن سياسات متناقضة للحكومة العراقية الى حد ما، حيث انها لا تزال تسعى الى اقامة علاقات عسكرية مع الغرب، بما في ذلك استمرار مهمة حلف الناتو في العراق وهو ما عبر عنه السوداني في وقت سابق من العام الحالي، مضيفا أنه من الواضح ان قادة العراق يريدون الاحتفاظ بالخبرة والتدريب العسكري الغربي، وبالتالي فان بإمكان واشنطن استخدام هذه الرغبة كوسيلة ضغط من أجل ضمان بقاء قوة محترفة يدعمها الحلف في مكانها.
خطوة إلى الأمام
وفي حين اعتبر التقرير ان تخطيط العراق لمستقبل ما بعد الصراع يمثل في حد ذاته، تطورا ايجابيا، حيث صاغت بغداد سياساتها هذه على انها طي لفصل الحرب والاحتلال، وهو ما يمثل خطوة إلى الأمام لا يمكن لاي عراقي ان يجادل ضدها، الا انه قال ان المناورات السياسية التي جاءت بهذا التغيير قد تؤدي الى زعزعة استقرار العراق على المدى الطويل، حيث ان الانتصار الظاهري للفصائل الراغبة في الحد من نفوذ الولايات المتحدة، يعني عدم وجود جهد مشابه من اجل الحد من نفوذ إيران.
ورأى التقرير انه في ظل انخراط الولايات المتحدة بنشاطات عسكرية ليس فقط في العراق، بل وايضا في سوريا واليمن والبحر الأحمر، فان القادة الأمريكيين قد يميلون نحو تقليص الالتزامات التي يمكنهم القيام بها، إلا أنه ليس بإمكانهم تجنب التعامل مع التهديد الذي تمثله القوات المدعومة من إيران في العراق، مشيرا الى ان هذه الميليشيات، سواء كانت في العراق او غيره، تشكل خطرا كبيرا على الأمن الإقليمي على المدى الطويل.
وبعدما قال التقرير انه من غير الممكن للجنود الأمريكيين البقاء في البلاد ضد رغبات العراقيين، دعا إلى إيجاد حل عملي لكلا الطرفين يتمثل في قيام واشنطن بعرض رفع قيمة وجودها في العراق وابراز تكلفة رحيلها، منه، موضحا انه يتحتم على الولايات المتحدة طرح مكاسب مثل زيادة التدريب العسكري والمعدات، وأن تؤكد للقادة العراقيين ان الانسحاب من شأنه أن يحد من امكانية حصول بغداد على انظمة الاسلحة المتطورة وغيرها من المزايا التي تأتي مع كونها شريكا امنيا للقوة الكبرى الرئيسية في العالم.
وتابع التقرير قائلا انه ليس بامكان الجيش الامريكي ان يتوقع الاحتفاظ بوجود عسكري كبير في العراق مثلما كان الحال في ألمانيا واليابان خلال العقود الـ8 الماضية، الا ان ادارة بايدن لا يمكنها أيضا أن تتحمل تكاليف الإشراف على انسحاب فوضوي من العراق، سيكون أصغر حجما من الانسحاب من أفغانستان ولكنه سيكون بمثابة مؤشر آخر على تراجع النفوذ الأمريكي.
إعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية
وعلى الصعيد الداخلي، اعتبر التقرير ان الحل الوحيد القابل للتطبيق على المدى الطويل هو اعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية، والتخلص من الفساد والمحسوبية التي تقوض الدولة العراقية، وتقوي الميليشيات التي تكن بالولاء لطهران، وهو ما يتطلب وجود أحزاب سياسية وسياسيين ملتزمين بالخدمة العامة، وبامكانكم التصدي للحكومات الاجنبية التي تتدخل في الشؤون العراقية، وخصوصا ايران، لكن هذا الاحتمال يظل غير مرجح طالما ان من اسماهم التقرير “وكلاء ايران” يحصلون على الأموال بشكل مستمر من خلال الفساد والابتزاز.
وخلص التقرير الى القول ان تراجع الانخراط الأمريكي والدولي في العراق، من شانه ان يجعل التغيير السياسي اكثر صعوبة من خلال ازالة الفرص المتاحة لواشنطن لدفع الحكومة العراقية لكبح جماح الميليشيات، مضيفا انه حتى لو كان الوجود الامريكي محدودا، فانه سيمنح زعماء العراق النفوذ لكي يقاوموا ضغوط الفصائل المسلحة واتخاذ القرارات المستقلة.
وختم التقرير بالقول ان ما هو على المحك في هذه المناقشات هو اكبر بكثير من مسألة بضعة آلاف من الجنود غير المقاتلين، موضحا أنه من مصلحة العراق والولايات المتحدة التفاوض على اتفاق طويل المدى لتسوية قضية القوات ويحدد المرحلة التالية من العلاقات الاميركية العراقية”.
الا ان التقرير اعتبر ان المسألة الاكثر اهمية هو ان اتفاقا كهذا “من شأنه المساعدة في تحقيق الاستقرار الذي تشتد الحاجة اليه، وتسليط الضوء على حاجة القادة السياسيين في العراق الى التعامل مع التحديات الداخلية التي يواجهها البلد”.
واضاف قائلا انه فيما تستعد واشنطن للانتخابات الامريكية وتتعامل مع تداعيات الحرب في غزة، فإن “إيران سوف تبحث عن وسائل لتقويض الولايات المتحدة في المنطقة، ولهذا فان المضي قدما بالخروج من العراق، سيشكل انتصارا سياسيا لطهران، وخسارة استراتيجية للعراق، لأنه يشكل مخاطرة بالانجرار اكثر الى الفلك الإيراني”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية