أكتوبر 15, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

زينب سندي: أزمة السيادة العراقية في ظل وجود الميليشيات الخارجة عن القانون

أزمة السيادة العراقية في ظل وجود الميليشيات الخارجة عن القانون

زينب سندي

السيادة هي الخاصية الرئيسية المميزة للدولة، وأهم عناصر وجودها هو عنصر السيادة الواقعية والفعلية على شؤونها الداخلية والخارجية، والعراق كدولة لديه السيادة القانونية والاعتراف الدولي بوجوده وكيانه، لكن من الناحية الواقعية يعاني من أزمة السيادة نتيجة وجود الميليشيات،

ولأنه من أكثر الدول تأثرا بالمحيط الإقليمي والدولي من ناحية التدخل في شؤونه الداخلية، فإن ما يجري حاليا على الساحة العراقية يضاعف مخاوف العراقيين جميعا من تحول العراق إلى ساحة حرب بين الميليشيات والفصائل المسلحة الموالية لإيران والولايات المتحدة الأمريكية، و مع استمرار الميليشيات والفصائل المسلحة في قصف المصالح الأمريكية في العراق ورد واشنطن الأخير على مقار تابعة للميليشيات واستهداف قادته، تعيش الحكومة العراقية برئاسة السيد محمد شياع السوداني منذ توليه المنصب في 2022 واحدة من أكثر الفترات توتراً، وهذه التطورات وضعته في موقف يشبه السير على الأشواك، حيث يحاول الحفاظ على العلاقة مع التحالف الدولي لاسيما أمريكا ومحاولة إرضاء الفصائل المسلحة الموالية لطهران، بالأخص منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تحذر دائما من توسعة رقعة الصراع في الشرق الأوسط، حيث يحاول السوداني جاهدا تحقيق التوازن الحساس بين علاقته مع القوى الدولية في ظل تواجد الميليشيات المنفلتة، مما دفع واشطن إلى إصدار مجموعة جديدة من العقوبات على الميليشيات الموالية لإيران إثر القصف المتكرر للقواعد العسكرية في العراق وسوريا لأنه إن تم يتم معالجة الميليشيات الموالية فإن العراق سيدخل في صراع إقليمي خطير لا محالة.

السؤال هو: هل باستطاعة دولة رئيس الوزراء السيد محمد شياع السوداني تخليص العراق من أنياب إيران الأكثر نفوذا على الأرض خلال سيطرة الميليشيات والفصائل المرتبطة والموالية لها والتي تؤثر على الساحة العراقية؟ خاصة أن إيران تحاول بشتى السبل جعل العراق منفذا اقتصاديا دائما لها، لذلك بات العراق ورئيس الوزراء في موقف محرج وصعب، من ناحية قدرتها على إيقاف القصف الذي يأتي من الميليشيات والرد الحاصل من الولايات المتحدة، وحتى من الناحية القانونية فإن العراق ملتزم مع التحالف الدولي المشكل من الولايات المتحدة وحلف الشمال الأطلسي باتفاقية أمنية دولية بناء على طلب العراق من جهة والمصلحة الدولية العامة من جهة أخرى، والآن بدأت الولايات المتحدة والعراق عقد اجتماعات مجموعة العمل الخاصة باللجنة العسكرية العليا والتي تتبنى الحوار الأمني المشترك بين الولايات المتحدة والعراق الذي عقد في واشنطن آب الماضي 2023 ولا يخفى على أحد أنه بعد صعود تنظيم داعش في العام 2014 وسيطرته على نحو ثلث الأراضي العراقية، أنشأت واشنطن تحالفا دوليا لدعم القوات العراقية وساعدته بشتى الأشكال على استعادة وتحرير المدن التي كانت بيد تنظيم داعش، وحينها حاربت قوات البيشمركة جنبا إلى جنب الجيش العراقي تنظيم داعش وألحقت بها الهزيمة وانتصر الجيش والبيشمركة على الإرهاب، والآن وعلى الرغم من إعلان العراق هزيمة داعش عام 2017 ، إلا أن داعش لا يزال يتبنى من وقت لآخر هجمات في البلاد من خلال الخلايا النائمة لها، ولا يزال التحالف نشطا في العراق لمنع ظهور المجاميع الإرهابية مجدداً.

لذلك من الصعب على الحكومة العراقية التخلي عن قوات التحالف في هذا الظرف المعقد والخطير، لذ فإن الحكومة العراقية بحاجة إلى خطة إذا ما أرادت إخراج التحالف الذي تقوده القوات الأمريكية، فليس من المنطقي أن تطلب خروج قوات التحالف فورا تلبية لدعوة الفصائل والميليشيات الموالية لإيران، لأن التحالف بقيادة أمريكا يجري منذ سنوات عمليات لوجستية وتدريبات وقصف على مواقع داعش، بناء على معلومات تأتي من العراق أو من أجهزة الاستخبارات، وإذا ما أراد العراق إنهاء التواجد الأمريكي والتحالف عليه أن يقوم بالاستعداد لملء الفراغ الأمني وخاصة في منطقة جبل حمرين، وأن تكون وزارة الدفاع الاتحادية على تنسيق دائم وقوي مع وزارة البيشمركة وأن تقوم بنشر قوات مشتركة قادرة على الدعم اللوجستي والتصدي للإرهاب، ليكون قادرا على جمع معلومات وجهود استخباراتية من الجيش العراقي والبيشمركة خاصة في كركوك، لاسيما أن العراق لا يمتلك جهدا تقنيا يعوض الثغرة التي ستحصل في حال انسحاب التحالف الدولي، وخير دليل على ذلك، أن الحكومة العراقية لم تستطع حتى اليوم تنفيذ بنود اتفاقية سنجار التي تم التوقيع عليها من قبل الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم في سبتمبر عام 2020 إلى يومنا هذا تجنبا لوقوع صدامات مسلحة بين عناصر قريبة من العمال الكوردستاني والميليشيات التي تعارض عودة قوات الحكومة العراقية وحكومة إقليم كوردستان.

لذلك فلنكن أكثر واقعية، العراق يفتقر حاليا إلى الإمكانيات العسكرية ولا يستطيع الاعتماد على الجهد المحلي فقط دون مساعدة دولية، وهو ما أشارت إليه التقارير الاستخباراتية الأمريكية وصندق النقد الدولي والبنك الدولي بأن العراق صاحب أسوأ الاقتصاديات الإدارية في المنطقة، لذا ستكون النتيجة مأساوية كما حصل في 2011 عندما خرجت القوات الأمريكية، وانتشر الإرهاب إلى أن انهار البلد أمنيا في العام 2013 حيث كان يصل معدل تفجيرات السيارات المفخخة في العراق إلى 68 تفجيرا في الشهر، مع وقوع هجوم واحد بتفجيرات متزامنة كل عشرة أيام، وينبغي أن لا ننسى أيضاً أن بغداد أصبحت آنذاك معقل التوتر الطائفي وحينها فشلت بغداد وواشنطن في اغتنام الفرض للتعاون على مكافحة الإرهاب منذ انسحاب القوات الأمريكية عام 2011 والآن أيضا إذا ما قبلت الحكومة العراقية بمطالب الجهات والجماعات والفصائل المسلحة ستعود الأوضاع المأساوية مرة أخرى على غرار أزمة 2006 و2007 بل ستصل الحياة في العراق إلى طريق مسدود تماماً.

إن مطالبة الحكومة العراقية وبضغط من الميليشيات بانسحاب قوات التحالف، وعلى رأسها القوات الأمريكية، وفي غياب إجماع وطني، قد يؤدي بالبلاد إلى التهلكة، ومن شأنه أن يعمق الاعتماد على إيران ووكلائها أكثر فاكثر، لذلك فإن انسحاب قوات التحالف والقوات الأمريكية من العراق يعني عودة انتعاش داعش في العراق خلال فترة قصيرة، وإن انسحاب التحالف الدولي سيكون بمثابة تقديم العراق على طبق من ذهب إلى داعش، فالمطلوب من الحكومة برئاسة السيد السوداني في هذه المرحلة الحرجة أن تتريث في قرارها لحين القضاء على كل عوامل وأسباب ظهور تنظيم داعش وفي مقدمتها الطائفية، وأن تحاول بشكل جدي وعملي معالجة كافة المشاكل العالقة بينها وبين حكومة الإقليم وفق الدستور، لأنه إذا ما عولجت المشاكل بين أربيل وبغداد، أصبح العراق أكثر قوة وسيكون له ثقله في المحافل الدولية والعالمية، وحينها سيكون بإمكان العراقيين جميعا يدا بيد أن يقرروا ما يصب في مصلحة البلد، لا أن يخضعوا لضغط الفصائل المسلحة التي تتلقى الأوامر من خارج العراق، أما إذا ما رضخت الحكومة العراقية لأوامر الميليشيات المسلحة الموالية لغير العراق فإنها تخاطر بخسارة الدعم الدولي وستظل أسيرة بيد الميليشيات، لذا من الواجب علينا جميعاً، عرباً، كورداً، تركماناً، وكافة الأديان، أن نضع مصلحة العراق فوق كل اعتبار، ومصلحة العراق تكمن في تمتين العلاقات مع المجتمع الدولي والإقليمي لبناء عراق قوي، يلعب دوراً مؤثراً في معادلة التوازن السياسي والعسكري والاقتصادي في الشرق الأوسط.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi