كواليس القرار الغاضب.. لماذا تريد ‹العصائب› حظر اتحاد طلبة العراق؟
تتواصل تداعيات قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية بحظر نشاطات اتحاد طلبة العراق، وهي منظمة مستقلة تُعنى بشؤون الطلاب وتهتم بحل مشكلاتهم، ما أثار ضجة واسعة في الأوساط العليمة، وسلط الضوء على المساعي المتواصلة للتضيق على الحريات العامة في البلاد.
وفي قرار مفاجئ، منعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مؤخراً، تنظيم ‹اتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق›، من ممارسة نشاطاته داخل الجامعات بدافع «الحفاظ على سير العملية التعليمية».
القرار الجديد قوبل من منظمات معنية وأوساط حقوقية بالانتقاد والاستهجان، باعتباره ينافي مبادئ الدستور العراقي التي نصت على حرية التجمعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، طالما أنها تتوافق مع القوانين والأطر العامة.
ويضم الاتحاد في عضويته جميع الطلبة الراغبين في العمل التطوعي في صفوفه، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو القومية أو الدينية، وقد انتمى الاتحاد إلى اتحاد الطلبة العالمي وساهم بنشاط في جميع فعالياته واحتل مواقع قيادية، إذ شغل منصب السكرتير العام ومنصب نائب الرئيس.
انتظار اللحظة الحاسمة
لكن مصدراً في داخل الاتحاد أوضح أن «القرار الجديد هو انتقامي ويهدف في المقام الأول إلى التضييق على النشطاء والطلاب الذين لهم قوة ونشاط في التوعية والتثقيف، خاصة وأن بعض الأحزاب المقربة من إيران أرادت مؤخراً السيطرة على الاتحاد عبر زج شخصيات ومجموعات في داخله تفرغه من محتواه، خاصة وأن الاتحاد معروف بقوة صوته واستقلاليته، وأقام مؤخراً عدة دورات ونشاطات تحث على الوحدة الوطنية، ونبذ الطائفية وضرورة الالتزام بالمعايير الأخلاقية في التعامل مع الآخرين».
وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لـ (باسنيوز)، أن «أحزاب السلطة في بغداد كانت تنتظر اللحظة الحاسمة للانقضاض على الاتحاد بعد عام 2019، بسبب مشاركته الواسعة في احتجاجات تشرين ووحدة صوته، وقدرة أعضائه الطلاب على إحداث الفارق، لذلك منذ ذلك الوقت أحسّوا بأن هذا الاتحاد بالفعل قادر على التأسيس لنشاط واعٍ وفكر متقد، ينور عقول الطلبة».
وما زاد من غضب النشطاء، أن وزارة التعليم العالي تسيطر عليها حالياً حركة ‹عصائب أهل الحق›، التي قدمت الوزير الحالي نعيم العبودي لتسلّمها، فضلاً عن نشر عشرات الأشخاص من داخل الحركة في الوزارة، لتسلم مناصب دنيا وأخرى عليا.
وهذا الاتحاد أسسته قوى وشخصيات يسارية عام 1948، ويعتبر أعرق الاتحادات الطلابية في البلاد، وقدم المئات من الضحايا خلال مواقف سياسية من مختلف الأنظمة التي تعاقبت على حكم البلاد منذ ذلك الوقت.
وأصدرت اللجنة التنفيذية للاتحاد بياناً قالت فيه، إن «ما يثير استغرابنا واستنكارنا أكثر هو إحالة متابعة هذا القرار إلى مكاتب الأجهزة الأمنية في الجامعة، في خطوة بوليسية مرفوضة ومخالفة صريحة لقانون التعليم العالي الذي يمنع وجود أي مظاهر عسكرية داخل الحرم الجامعي».
وأضافت أن «السمعة الأكاديمية قد أهينت عندما اعتمدت المحاصصة الطائفية والاثنية معياراً لاختيار الإدارات الجامعية على حساب الكفاءة المهنية والنزاهة، وبالغ المتنفذون في سحقها عندما أقر قانون معادلة الشهادات الذي شرع الالاف من الشهادات المزورة خارج العراق ليتولى حاملوها لاحقاً مناصب عليا في الدولة واستمرت الوزارة في إهانة السمعة الأكاديمية وهي تتغافل عن ممارسات مستثمري الكليات الأهلية المسيئة للطلبة والأكاديميين على حد سواء».
وصاية على العقول
من جهته يرى عضو الاتحاد سجاد الطائي، أن «القرار واضح بأنه يستهدف عمق العملية التعليمية، ويهدف إلى فرض وصاية وزارة التعليم على عقول الطلبة ونشاطاتهم، على رغم أنها نشاطات وفعاليات سلمية وتصب في صالح البلاد، مثل التوعية ومؤتمرات الذكاء الصناعي ودورات التقوية وغيرها، لكن الاتحاد اتخذ موقفاً حاسماً وأعلن أنه باقٍ بل وسيرد على هذا القرار بنشاط أكبر وتجمعات مناهضة».
وأضاف الطائي في حديث لـ (باسنيوز)، أن «الاتحاد جهة مسجلة لدى الدوائر المعنية، وليس لأحد سلطة عليها، وهي تمارس نشاطها أمام أعين السلطات منذ عدة سنوات، ولم تسجل أية شائبة على نشاطنا».
واعتبر نقاد وكتاب عراقيون أن القرار هو بداية لسلسلة قرارات تهدف بعض الوزارات الحكومية، لإصدارها تتعلق بالنشاطات الثقافية والندوات التي تُقام بشكل منفصل عنها، دون النظر إلى ماهيتها أو طبيعة نشاطها، ما يهدف في نهاية المطاف إلى التضييق على حرية التعبير في البلاد، وتعقب النشطاء والمهتمين بملفات حقوق الإنسان.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية