يونيو 18, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

ملهم الملائكة: ألف لولا ولولا

ألف لولا ولولا

ملهم الملائكة

إذا كانت حكايا الف ليلة وليلة قد لخصت التأريخ الاجتماعي للمجتمع الاسلامي قبل بضعة قرون، فإن “الف لولا ولولا”  لا تكفي لإيجاز وقائع مجتمعات الإسلام الحديث.

يصعب التفريق بين التأريخ العربي وبين التأريخ الإسلامي لأسباب لسنا بصددها، لكن الثابت أنّ المسجل من التأريخين هو تأريخ المسلمين فقط ، ويجب ان لا تغيب عن بالنا حقيقة خالدة مفادها أنّ التأريخ المكتوب هو سجل مآثر وبطولات القادة و الزعماء.

ما وصلنا من تأريخ المسلمين غير الرسمي (وهو نبض المسلمين على مدى مئات السنين) تتوزع وقائعه في كتاب “الف ليلة وليلة”. في هذا السفر الذي لا يعرف كاتبه ولا زمن كتابته ولا أبطال وقائعه يتلمس الإنسان تفاصيل حياة الناس، أو على الأقل أمانيهم واحلامهم وتصوراتهم .

ولا تتفق النصوص المنشورة من هذا السفر مع بعضها وتتباين وترجماتها التركية والاوروبية والهندية والفارسية تباينا يفوق تباين الأناجيل المسيحية والقصص التوراتية وتناقل الاحاديث النبوية (ويقال أنّ عبد الله أبن سبأ ولا أحد يعرف من هو بالضبط قد دسّ في الأحاديث النبوية ستة عشر ألف حديث! )

ولولا أنّ الملك السادي شهريار لم يكن ينام الا بعد أن يقتل عذراء من بنات الشعب كل ليلة لما عرف العالم أول مسلمة تقصّ بكل تلك الجرأة قصص الحب واللذة المحرمة حتى ينام الملك.

ولولا قصص شهرزاد لظنّ الناس على مدى العصور أنّ العالم الإسلامي هو جنة سماوية من الفضيلة والصدق والعفاف، وكل بناته عذارى وكل متعه لا تتجاوز منابر المساجد وكل صوت يتردد في شوارع وأزقة مدنه هو القرآن والآذان والدعاء، حيث لا غناء ولا فسق ولا فجور.

ولولا قصص شهرزاد لما وجد الشعب المسكين متنفسا للمتعة واللهو (البريء وغير البريء) ، فمجالس الرجال والنساء في القاهرة ودمشق وبغداد وطهران والأستانه (حيث كان الاختلاط من المستحيلات) كانت تقص على مدار السنين حكايا شهرزاد وتتناقلها محورة في الأغلب الأعم لسبب النسيان أو عدم أمانة النقل أو لكليهما.

ولولا تناقل تلك الحكايا عبر عقود من الزمن لبقي الشعب المسكين أسير فتاوى لا أحد يعرف كيف تشكلت وأسير حكايا تناقلتها كتب التأريخ الرسمي (الطبري والمسعودي وابن خلكان و)….

لولا ليالي شهرزاد (وتسمى في الغرب الليالي العربية) لم يطلع مارد الدخان من قمقمه ليفتح بوابة اسرار المعرفة على مصراعيها.

لولا حكايا الف ليلة وليلة لما عرف الغرب شيئا عن سحر الشرق وأسراره ولما توله المستشرقون بهذا الجزء من العالم وتاهوا به حبا.

ولولا عشق المستشرقين لما نقلوا للغرب كل علوم الشرق، فطار الغرب (بفضل تلك العلوم) الى المريخ وتراجع الشرق الى القرن السابع للميلاد بحثا عن تأريخ قمري لا يثبت في تفاصيله (لسبب أثر جاذبية الأرض على القمر) فتتفاوت مواقعه من شهر لآخر ويبقى تأريخه مائعا حائرا بين ليلة غائمة لا يظهر فيها الهلال وبين ليلة صحت سماها فظهرت فيها نجمة الزهرة لتفسح للهلال أن يظهر.

ولولا التأريخ القمري لما أهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بالقمر فأنزلت في 20 تموز عام 1969 “نيل آرمسترونغ” أول أنسان على سطح القمر ليسير على التابع الأرضي الرمادي الميت ويثبت أن لا شيء فوقه وفيه سوى رمل رمادي محترق، ليفسد بذلك أحلام الشعراء بالكوكب الفضي والعشاق بسميرهم الذي لا ينام حتى ينامون.

ولولا الولايات المتحدة الامريكية لما تمكنت أوروبا العجوز أن تقضي على “هتلر” الذي قاد التحالف النازي الفاشي الياباني .

ولولا أكبر كارثتين في التأريخ (هيروشيما وناغازاكي) لابتلعت اليابان التي كانت نمرا متوحشا طموحا  كل آسيا وحوّلت كل شعوبها الى عبيد وفتيات جيشا في قصور الساموراي وحمامات الساونا.

ولولا خطة مارشال لما بزغت اوروبا لتصبح ثاني أكبر قوة اقتصادية وسياسية في العالم.

لولا نتائج الحرب العالمية الاولى وسقوط آخر قياصرة المانيا وآخر قياصرة روسيا وآخر سلاطين آل عثمان  لما قامت دولة تركيا الحديثة.

ولولا نهضة تركيا القومية لما قامت النهضة العربية ولما تمرد العرب على آخر خلفاء المسلمين فأقاموا دولهم القومية التي يريدون العودة بها اليوم الى الاسلام.

ولولا مجازر الهولوكوست النازية ، لما سمح العالم بقيام الدولة العبرية .

ولولا دولة اسرائيل لما تمتع القادة القوميون العرب بحق فرض قوانين الطواريء على شعوبهم لآجال غير معلومة ولما عاشوا طيلة مدد حكمهم في ظل الدساتير المؤقتة.

ولولا جيش اسرائيل الذي يهدد كل دول العرب لما باعت مصانع السلاح الغربية والشرقية ملايين الأطنان من الحديد والعتاد والبارود الذي نجح الى حد بعيد في اخضاع شعوب الشرق الاوسط لحكوماته.

ولولا سابقة الرئيس المصري الراحل أنور السادات بزيارة اسرائيل لما عقد مؤتمر كامب ديفيد عام 1978 برعاية الرئيس الامريكي جيمي كارتر ولما حدث التقارب العربي الاسرائيلي الذي جعل الحديث يدور اليوم عن مشروع دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل كأمر واقع لم يتجاسر أحد على مجرد التفكير به قبل كامب ديفيد.

ولولا الرئيس الأمريكي الديمقراطي “جيمي كارتر” (المسيحي المتدين) لما قامت أول جمهورية  اسلامية في العالم ولما تحول الصراع الدولي من صراع بين الغرب المسيحي المؤمن وبين الكتلة الشيوعية الملحدة ، الى صراع بين الغرب والعالم المتمدن وبين الدول والمنظمات المتأسلمة عبر العالم.

ولولا سياسة الاحتواء التي انتهجها الرئيس الامريكي جورج بوش الأب ومن بعده الرئيس (الديمقراطي) بيل كلينتون لما اضطرت الولايات المتحدة ان تخوض حرب تحرير العراق لأسقاط نظام صدام حسين ، ولما احتار العالم الغربي بالمشروع النووي الايراني.

ولولا سلطة الاعلام الحديث لما عرف العالم بجريمة الرئيس الامريكي  الديمقراطي “باراك اوباما ” بحق الذباب حين قتل ذبابة في المكتب البيضوي بالقصر الأبيض أمام أنظار الملايين.

عود على ذي بدء ، لولا حكايا شهرزاد لما عرفنا أنّ أختها “دنيا زاد” كانت تنام خلف ستار مخدع الملك وتستزيدها لتقص المزيد  ثم تبقى تنصت لما يحدث بين شهريار وجاريته شهرزاد . وحين يخرج الملك مع طلوع الصباح لإدارة شؤون الرعية (ولا ندري كيف اذا كان قد قضى الليل ساهرا مسهدا ينصت لحكايا شهرزاد ويواقعها!) ، تنام الأختان متعانقتان.

وتنتهي الليلة الواحدة بعد الألف بقصة الجارية شهرزاد ، حيث جثت على ركبتيها أمام الملك العادل وقالت له إنها تنام معه (بحق ما ملكت يمينه) منذ ثلاث أعوام وقد أنجبت منه ثلاثة ابناء ذكور لذا فهي تطلب منه الصفح وعدم قطع رقبتها بالسيف (وهي العقوبة المفضلة عند المتأسلمين حتى في يومنا هذا). أجابها شهريار بالدموع والعفو والغفران لأنها قد شفته من مرضه السادي ، وأخبرها في النهاية السعيدة أنه وجدها شريفة عفيفة (رغم أنه قد ضاجعها دون زواج الف ليلة) لذا فقد قرر الزواج بها وقبول ابنائها ابناء له، وانتهت الليالي بأفراح دامت ثلاثين يوما عمت مملكة شهريار لتزيح عن قلب الشعب هموما واحزانا راكمتها مصارع بناتهن المؤمنات العذارى في مخدع شهريار.

*نشر المقال عام 2009 في موقع منبر الحرية، ويعاد نشره هنا بالاتفاق مع الكاتب.

 

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi