ملهم الملائكة
صباح كانوني دافئ في باحة سيارات أحد محلات التسوق الكبرى بمدينة بون. أوقفت سيارتي في مكان خال، وبينما كنت منشغلا بإخراج سلة القناني الفارغة من صندوق السيارة، وقفت بحذائي سيارة مرسيدس سوداء بالغة البذخ ، على زجاجتها الأمامية شارة عائدية السيارة إلى إحدى الوزارات الألمانية. ثم ترجلت من السيارة أم لهب.
بقيت محتارا أبادرها بالسلام أم لا ، فالعلاقة بيننا مقتصرة على نفور متباعد لا سبب له، ولم نكن قط وجها لوجه بهذا الشكل، وبقيت أشاغل نفسي بجمع القناني، فإذا هي تقف إلى جانبي، وتمارس نفس العمل من صندوق سيارتها، ثم بادرتني القول ” السلام عليكم، أنت كما أعرف والد علي زميل ابني عمر في المدرسة، تشرفنا بمعرفتك” دون أن تمد يدها للمصافحة باعتباري رجلا غريبا ويحرم على “الحرمة” إن تصافح رجلا غريبا. رددت عليها السلام مشفوعا بابتسامة مصنوعة مبديا أسئلة افتراضية عن صداقة عمر بعلي وما يرويه الأخير عن مشاريعهما معا.
قالت وابتسامة غامضة على وجهها” عرفت أنّ علي وعمر قد رُشحا مع بعض زملائهما لسفرة تبادل مدرسي إلى مدرسة في مدينة أكسفورد ببريطانيا (أكسفورد توأم مدينة بون منذ 50 عاما ، والتبادل الدراسي بينهما قائم منذ نصف قرن). وهذا يعني إنهما سيذهبان عنّا لمدة عام دراسي كامل، وأردت أن اعرف شيئا عن صداقتهما، وكيف يمكن أن تسير سفرتهما، فهما العربيان الوحيدان وسط العشرين طالبا المرشحين للتبادل، كما أردت أن اعرف منك كيف سنستقبل في بيوتنا بدلائهما من الطلبة البريطانيين”.
تجاذبنا إطراف الحديث، وسألتني إن كان عندي بنت ، فجابتها بالإيجاب، فقالت اطلب منهم أن يرسلوا في التبادل لك بنتا لتعيش معكم في البيت عاما كاملا ( قانون التبادل الدراسي يشترط تبادل البيوت أيضا)، وأكدت لها صواب تقديرها، لاسيما أنّ العناية بالبنت أسهل من العناية الولد، وفيما نحن نتحاور، سألتني أم لهب فجأة ” سؤال شخصي لطفا، هل انتم مسلمون أم شيعة؟ “
وقع السؤال على راسي كالصاعقة، وكان رد فعلي الأول أن أسألها، من أي بلد هي؟ فأجابت أنها تونسية، مولودة في ألمانيا. وسألتها أن كانت قد درست في المدارس الألمانية، فقالت وابتسامة ساخرة على وجهها، أنا معي ماجستير علوم سياسية من جامعة… واعمل مدير عام في وزارة…والتفت إلى المرسيدس السوداء، وهذه سيارة الوزارة ، لماذا تسال وأنت لم تجبني عن سؤالي؟ “
قلت لها والحيرة تعقد لساني” لو كنت وافدة جديدة إلى هذا البلد لما استغربت سؤالك، ولكنك مولودة هنا، وتتقنين الألمانية خيرا من الألمان، ومدير عام في وزارة … وتتقاضين راتبا لا يقل عن 10 آلاف يورو في الشهر كيف تفكرين بطريقة أنت كافر وأنا مسلم؟”
ارتبكت لهجومي وبدأت تحاول تبرير سلوكها، فقلت لها” لم يخطر ببالي قط أن يسألني مدير عام ألماني في وزارة مهمة ” هل أنت مسلم أم شيعي؟” لنفرض أن جوابي لك ” أنا مسيحي، أو ايزيدي، او يهودي، كيف تتصرفين معي؟ هل تمنعين عمر عن الاختلاط بعلي؟ ” .
ابتسمت وقالت وهي تعدل الشال الذي تلف به رأسها” كيف يكون علي يهوديا أو مسيحيا، اسمه يدل عليه، هو مسلم غالبا “.
فقلت لها ” ولماذا تسالين إن كان شيعيا أم مسلما؟ وهل الشيعة غير مسلمين؟”
حدقت بي مندهشة وهي تقول” كلنا نعرف أن الشيعة صفويون ، والصفويون إيرانيون وهم غير مسلمين في الغالب، فقط عرب إيران هم المسلمون” !
بلغ غضبي أعلى مستوياته ، فصرخت في وجهها أنا لست مسلما، آنا عراقي ونحن لم نعد عربا ولا مسلمين ولا نهتم أن نكون مسلمين على هذه الطريقة” كنت أتكلم وأنا اصرخ وقد بلغ غضبي أعلى مستوياته. فتراجعت وهي تشعر بالمفاجأة، وحاولت أن تبرر سلوكها، فقلت لها حانقا” سأقول لعلي، حذار من عمر ولا تختلط به ، فأمه أم لهب مدير عام في وزارة ألمانية، وترى الشيعة صفويين مجوسا ” !
قالت غاضبة” أم لهب، أنا أم لهب” ؟
أجبتها والشرر يتطاير من عيني” تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ، سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ “. وركبت سيارتي دون أن أتسوق، ورحلت غاضبا.
بقي أن أقول، أنّ آم لهب، ترتدي جلبابا أسودا أنيقا يلف كل جسدها، وتضع على رأسها شالا سميكا، وترى في نفسها عورة يجب إخفائها عن الرجال باعتبارهم حيوانات تفترس العورات المكشوفة على طريقة رنكو لا يخطئ العورة، عفوا لا يخطئ الهدف!
وفي البيت قلت لعلي “إياك إياك من عمر إبن أم لهب” فسألني من هي أم لهب؟ فلم أحر جوابا سوى أن أقول له، “إنها ملكة الجحيم” فضحك وسألني بكل جد: ” هل هذا فيلم جديد، أم لهب ملكة الجحيم”؟
أنهيت الحوار ونصحته أن يبتعد عن عمر وعن كل ما هو عربي، فهم أعداء العراق ! ضحك ولم يفهم قطعا ما قلت.
mulham2612@gmail.com
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية