هل تبحث إيران عن حربٍ مباشرة؟
د.عبدالحكيم بشار
منذ استلام الملالي وولاية الفقيه السلطة في إيران أدركوا تماماً بأن نظامهم غير صالح للحكم، لأن هناك تناقضاً حاداً بين القيم والمفاهيم المجتمعية لدى الشعوب الإيرانية وبين القيم والمفاهيم لدى الطبقة التي استلمت السلطة في إيران عقب الثورة الخمينية عام 1979 التي أطاحت بالنظام الشاهنشاهي وأرست عوضاً عنه قواعد النظام الرجعي.
فالمجتمع الإيراني ورغم دكتاتورية نظام الشاه إلاَّ أنه كان مجتمعاً منفتحاً ويسير بخطى ثابتة نحو العصرنة والمفاهيم المدنية، ولم يكن طموح الإيرانيين آنذاك تغيير الشاه والإتيان بنظام أكثر منه رجعيةً ودموية، بل كان حلم الشعب الإيراني وقتئذٍ إرساء أُسس نظامٍ أكثر ديمقراطيةً وانفتاحاً.
وهذه الحقيقة أدركتها السلطة الجديدة في طهران، ولكن بدلاً من اللحاق بركب المجتمع الإيراني وترسيخ وتطوير قيمه، وضعت السلطة الإيرانية إستراتيجية هدفها الأساسي الحفاظ على السلطة، حيث تقوم تلك الإستراتيجية على عدة مسارات، منها:
1- العمل على بناء مجتمع عقائدي طائفي متخلف، وتشويه التاريخ ونشر الغيبيات المناقضة للعلم، وترسيخ الحقد الطائفي في المجتمع، أي جر المجتمع إلى الخلف بدلاً من المضي به للأمام.
2- انطلاقاً من البُعد الطائفي المقيت فقد عمدت السلطة إلى تأسيس منظمات طائفية في معظم البلدان التي تتواجد فيها الطائفة الشيعية، وربط تلك المنظمات بالنظام الإيراني ومن ثم عسكرتها واستخدامها من أجل نشر الطائفية والفوضى في المنطقة على أنها تقابل الاستقرار الهش في إيران.
وقد نجحت طهران حتى الآن في مصادرة القرار في عدد من دول المنطقة، منها لبنان واليمن والعراق وسورية، كما نجحت في نشر الفوضى وعدم الاستقرار فيها وترجمة ذلك للإيرانيين على أنهم يشكلون المرجعية لتلك الدول.
3- اِستخدام تلك المليشيات الطائفية بالوكالة في حروبها في المنطقة وتزويدها بالسلاح والمال والخبرات والقيادة غير المباشرة، والقيادة المباشرة أحياناً.
4ـ في الآونة الأخيرة وبعد حرب غزة فإن النظام الإيراني ناهيكم عن استخدام العنف المفرط تجاه مواطنيه، فإنه وسع حربه العبثية في المنطقة، سواء كانت الحرب بالوكالة كما في لبنان من خلال حزب الله، أو في البحر الأحمر حيث يقوم الحوثيون بدور القراصنة نيابةً عن طهران، من خلال اعتراض التجارة العالمية في البحر الأحمر، أو من خلال حربٍ مباشرة عبر القصف المتكرر على اربيل في إقليم كوردستان العراق، وأيضاً قصف بعض المواقع الحدودية داخل باكستان.
إن اتساع رقعة الحرب الإيرانية بالوكالة في المنطقة عبر أدواتها أو حربها المباشرة دليل إضافي على تعمق أزمة النظام الذي وصل إلى حافة الانهيار نتيجة التدهور الاقتصادي والاحتجاجات المناوئة للسلطة والتي يزداد زخمها، وحالة السخط والاحتقان الواسعين في المجتمع الإيراني ناهيكم عن اضطهاده القومي لكل المكونات الأخرى.
كل هذه العوامل قد تنذر بتفجر الأوضاع في إيران، ويبدو أن حروب الوكالة عبر عملائها لم تعد قادرة على التخفيف من عمق الأزمة التي يعيشها النظام الإيراني، لذلك قد تبحث إيران عن مخرج لها عبر الدخول في حرب مباشرة مع أحد الأطراف ، في محاولةٍ منها لتصدير أزمتها الداخلية العميقة، وذلك مهما كانت النتائج مكلفة على الشعب الايراني.
إن الأوضاع في إيران مرشحة بقوة للتغيير، فالنظام فيها يعيش خارج التاريخ ويسير بالضد من منطق التقدم والعصرنة، وبالتالي يفتقد شروط الديمومة والاستمرارية، وثمة عاملان أساسيان قد يسرعان في التغيير في إيران، أولهما: تشكيل جبهة وطنية واسعة تضم كل أطياف المعارضة الإيرانية على أساس تغيير النظام السياسي والإتيان بالبديل الديمقراطي الذي يقوم على مبدأ التداول السلمي للسلطة، وفصل السلطات الثلاثة، وفصل الدين عن الدولة، والمساواة بين الرجل والمرأة دستورياً، وضمان حقوق كافة المكونات العرقية والاثنية في إيران ، واستقلال القضاء وتأجيل جميع القضايا الخلافية الأخرى، لأنه بوجود هذا النظام لا يمكن لأحد أن يُحقِّق الحد الأدنى من أهدافه، والتغيير لا شك يفتح الطريق أمام حوار أوسع وأكثر جدية بين مختلف المكونات الإيرانية.
ثانيهما: الدعم الدولي الحقيقي للمعارضة الإيرانية بعد تحقيق الشرط الأول، ألا وهو بأن يرتكز الدعم على ضرورة إحداث التغيير الحقيقي والجاد في البلاد، وبألا تنتكس الثورة الجديدة كما انتكست الثورة الإيرانية في عام 1979 من خلال استلام السلطة لمن كانوا أكثر بطشاً وتخلفاً من النظام الملكي، وبذلك التغيير المنشود سيختفي أكبر عامل من عوامل عدم الاستقرار في عموم المنطقة.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية