معهد أمريكي يفكك اللغز الصيني في العراق: استثمارات بكين مدعومة من الفصائل الموالية لإيران
اعتبر “معهد الشرق الاوسط” الامريكي ان دور الصين يتنامى في قطاع الطاقة العراقي، وان الشركات الصينية تتمتع بوضع جيد للانخراط في جهود توسيع قدرة العراق، بمشاركتها النشطة في مختلف المشاريع المتعلقة بالطاقة، لكنه رأى أنه في حال كانت استراتيجية الصين بالفعل التحول الى اللاعب المهيمن في الاقتصاد العراقي، فانه سيكون هدفا من المرجح أن يكون صعب التحقق بالنظر إلى العمل الصعبة في العراق والسياسات المثيرة للجدل.
وبعدما أكد التقرير؛ انه يجب متابعة ما إذا كانت جذور تدخل الصين في العراق ستمتد بشكل أعمق وأطول، نوه الى انه اذا كان لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ان يحقق اهدافه المعلنة، فانه يجب ألا يكتفي بدعم التحالف المؤيد لحكومته بسبب الخلافات التي بين أطرافه، وعليه ايضا ان يتعامل مع معسكر مقتدى الصدر.
وفي حين قال المعهد الامريكي ان البنك الدولي يقدر بأن عائدات النفط تشكل أكثر من 99% من صادرات العراق، و85% من ميزانية الحكومة، و42% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنه أشار إلى أن الآفاق الاقتصادية طويلة المدى للعراق تواجه تحديات بسبب افتقارها الى التنويع والاستثمار المحدود والقطاع الخاص الضعيف والفساد المستشري. لكنه منذ تشكيل حكومة السوداني مضى العراق قدما في خططه لزيادة الطاقة الانتاجية للنفط، وتطوير امدادات الغاز المحلية، وإصلاح المصافي وتوسيعها.
ولفت التقرير إلى أن الشركات الصينية تتمتع بوضع جيد للانخراط في جهود توسيع قدرة العراق في مجال الطاقة، مضيفا ان النفط يمثل الركيزة الأساسية للعلاقة الثنائية بين العراق والصين، حيث تمثل الصين حوالي 30 ٪ من صادرات النفط العراقية. كما أن مشتريات الصين من النفط من العراق، ثالث أكبر مورد لها، زادت بنحو 50٪ في العام 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه.
وبرغم ذلك، قال التقرير إن علاقات الصين مع العراق في مجال الطاقة تمتد إلى ما هو أبعد من التجارة في النفط، حيث ان شركات الطاقة الصينية المملوكة للدولة، أقامت موطئ قدم قوي في سوق التنقيب والإنتاج والتكرير في العراق، مضيفا انه رغم الانكماش الأخير في الاستثمار الخارجي ل”مبادرة الحزام والطريق” الصينية، فإن انخراط الصين مع العراق في استمرت في النمو، معظمه في البنية التحتية للطاقة والنقل.
واستعرض التقرير الشركات الصينية الكبرى الناشطة في العراق منذ سنوات مثل شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، وشركة النفط البحرية الوطنية الصينية (CNOOC)، وشركة الصين للبتروكيماويات، مشيرا إلى أن الشركات الصينية تعمل على تعميق مشاركتها في عمليات التنقيب والإنتاج والتكرير في العراق، وتعزيز حصصها كما في حقول الاحدب والرميلة وحلفاية وغرب القرنة والحويزة والسندباد وغيرها.
وبالاضافة الى ذلك، قال التقرير إن التواجد الصيني في قطاع الطاقة العراقي يشمل أيضا العديد من شركات الخدمات العاملة في نشاطات التنقيب والإنتاج مثل الحفر والتوريد وإنشاء المنشآت السطحية وخطوط الأنابيب وإدارة الحقول. واشار الى ان شركة (CPECC) الصينية وشركات المقاولة الصينية الاخرى حافظوا زخم النمو الإيجابي في العام الماضي، حيث فازوا بنسبة 87 ٪ من جميع عقود مشاريع النفط والغاز والطاقة التي منحها العراق، بقيمة 3.35 مليار دولار. وفي هذا الإطار، حصل كونسورتيوم صيني على عقد لتطوير مصفاة في محافظة ذي قار والى الشركة الوطنية الصينية للهندسة الكيميائية (CNCEC) المملوكة للدولة لإنشاء مجمع متكامل جديد للتكرير والبتروكيماويات، ليكون ممولا بالكامل من الحكومة الصينية، في شبه جزيرة الفاو.
اللغز الصيني في العراق
وأوضح التقرير أن عدة عوامل ساهمت في توسع وجود الصين في قطاع الطاقة في العراق، مضيفا ان الشركات الصينية المملوكة للدولة قد برهنت على استعدادها وقدرتها على الاستفادة من تردد نظرائها الغربيين في الاستثمار في العراق، وفي بعض الحالات الدفع لتصفية أصولهم في العراق.
لكن التقرير رأى أن السياسات المثيرة للجدل في العراق، مسؤولة جزئيا على الأقل عن النجاح الذي حققته الشركات الصينية والعقبات التي ما زالت تواجهها في الحصول على حصص والقيام بمشاريع متعلقة بالطاقة، حيث أن السيطرة على ثروة الطاقة العراقية كانت النقطة الاساسية للاقتتال السياسي الداخلي بين النخبة.
وذكر التقرير بدعوة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي علنا إلى أن يتطلع العراق شرقا للتخلص من النفوذ الغربي وصور الصين على أنها بطلة “شعوب العالم النامي”. وتابع أن اتفاقية “النفط مقابل إعادة الإعمار” التي أبرمها عبد المهدي مع الصين في منتصف العام 2019، أثارت جدلا، في ظل قلق النقاد والمعارضين من أن شروط الاتفاق تخاطر برهن تراث البلاد وتفاقم من الفساد والهدر.
وفي المقابل، قال التقرير إن مصطفى الكاظمي، “المرشح التوافقي” الذي خلف عبدالمهدي سعى الى تنويع شركاء قطاع الطاقة في العراق، مضيفا انه خلالة فترة ولاية الكاظمي بين (مايو/أيار 2020 – تشرين الأول/أكتوبر 2022)، رفض العراق عدة مرات مقترحات الاستثمار الصينية الجديدة وسط مخاوف مسؤولي وزارة النفط من ان تشديد سيطرة بكين على صناعة النفط يمكن ان يؤدي الى تسريع هجرة الشركات الغربية. ولفت التقرير بالتحديد الى المشروع المشترك مع “لوك أويل” لتطوير حقل غرب القرنة -2 ، ومحاولة الاستحواذ على حصة “ايكسون موبيل” في حقل غرب القرنة-1. كما أن مسؤولين عراقيين اقنعوا شركة “بريتش بتروليوم” بعدم بيع حصتها في حقل نفط الرميلة الى شركة البترول الوطنية الصينية.
واشار التقرير الى ان هذه الديناميكيات برغم وضوحها في كافة أنحاء العراق، إلا أنها تظهر بشكل أكثر وضوحا في الجنوب، حيث يكون التناقض بين ثروات البلاد وعوز سكانها صارخا وحيث يتنافس اللاعبون المحليون السياسيون وغير الحكوميين على الموارد الاقتصادية خدمة لشبكة المحسوبيات واللاعبين الإقليميين. ولفت الى ان الخلاف حول مشروع ميناء الفاو الكبير هو مثال على ذلك، إذ بينما دعت الميليشيات المتحالفة مع ايران مثل كتائب حزب الله وعصائب اهل الحق، الشركات الصينية من أجل الفوز بالمشروع ، فإن التحالف بقيادة مقتدى الصدر الدين فضل شركة “دايو” للهندسة والإنشاءات الكورية الجنوبية، مشيرا الى انه عندما فازت “دايو” بالعقد، حشدت الاحزاب والمليشيات الموالية لإيران تظاهرات احتجاج في البصرة وبغداد.
وتابع التقرير أن هناك مؤيدين للصين في العراق، بما في ذلك تحالف “طريق الحرير” في البرلمان، بالاضافة الى الحملة الشعبية المسماة الحركة الشعبية لطريق الحرير التي تؤيد علاقات اقتصادية أكثر قوة مع الصين مقابل الاستثمارات الغربية والكورية والسعودية. واضاف ان الانشطة الاقتصادية الصينية في العراق تحظى بحماية الميليشيات المتحالفة مع إيران.
الى ذلك، اشار التقرير الى ان السوداني بعد توليه منصبه، وضع اجندة طموحة لمواجهة التحديات العديدة التي ورثها، بما في ذلك ضرورة تحسين الخدمات الصحية والمرافق التعليمية، وزيادة إنتاج الكهرباء، وتعزيز فرص العمل، بالاضافة الى تطوير السياسات المتعلقة بصناعة النفط، مضيفا ان حكومة السوداني قامت ببداية سريعة حيث وقعت ست صفقات من أصل 11 قطاعا للنفط والغاز في شباط/فبراير، وتبع ذلك ثلاثة تطورات مبشرة أخرى. اولا ، توصلت الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان الى اتفاق بشان تصدير النفط وإدارة الإيرادات عبر خط أنابيب كركوك – جيهان، وثانيا، ابرم العراق صفقة مع شركة “توتال انرجي” الفرنسية للمضي قدما في مشروع المتكامل لتطوير الغاز الذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات والذي تأخر طويلا، وثالثا ، تمت دعوة شركة “قطر للطاقة” والشركة السعودية “اكوا باور” للمشاركة في المشروع العملاق، والتي ستكون أولى استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في سوق التنقيب والإنتاج في العراق.
وبعدما قال التقرير؛ إن “العراق في وضع جيد للاستفادة من ذوبان التوترات الجيوسياسية الاقليمية الناجمة عن التقارب بين السعودية وإيران الذي ساعدت بغداد في تسهيله”، اوضح ان العراق ايضا مثل معظم جيرانه، “سعى الى تجنب الانجرار الى المنافسة بين القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين”.
خاتمة
وذكر التقرير التقرير انه بعد اكثر من 6 شهور من ولايته، مضت حكومة السوداني في جهودها الساعية الى معالجة المشاكل الاقتصادية، مع وضع أمن الطاقة في قلب جدول الأعمال، مضيفا أن السوداني شجع على مشاركة الشركات الأجنبية في صناعة النفط والغاز”. واضاف انه “مع تفعيل اتفاقية النفط مقابل اعادة الاعمار، فان الشركات الصينية المنخرطة بعمق في قطاع الطاقة في العراق، برزت كمنافس قوي”.
وتابع التقرير ان المبادئ التي توجه ادارة السوداني والقيود التي تواجهها في إشراك الشركاء الصينيين وغيرهم من الشركاء التجاريين، حددتها الأطراف التي تدعم رئاسته للحكومة، وهي تعكس السياسات المثيرة للجدل والتسويات المتناقضة التي أوصلته إلى السلطة، وهو وضع لا يزال مستمرا”.
واوضح التقرير ان هناك منافسة شرسة بين النخبة تحت السطح، مضيفا أن التحالف الكبير لقوى الإطار التنسيقي والاحزاب الكوردية والسنية التي شكلت معاً، حكومة السوداني، تعاني من الهشاشة، مضيفا ان الاحزاب والفصائل الشيعية الموجودة في التحالف هي نفسها ممزقة بسبب الخصومات والتوترات”.
ولهذا، يقول التقرير ان السوداني “لكي يحكم بما يتماشى مع أهدافه وأولوياته المعلنة للدولة، يجب ألا يبقى على الدعم من هذا التحالف المنقسم فقط، بل يجب أن يتعامل مع معسكر الصدر، الذي رغم انسحابه من العملية السياسية بمقدوره حشد آلاف المتظاهرين ضد الحكومة”.
وخلص التقرير الى القول انه في ظل هذه الظروف، يبقى أن نرى ما اذا كانت ادارة السوداني ستعمل بشكل أفضل من سابقاتها، أم أنها ستكون قادرة تماما على الاستفادة من عائدات النفط لتحسين رفاهية العراقيين بدلا من إثراء النخبة الحاكمة، مراقبة ما إذا كانت جذور وفروع تدخل الصين في العراق ستمتد بشكل أعمق وأطول.
ترجمة: وكالة شفق نيوز
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية