الرجل المناسب في المكان المناسب
جلال خرمش خلف
بداية اود الاشارة الى ان المقال لا يقصد به شخص او اشخاص محددين او معينين بقدر ما اود تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي بدأت تنخر في مجتمعنا، و هذه الظاهرة هي السبب في زيادة معاناة المواطنين و فقدانهم الامل بغدا افضل، كون ان الامور اصبحت يوما بعد اخر تزداد سوءا و المعاناة اصبحت لا تطاق، و هذه الامور لو تراكمت اكثر و اكثر فانها قد تؤدي الى احداث و مفارقات لا تحمد عقباها في المستقبل .
قيل ان دولة ما كانت لها عميل سري او جاسوس في دولة اخرى وهذا العميل او الجاسوس كان يشغل منصب حساس في الدولة، و قد شكت تلك الدولة بان الرجل يعمل جاسوسا لدولة معادية، و حين تم البحث و التحري في كل ملفات ذلك الرجل و حتى حياته الشخصية و علاقاته الاجتماعية لم يظهر عليه اي شبهة او دليل على انه يسرب المعلومات او ينقل الاخبار الى اي جهة صديقة كانت او عدوة، بل اظهرت التحقيقات ان شخص مهني و يعمل حسب القانون و ليس عليه اي ملفات فساد او عقوبات او توجهات مريبة، لذلك اصرفت عليه النظر و اغلق الملف بالتمام، و بعد ان سقط نظام تلك الدولة اكتشفت بان ذلك الرجل فعلا كان يعمل لاجندات الدولة المعادية و لكن بطريقة لم يكن تثير الشبهات فقد كانت كل اجراءاته قانونية، و لكنه كان يتعمد تخريب الدولة و مؤسساتها من خلال اختيار اشخاص غير اكفاء و بعيدين عن المهنية في مناصب لا تتوافق مع مؤهلاتهم، لذلك اصابت دوائر الدولة الضعف و ابتعدت عن اداء واجباتها بالصورة الصحيحة، و يوما بعد اخر تراجعت الدولة و اصبحت مستعدة للسقوط كون الذين يمسكون زمام الامور لم يكونوا رجال دولة مؤهلين و لم يكونوا يسعون الى شيء سوى مصالحهم الشخصية و قضاء الوقت لا اكثر فضلا عن كونهم لم يكونوا اهلا لتلك المناصب .
الرجل المناسب في المكان المناسب هذه المقولة التي دائما ما نسمعها حين يتم اختيار اشخاص في مناصب معينة و الملفت للنظر ان المقولة تقال في جميع الاحوال اثناء اختيار الاشخاص المناسبين و الاشخاص غير المناسبين ايضا، فالمقولة تقال حين يتم اختيار حارس بناية كما يقال في اختيار رئيس الدولة و السبب يعود الى المجتمع بالدرجة الاولى، كون الجميع يحاولون التقرب من الاشخاص المهمين او اصحاب الشأن و القرار، و لا يهم ان كان الشخص مناسبا او لا بقدر ما انه قريب و يمكن الاستفادة منه .
ان اختيار الاشخاص لشغل المناصب في الدول المتحضرة و الديمقراطية تتم من خلال تحصيلهم الدراسي و طاقاتهم الابداعية و امكانياتهم و خبراتهم، لا من خلال الحسب و النسب كما في بعض الدول و المجتمعات، لذلك قلما نجد في تلك الدول من يتملق او كما يقال يطبل للمسؤولين و الشخصيات المهمة، لان اختيارهم كان من البداية صحيحا و يعتمد المهنية، فضلا عن ان اي شخص مهما علا منصبه فانه يعتبر موظف في الدولة و واجبه خدمة الوطن و المواطنين و متى ما انحرف عن الطريق او استغل منصبه او حتى لم يمارس عمله بشكل جيد فان الطرد و العزل في انتظاره، كونه ليس فوق القانون و ليس لديه تلك الحصانة شبه الدائمة، اما في مجتمعاتنا فنجد العكس تماما فقلما نجد اشخاص من ذوي الخبرة و الكفاءة في مناصب تتطلب تلك الخبرة، حيث ان المحسوبية و الواسطة قد نخرت جسد المجتمع، لذلك لا يتلمس المواطن اي تحسن او تقدم في الدولة فالذين شغلوا المناصب لم يشغلوها كونهم مناسبين لها بل لانهم مدعومين من جهات و اشخاص متنفذين يعتبرون بعض المناصب او الدوائر ملكا شخصيا لهم و يحق لهم ان يختاروا اي شخص لادارة تلك الدوائر .
ان اختيار الاشخاص الاكفاء في الاماكن المناسبة من شانه ان يعيد الامور الى نصابها و يساعد الدولة على مواكبة التقدم، فالاشخاص الاكفاء و اصحاب الخبر حين يشغلون المناصب و يديرون الدوائر فان روح التواضع و العمل على تخفيف معاناة الناس و تسهيل امرهم ستكون من صفاتهم، على عكس الذين يضعون بينهم و بين الناس حواجز و اسوار و يتعمدون اثقال كاهلهم للحصول على مكاسب و مصالح زائلة و يعتبرون المواطنين عبيد لهم.
يقال اذا ما ركبت القطار الخطأ فاحرص على ان تنزل في اول محطة تصل اليها، فكلما زاد بقاءك في القطار طال عليك العودة الى مكانك، فلا يخفى على احد ان العراق قد فاته الكثير من المحطات كونه قد ركب القطار الخطأ منذ سنوات، و لكن ان يحاول النزول في اي محطة يصادفه و يحاول ان يأخذ مكانه بين الدول ثانية افضل بكثير من ان يستمر في البقاء على متن القطار الخطأ، و لا يمكن ان يستعيد العراق تلك المنزلة و الاحترام بين الدول الا باختيار الاكفاء و اصحاب الخبرة في قيادة مفاصل الدولة .
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية