موظفون موصليون: الجماعات المسلحة تحاول شل دوائر الدولة ومنع المواطنين من المشاركة بالانتخابات المقبلة
المدى برس/ نينوى: اشتكى موظفو عدة دوائر حكومية في نينوى، اليوم الأربعاء، من “تعرضهم للاستهداف والتهديد” من قبل الجماعات المسلحة مما أدى إلى قتل 80 منهم في غضون الأسابيع القليلة الماضية من دون “رقيب أو رادع”، وفي حين اتهم بعضهم “جهة معينة” لم يحددوها بالسعي إلى “شل” العمل الحكومي في المحافظة، لم يستبعد مسؤول فيها أن يكون الهدف مما يجري، “منع” المواطنين من تحديث سجلهم الانتخابي، ضماناً لـ”عدم مشاركتهم” في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وقال الموظف في ديوان محافظة نينوى، اكتفى بذكر اسمه الأول، أحمد، لدواع أمنية، في حديث لصحيفة (المدى)، “ثلاثة من زملائه قتلوا وجرح رابع، بينما كانوا ينتظرون حافلة المحافظة صباحاً”، مشيراً إلى أن “أثنين آخرين قتلا بعد لحظات من ترجلهما عن الحافلة عصراً”.
وأضاف أحمد، أن “العديد من الحوادث التي وقعت مؤخراً تثبت أن المسلحين يلاحقون حافلات المحافظة، ويستهدفون الموظفين من دون أن يقصدوا واحداً معيناً منهم”، مبيناً أن “مجرد كون الشخص موظفاً حكومياً يجعل منه هدفاً للإرهابيين، بدليل مقتل 80 موظفاً في غضون الأسابيع القليلة الماضية”.
وأوضح الموظف، أن “إدارة المحافظة قررت منع تنقل حافلات نقل الموظفين التابعة لها، مما سيضطرهم إلى التنقل فرادى لعدم إثارة الانتباه، وتفويت فرصة رصدهم على الجماعات المسلحة”.
من جانبه عد محافظ نينوى، أثيل النجيفي، في حديث إلى صحيفة (المدى)، أن “سياسة المحافظة وتوجهاتها لخدمة الأهالي لا تعجب الفاسدين والميليشيات فبدأت باستهداف موظفيها”، مستدركاً أن “إدارة المحافظة تؤكد دائماً على إبعاد دوائر الدولة المدنية عن التجاذبات السياسية أو التدخل في موضوعات بعيدة عن تخصصها”.
وعلى بعد مئات من الامتار عن مبنى المحافظة وسط مدينة الموصل، يعم الصمت أروقة مجمع محاكم استئناف نينوى، بعد دخول مقاطعة المحامين للمحاكم الجزائية والمدنية والشخصية أسبوعها الثاني، بسبب امتناع مجلس القضاء الأعلى إعادة مقر محكمة التحقيق الخاصة بقضايا الإرهاب، إلى مكانها السابق في مجمع المحاكم، وابقاء مقرها قريباً من مقر الفرقة الثانية للجيش.
وقالت انفال الطائي، وهي محامية منتدبة في غرفة محاماة نينوى في حديث إلى صحيفة (المدى)، إن “أسباباً أخرى عديدة تقف وراء مقاطعة المحامين للمحاكم، منها التضييق عليهم ، وحضور ضباط من الأجهزة الأمنية مع المتهمين خلال تدوين أقوال المتهمين في قاعة التحقيق، والاستمرار بالعمل على افادات المخبر السري في تنفيذ أوامر إلقاء القبض”، متسائلة “هل يجوز ضرب أحد المعتقلين من قبل محقق خلال تدوين إفادته، وكيف يتم التعامل معه إذن في المعتقل”.
وقد تسببت تلك المقاطعة بتعطل المئات من الدعاوى التي تنظرها المحاكم، وتكدس ملفات نحو ثلاثة آلاف معتقل بانتظار العرض على القضاء، والأخطر من ذلك، أنها أصبحت ثاني جهة حكومية في نينوى يتعطل فيها العمل كلياً أو جزئياً.
على مستوى الجامعات، تشير المعلومات المتوافرة، إلى أن نحو 1500 طالب في جامعة الموصل من الأقليات، امتنعوا عن الالتحاق بالدوام، بعد استهداف عدد من طلاب المكون الايزيدي الاسبوع الماضي، في منطقة المجموعة الثقافية حيث مقر الجامعة، بعد أن تسببت عبوة ناسفة انفجرت الاثنين الفائت،(الثاني من كانون الأول 2013 الحالي)، داخل الحرم الجامعي، مستهدفةً موكب رئيس الجامعة، أبي سعيد الديوه جي، بحالة من الذعر بين الطلاب والموظفين وأهاليهم، إذ كان الحرم الجامعي هو المكان الأكثر أمنا في مدينة الموصل خلال السنوات العشر المنصرمة، لكنها أبوابها “فتحت للموت هي الأخرى”.
إما دائرة بلدية الموصل، فتسببت اتهامات قضائية وجهت لنحو 20 مهندساً فيها، بـ”دعم الإرهاب”، بتوقف المهندسين أو معظمهم عن العمل.
ويخشى موظفون هناك أن يتم استهدافهم أيضاً، لاسيما أنهم على تماس مباشر مع الشارع وأحداثه.
والأمر نفسه ينطبق على دائرة البلدية التي تنفذ مشاريع كثيرة داخل المدينة.
وقال احد موظفيها، رافضا التصريح باسمه، في حديث إلى صحيفة (المدى)، لقد “تلقيت اتصالاً هاتفياً يتوعدني بالقتل”، مؤكداً أن “العديد من زملائه تلقوا تهديدات مماثلة”.
ورأى الموظف أن من “الحكمة التعامل بجدية مع تلك التهديدات”، مستطرداً أن “العديد من منتسبي البلدية قتلوا بعد تلقيهم اتصالات تحذيرية”.
وفي الشأن ذاته، أعلنت وزارة العدل، عن “استقالة 200 حارس إصلاحي من سجن بادوش غربي الموصل، بعد أن تعرضوا للتهديد أو الاستهداف الفعلي، من قبل مجاميع مسلحة”.
ويحدث هذا كله في وقت شهدت فيه مدينة الموصل،(405كم شمال العاصمة بغداد)، هجرة جماعية للصحافيين إلى خارجها، بعد أن تعرض ثمانية من زملائهم للقتل، وجرح آخر في غضون أقل من شهرين.
وقال مسؤول رفيع في محافظة نينوى، في حديث إلى صحيفة (المدى)، مشترطاً عدم كشف اسمه، إن هنالك “جهة متنفذة، تحاول تعطيل العمل الرسمي في نينوى وتوقفه بالكامل، من خلال حملة لبث الرعب في نفوس الموظفين، لثنيهم عن مواصلة العمل”، متوقعاً أن “يشمل الاستهداف دوائر حكومية أخرى لم تطالها من قبل”.
وانتقد المسؤول، “الأجهزة الامنية العاملة في نينوى، المنتشرة بكثافة في داخل مدينة الموصل”، لافتاً إلى أن “انتشارها لم يحل دون تنفيذ الجماعات المسلحة أعمال القتل والتخريب في وضح النهار، وأمام أعين الجميع، من دون أن يردعهم شيء”.
ولم يستبعد المسؤول، أن “يكون الهدف من كل ما يجري، منع المواطنين من تحديث سجلهم الانتخابي، وبالتالي منعهم من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة”.
وبحسب هذا المسؤول فان هنالك “مراكز تحديث سجلات الناخبين في الموصل لم يدخلها أي مواطن”، وتابع في “أحسن الأحوال، دخل بعض المراكز عشرات فقط، وهو ما يؤكد أن الانتخابات البرلمانية المقبلة ستشهد مقاطعة شبه كاملة، بسبب غمامة الاحباط الكبيرة التي تغطي الموصل جراء ما يحدث فيها”.
وكان مكتب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في نينوى، اعلن في حديث إلى (المدى برس)، أمس الثلاثاء،(الثالث من كانون الأول الحالي)، عن الاستعانة بطيران الجيش لحث سكان الموصل، على تحديث بياناتهم، عازياً ذلك إلى “ضعف” إقبالهم على مراجعة المراكز المحددة لذلك.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية