ديسمبر 03, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

أ. د. عبد علي سفيح: انما سقط العراق يوم سقوط نخيله

انما سقط العراق يوم سقوط نخيله

أ. د. عبد علي سفيح

هذا العنوان مستوحاة من مثل أو حكاية عربية تقول: انما أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

ما علاقة صورة أعجاز نخل خاوية بهذا العنوان؟.النخلة هنا هي الرمز والدلالة للهوية العراقية الجامعة.

سقطت بغداد الرمز ومعه سقطت المدن العراقية كأحجار الدومينو في يد الاحتلال الأميركي في نيسان 2003، وخرج صدام حسين في رسالة من مخبئه يقول فيها بأن الخيانة هي سبب هذا السقوط السريع.

نحن هنا نريد أن نوضح فكرة وهي: سقوط بغداد والعراق في عام 2003 هي ظاهرة وحالة حرب، الخيانة( حسب اعتقاد صدام حسين) ليست السبب بل النتيجة لسبب يسبق بكثير النتيجة وهو سقوط الرموز العراقية والدلالات الجامعة للهوية العراقية ومنها نخلة العراق. نخيل العراق سقطت في بدايات حرب العراق مع ايران أي في 1981.

الأمم بنيان. لا نكاد نعرف أمة من الأمم تعيش بلا رموز مضيئة تنير الطريق للأجيال القادمة. وهذا مما مميز الانسان عن الكائنات الأخرى بمقدرته على خلق رموز تقوم واسطة بينه وبين الأشياء، وبفضل هذه الوسائط استطاع الانسان أن يتجاوز التعامل مع العالم المادي بصورة مباشرة.

والرمز هو لون من ألوان تعبير أمة أو مجتمع عن حالة معينة، ومثال على ذلك:

الرمز برج ايفل وكاتدرالية نوتردام في فرنسا. ساعة البيغ بن الشهيرة في لندن. نهر الغانج وتاج محل في الهند. الجامع الأزرق وآية صوفيا في تركيا. وسور الصين العظيم في الصين وغيرها من الرموز الأخرى.

اما في العراق، النخلة ترمز للانتماء الاجتماعي المحلي، والانتماء الجغرافي الوطني، والانتماء التاريخي لوادي الرافدين. اما دلالاتها تدل على القيم السامية من الاباء والشموخ والعطاء والصبر.

من دوافع كتابة هذه السطور وبهذا العنوان هو ما لاحظته خلال زيارتي الأخيرة للعراق من رغبة كثير من الناس زراعة النخيل سواء في بيوتهم أو في مزارعهم الخاصة. صحيح أن شجرة النخيل جميلة الا أني وجدت من وراء هذه الرغبة في الزراعة ليس فقط الاستهلاك اليومي والجمال كون النخلة سيدة الشجر المقتنى على حد قول شاعر العراق الكبير محمد مهدي الجواهري، بل هناك دافع اللاشعور أو اللاوعي وهو التعبير عن السعي للبحث عن الهوية العراقية الجامعة الضائعة نتيجة الاهمال والتشظي. البحث عن هذه الهوية يتم عبر هذا الرمز والدلالة وهي النخلة. ونفس المثال يمكن أن نطبقه على الاحتفالات بعودة جمال وهيبة شارع المتنبي في بغداد قبل أيام قليلة.

تعتبر الحضارة، أي حضارة عن منجزاتها وابداعاتها من خلال أنماط ثقافية تناقلها الأجيال عبر الزمان تختزلها في صورة رموز تدعى ٌ الهوية ٌ.

الهوية لها خصوصية تشبه الكروموسومات الحاملة للجينات الوراثية، كذلك الهوية حاملة للرموز كجينات ثقافية واجتماعية موروثة وتنقلها للأجيال القادمة. هذه الرموز هي التي تحدد الأنماط الفكرية والسلوك الفردي والجماعي للمجتمع. لذلك اهتم المختصين وخاصة علماء الانثروبولوجي بكيفية فك شفرات هذه الرموز، ومنها يمكن تفسير كثير من الظواهر الاجتماعية. وعلى رأس العلماء المختصين في هذا الحقل هو ليفي شيتراوس الفرنسي.

العراق قبل القرن العشرين، كانت كل من النخلة ونهري دجلة والفرات وروافدهما رمزان يمثلان الهوية العراقية الجامعة وهما ذاكرة حرب وكبرياء.، اضافة الى الرموز المحلية مثل الأضرحة المقدسة في الموصل وسامراء وبغداد وكربلاء والنجف. كذلك الرموز الأثرية العمرانية أو التاريخية مثل منارة الحدباء في الموصل، وبابل وغيرها من الرموز.

اما في القرن العشرين، عرف العراق زخما معرفيا وفكريا وأدبيا وثقافيا واضحا مع بزوغ رموز ودلالات جديدة على سبيل المثال: شارع الرشيد والمتنبي وأبو نؤاس في بغداد، كذلك في المحافظات الأخرى.

هذه الرموز اهملت بعضها مثل شارع الرشيد والمتنبي والنهر وأبو نؤاس، والبعض الآخر فجر مثل الحدباء والقبتين في سامراء. اما الاخر فقد سرق مثل المتحف الراقي والآثار العراقي. اما النخيل فقطعت رؤوسها، والرافدين جفت مياهها. اذا أردت أن تهدم بنيان أمة، قم بهدم رموزها، وهذا ما حدث في العراق ومع الأسف.

أختم هذا بدور الثقافة في تعزيز واحياء الرموز العراقية. فنجد حضور كبير للرموز في الفنون التشكيلية التي تتمثل في الأزياء والمتاحف والمواقع الأثرية والعمارة والمناظر الطبيعية. الفنان العراقي يتوجه الى رموز الهوية العراقية ومفردات التراث وعية لأهمية التراث الذي هو معينه الأساسي. وأشيد هنا لمعرفتي بالفنان والأكاديمي الدكتور عقيل مهدي الذي ركز كثيرا على أهمية التراث الثقافي العراقي والرموز والدلالات في الاخراج المسرحي ومحاولته مع زملائه لردم التشظي والتهميش الذي أصاب المسرح العراقي بفعل الفشل الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي لم يحدث أبدا أن مر المسرح العراقي بهذا الاهمال عبر تاريخه الطويل من لحظة ولادته في مدينة آشور 800 ق.م. والى وقت قريب.

العراق اليوم بدأ يتعافى، بدأ يستعيد بناء الرموز وأفضل شاهد اليوم في بغداد هو استعادة هيبة وجمال شارع المتنبي. اما في الكوت وأنا ابن الكوت، الرمز الجامع لأهل الكوت هو سدة الكوت والكورنيش الذي أهمل وأصبح مكان للنفايا منذ 1990، اما اليوم فعاد الكورنيش وسدة الكوت هيبته وجماله مشيدا بدور بمحافظها المبدع الدكتور محمد المياحي

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi