مفارقة غريبة بالذكرى الـ21 للإطاحة بصدام.. من حكم الفرد إلى ديكتاتورية الأحزاب
تمر اليوم الثلاثاء 9 نيسان/أبريل 2024 الذكرى الحادية والعشرين لسقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين بعد أقل من ثلاثة أسابيع على الغزو الأمريكي البريطاني للعراق للخلاص من الديكتاتورية واستبدالها بالديمقراطية التي وُعد بها.
ويستذكر العراقيون في مثل هذا اليوم مشاهد دخول القوات الأمريكية إلى قلب العاصمة بغداد، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي حينها جورج بوش الابن، في 20 آذار/مارس 2003، انطلاق عملية سماها “عملية حرية العراق”.
وبعد ثلاثة أسابيع ظهر صدام في 9 نيسان/أبريل متجولاً في منطقة الأعظمية في بغداد وحوله عشرات العراقيين يهتفون له، قبل ساعات من إعلان سقوط بغداد ونظامه، وتوارى عقب ذلك ثمانية أشهر قبل أن يعثر عليه الجيش الأمريكي، ويحاكم ثم يُعدم في كانون الأول/ديسمبر 2006.
لكن المفارقة الغربية أن ما حصل – وفق مراقبين – هو استبدال ديكتاتورية الفرد إلى ديكتاتورية الأحزاب، وهذه لا تقل خطورة عن الأولى، وهو ما أعاد البلاد إلى أن تكون “بؤرة لتهديد الأمن والسلم الدوليين” كما كانت قبل 2003.
كابوس أسود
يصف القيادي في ائتلاف دولة القانون، الشيخ حيدر اللامي، حقبة صدام حسين بـ”الكابوس الأسود” الذي كان على العراق والمنطقة، “فقد عاش الشعب العراقي وكذلك شعوب المنطقة في توجس مما كان يقوم به ليس في تعذيب البشر فقط، وإنما في تعذيب الأرض أيضاً، من خلال حرق المزارع في مدينة بلد وتجريفها عام 1982 والتي كانت تعتبر أرضاً زراعية خصبة وسلّة غذائية للعراقيين”.
ويضيف اللامي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، “وكذلك قام بحرق أراضي البصرة والحلة خلال الانتفاضة الشعبانية عام 1991، وأحرق الكثير من النخيل وأنواعها النادرة التي كانت توجد في العراق فقط، كما جرّف الكثير من المدن وجفف الأهوار 1991 – 1994 حتى بات هذا المسطح المائي خالياً من الطيور النادرة التي كانت تأتي إليه خلال هجرتها”.
ويتابع، “وكذلك قام بتلويث البيئة باستخدام السلاح الكيميائي ضد الكورد بمدينة حلبجة في 16 آذار/مارس 1988 واستمر هذا التلوث لسنوات طويلة، وكذلك استخدم هذا السلاح ضد الجمهورية الإسلامية خلال فترة الحرب 1980 – 1988”.
ويؤكد اللامي، أن “صدام قتل الملايين من العراقيين جسدياً ونفسياً، وكان كل شخص معرض للقتل أو للاعتقال، حيث قتل ما لا يقل عن 40 أية الله العظمى من علماء النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء والكثير من طلبتهم، كما قتل من العوائل العلمية من بيت آل الحكيم وبيت آل المبرقع وبيت آل بحر العلوم وغيرهم”.
ويُكمل اللامي، “كما قام – صدام – بترحيل الكثير من العلماء الأعلام الذين كانوا يدرسون الفقه الشيعي الجعفري في العراق من الجمهورية الإسلامية واللبنانيين والباكستانيين والهنود”.
“وفي عام 1996 تم قتل مئات الألوف من الأطفال عبر حقنهم بمواد داخل المستشفيات من أجل رفع الحصار عن البلاد، وهناك الكثير من الجرائم الجديدة التي تكتشف بين فترة وأخرى عن تلك الحقبة، لذلك لا يمكن أن يأتي شخص يعادل صدام بمستوى إجرامه وقتله للشعب العراقي”، يقول اللامي.
ويدعو اللامي وزارتي التربية والتعليم العالي إلى “إنشاء منهاج دراسي ليطلع الطلبة على الجرائم التي ارتكبها هذا الديكتاتور وأن لا تنسى تلك الأفعال ولتكون عبرة لمن يحاول تقليد أسلوبه في الحكم”.
تحرير أم احتلال؟
ورغم مرور أكثر من عقدين من الزمن على إسقاط نظام صدام حسين من قبل القوات الأمريكية، لا يزال العراقيون غير متفقين فيما إذا كان ما حصل تحريراً ينبغي الاحتفال به، أم أنه كان احتلالاً، والشعوب عادة لا تحتفل بمناسبات احتلالها.
“فطبيعة التغيير الذي جرى ما بعد عام 2003 يختلف في التوصيف من قبل الكثير من القوى السياسية والدينية، فهناك من يراه تحريراً من النظام السابق، وهناك من يراه احتلالاً، وبقيت هذه الرؤية مثار جدل”، بحسب أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية، د.عصام الفيلي.
لكن اللافت للنظر – وفق الفيلي – هو أن بعض القوى المعارضة التي استعانت بالولايات المتحدة لتغيير النظام والتي كانت ترعى مؤتمراتهم أيضاً، عادت تلك القوى بعد غزو العراق لتقول إن هذه قوات احتلال ويجب مواجهتها، ويستثنى من هذا الكورد الذين لم يرفعوا السلاح بوجه القوات الأمريكية، لكن الكثير من القوى الإسلامية وبعض العراقيين رفعوا السلاح بوجه الولايات المتحدة.
ويوضح الفيلي لوكالة شفق نيوز، أن هذا خلق خللاً في طبيعة العلاقة القائمة بين الإدارة الأمريكية والعراق، وبدأت اتجاهات سياسية متنافرة داخل القوى السياسية العراقية في طبيعة التعاطي مع الولايات المتحدة، فيما تحاول الأخيرة فهم طبيعة النظام السياسي، هل هو قريب إلى السياج الأمريكي أم إلى السياج الإيراني؟.
“رغم أن الداعم الأول لبداية مقاومة الأمريكان كان من إيران، لكن هذا لا يمنع وجود قوى عقائدية دينية تؤمن بضرورة مقاتلة الولايات المتحدة، لكن من ناحية الدعم المادي واللوجستي كانت ايران هي من تقدم الدعم للفصائل السنية والقوى الشيعية لمواجهة الولايات المتحدة”، بحسب الفيلي.
أخطاء بعد 2003
ويشير الفيلي إلى أن “في السنوات التي تلت عام 2003 حصلت العديد من الأخطاء، منها أن القوى السياسية كانت تلوم النظام السابق بأنه كان نظاماً فردياً ديكتاتورياً، لكنها في الوقت نفسه لم توفق ولم تنجح في خلق نظام مؤسساتي، بل أنها ذهبت بما يُعرف بـ(المحاصصة) وابتلعت مؤسسات الدولة، ما خلق إشكالية كبرى في العراق، وحتى الهيئات المستقلة لم تكن مستقلة بل هيئات حزبية أُسست على أساس المحاصصة”.
ويضيف، “كما يلاحظ وجود قمع من قبل الأحزاب لكل معارضيها من خلال بعض أذرعها المسلحة التي تمارس الضغط تجاه الناشطين والذين يختلفون معها، وهذا برز في انتفاضة تشرين 2019”.
ويتابع، أن “اللافت للنظر أن ما بعد عام 2003، وجدنا ديمقراطية بلا ديمقراطية، أي إن شكل النظام ديمقراطي لكن التشريعات التي تتبناها الأحزاب هي لتعزيز وجودها، وفشلت في خلق نظام برلماني حقيقي تكون فيه كتلة حكومة وكتلة معارضة، لذلك نجد أن الجميع يحاول الركوب في قارب السلطة”.
ويُكمل الفيلي، “كما هناك هدر كبير في الأموال وفي طبيعة المقدرات الداخلة، إلى جانب التدخل الخارجي سواء من دول الجوار أو من ما وراء دول الجوار، وهذا يبرز بوضوح من خلال تصريحات القوى السياسية التي بعضها تشكّل في الأساس خارج العراق”.
ويوضح، “لذلك المشهد في العراق مربك، ولم تتشكل منذ عام 2003 وإلى يومنا الحاضر هوية وطنية بما يعرف بـ(الأمة العراقية)، حيث هناك قوى سياسية تروج لمفهوم المكون الشيعي ومقابلها قوى سياسية تروج لمفهوم المكون السني وأخرى لمفهوم المكون الكردي”.
ويؤكد، أن “هذه أزمة حقيقية، وينبغي أن تذوب جميعها في هوية عراقية جامعة وشاملة لنا أمام هذا الفسيفساء المتعدد، ومن يدفع الثمن بالدرجة الأولى هو العراق بعنوانه الكبير، ما يستدعي قراءة التجربة السابقة بما يعزز تكوين الهوية الوطنية”.
وينوّه إلى أن “الطبقة السياسية في العراق هم حزبيون وليسوا سياسيين، وعملية التنكيل بالشخصيات السياسية واضحة فيما بينهم، وبدل أن تكون ليالي رمضان ليالي ود ورحمة تحوّلت إلى ليالي قذف وسب وشتم لدى الكثير من القوى السياسية والتسقيط من أجل اتفه الأسباب، ما يعطي انطباعاً بأننا إلى الآن لم نرتقِ إلى مستوى إدارة دولة حقيقية يكون مرتكزها الحوار البنّاء”.
قائد مهووس بالحروب
“لا يختلف أحد من المنصفين ومن الذين يقيّمون مرحلة النظام السابق تقييماً مبدئياً وإنسانياً على أن مرحلة النظام السابق كانت مرحلة ديكتاتورية قاسية عانى منها الشعب العراقي من الظلم والاضطهاد، فقد كانوا يخضعون لهوس قائد مجنون في الزعامة ويرغب أن يكون زعيماً للأمة، فيما كان هوس الحروب يحكم سلوكه، وكان يهدد الأمنيين الإقليمي والدولي، لذلك تمت الإطاحة به”، وفق الخبير الاستراتيجي، د.أحمد الشريفي.
ويضيف الشريفي في حديث لوكالة شفق نيوز، “لكن المفارقة الغربية إننا كنا نأمل أن يكون المبدأ الذي أُعتمد دولياً في تحرير العراق هو تحرير من نظام سياسي لصناعة نظام بديل، لكن ما حصل هو استبدال ديكتاتورية الفرد بديكتاتورية الأحزاب”.
ويؤكد، أن “ديكتاتورية الأحزاب لا تقل خطورة عن ديكتاتورية الفرد، لأنها أيضاً أوصلت البلاد إلى أن تصبح بؤرة لتهديد الأمن والسلم الدوليين، حيث صدرت قرارات مجدداً وحصلت تداعيات كثيرة، منها الخلل الذي حصل في إدارة مؤسسات الدولة من دخول تنظيم القاعدة ومن بعدها داعش ومن ثم الوصول إلى الوضع الحالي الذي نمر به”.
“إن الإطاحة بالنظام الديكتاتوري كانت عملية إيجابية، لكنها صنعت نظاماً فاسداً مُقترناً بالعمالة لدول الجوار، ما جعل المشروع على المحك”، يقول الشريفي.
ويوضح، أن “المرحلة الحالية هي أخطر مخاض بالعملية السياسية، حيث العزوف وحالة الاغتراب للنظام السياسي والمنتظم السياسي عن الجماهير، وحتى في ظل الحكومة التي يُطلق عليها بـ(حكومة الخدمات) لا زال الفساد وسوء الإدارة والارتماء بأحضان دول الجوار هو المشهد السائد في إدارة الظاهرة السياسية بالعراق”.
ويبيّن، أن “الذي حصل هو تم رفع شعارات الديمقراطية وتم استهلاكها إعلامياً من قبل هذه القيادات، ولكن الواقع كان يشي لشيء آخر، فالعراق لا زال تحت ديكتاتورية أحزاب لا تؤمن بالنظام الديمقراطي، ولا التداول السلمي للسلطة، ولديها استعداد لبيع الوطن، كما لا ترغب بإقامة الأسس التي على أساسها تقوم النظم الديمقراطية دولة المؤسسات وقانون وعدالة اجتماعية، ذلك نحن الآن في مفترق طرق قد يدفعنا مجدداً للتدويل”.
ويتابع، أن “تجربة التغيير التي تمت رعايتها من قبل الإرادة الدولية وتحت مظلة القانون الدولي هي في خطر، وهذا الأمر مستشعر من قبل الدول الكبرى وبالتحديد الولايات المتحدة التي تقرأ أن المسار بات خطراً جداً لاسيما في ظل العزوف عن الانتخابات”.
“فلم يكن التغيير ينسجم مع الشعار الذي رُفع، فقد كانت الآمال بأن تتحرر الإرادة السياسية من هيمنة الديكتاتورية والطغيان، لكن ما يؤسف إليه أنه استمر في ظل أحزاب لا تزال متشبثة بالسلطة مع سوء الإدارة والفساد، والأخطر هو جعل البلد مرتهناً بالتوازنات الإقليمية والدولية والصراعات، وعادت البلاد مجدداً إلى كونها بؤرة لتهديد الأمن والسلم والدوليين”، بحسب الشريفي.
ويشرح الخبير الاستراتيجي، أن “الوضع الأمني الحالي في العراق خطر جداً، نتيجة عدم الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات واستقلالية المؤسسات، فالقانون الضامن لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الأفراد غير قائم، والقانون الناظم للمؤسسات مخترق بسبب المحاصصة”.
وينوّه إلى أن “المعادلة الأخطر هي أن المؤسسات لا تزال غير مستقلة بل ترتبط بأحزاب والأحزاب لديها ارتباطات إقليمية، وبالتالي باتت المؤسسة تخترق كل اللوائح والقوانين الناظمة لسلوك أفرادها ابتداءً من الخطاب الإعلامي وانتهاءً بالأداء الميداني”.
ويوضح، أن “في النظم الديمقراطية، قد تختلف الآراء والرؤى على مسألة إدارة الدولة، ولكن يُفترض أنها تتحد في الثوابت الوطنية وفي المصلحة العليا للدولة، لكن نجد أن على مستوى السياسة الخارجية هناك انقسام، وهناك من يحمل السلاح وهو لا يمتلك لا تمثيلاً تنفيذياً ولا تشريعياً، رغم ذلك هو يتحدث عن مصير البلاد ويسحبها إلى مواجهة بطريقة وكأن الكل تبعاً لإرادته وسط صمت حكومي”.
ويرجع الشريفي سبب ذلك إلى أن “المؤسسات لا تستطيع أن تدافع عن نفسها وتُفعّل دورها في إسكات مثل هكذا ممارسات، لأن الأحزاب أقوى من المؤسسة، وهذا يُسقط أهم أساس ومرتكز في النظم الديمقراطية، وهو استقلالية المؤسسات وعلوية القانون، وبالتالي نحن أمام ديكتاتورية جديدة بالانتقال من ديكتاتورية الفرد إلى ديكتاتورية الأحزاب”.
ويحذر الشريفي، أن “المرحلة المقبلة خطرة جداً، وقد نعود كما سحبنا النظام الديكتاتوري سابقاً إلى مواجهة دولية أدت إلى التدويل، فنحن على أعتاب التدويل الثاني، وهو فشل التجربة وعودة الإرادة الدولية لاتخاذ قرارات أممية صادرة من مجلس الأمن لإجراء عملية التغيير الجذري والشامل”.
“والمفارقة الغريبة أن الرأي العام العراقي عاد مجدداً ليتبنى خيار التغيير الجذري والشامل كطموح للتأسيس لدولة رشيدة تتحقق فيها العدالة الاجتماعية وتسود فيها الحقوق للأفراد والجماعات وليس للأحزاب والقوى الانتهازية”، وفق الشريفي.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية