أكتوبر 07, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

محمد أبوعبيد: لماذا نعشق الهامبرغر؟

لماذا نعشق الهامبرغر؟ 

محمد أبوعبيد

ما الذي يجعل الهامبرغر، وأخواته، بتلك الشهرة المطبقة للآفاق عند العرب والعجم على حد سواء، بينما لم تشتهر مناقيش الزعتر في الولايات المتحدة، ولم ينتشر طبق الكبسة في أوروبا!. تماماً مثلما انتشر اسم كيم كارديشيان لدى العرب، وصارت معشوقة الكثيرين منهم، بينما لم تشتهر هيفاء وهبي عندهم.
بمقياس الذائقة العربية، لعل طبق الكوسا المحشي ألذ وأطيب من شطيرة الهامبرغر، ولعل ذائقة البعض تجنح صوب اعتبار الطبق التايلندي، أكثر متعة للمضغ من مشتقات البرغر. وهنا لن أجدني أتحدث في المسألة الصحية، كي أنجو بنفسي من تهمة القذف والتشهير، ولأني، أيضاً، لست بالخبير التغذوي ولا الطبيب التوعوي ولا المختص المعوي. لكن مسألة (أحب أو لا أحب) ليست جنحة يعاقب عليها القانون.
إذن، الأمر غير متعلق بمذاق عائلة البرغر، لكنه مسألة ترويج، وتخطيط متقن لجعلها سلاحاً عابراً للقارات، وسمةً من سمات المدن العصرية، فتسللت إلى أغلب البيوت العربية، بل وفي أصقاع المعمورة، لتفرض نفسها بسمعتها، لا بقوتها، فهي ليست بندقية نرفع أيدينا أمامها خوفاً من نيرانها. لهذا صارت تلك المأكولات للصغار، مثلاً، وجبة ووجهة ترفيهية، وجزءاً من مقتنياتهم الحديثة، كما برامج الألعاب الإلكترونية، ومدن الملاهي.
ما قصدته من مثال الهامبرغر أوسع وأبعد بكثير، ولعلي وجدت فيه منطلقاً لوضع أصبعي على جرح جهل الغرب بنا. إنّ قضايانا ليست شطيرة خبز تزوجت من اللحم، وليست صنفاً من “الكاتش آب”. فالولايات المتحدة التي تمكنت من غزو الشرق والغرب معا حتى بشطيرة، لم يستطع العرب ولا المسلمون غزوها بطبق تقليدي قد يعود لمئات السنين، ومع ذلك فهذا أمر مغفور لهم، لكن غير المغفور، أنه لم يكن بمقدورهم غزو الأمريكيين بالحرف العربي، ولا بتعريف مبسط عن تاريخهم.
الأنكى، والأشد أسى، أن المسلمين الذين أعجَبَ أكثرهم المنتجُ الأمريكيّ، حتى الهامبرغر، فشلوا في شرح دينهم لمن اعتبر دينهم مجرد إرهاب، وأجساد تفخخ لتقتل من حدا وبدا، فتشكلت صورة لدى الأمريكي، والغربي على حد سواء، أنّ الإسلام ليس دين سلام، وأن كل مسلم هو مشروع إرهابي. وأن سفك الدماء صار متلازمة كلمة “مسلم”.
ليس نقيصة أن يتعلم المرء من تجارب غيره، حتى من عدوه، لكن المعيب أن يرى غيره يغزوه بقطعة لحم بين حاجبي طحين، بينما هو لم يتمكن من وضع قضية من قضاياه في سياقها الصحيح، ونزع كل الشوائب التي أحاطت بها بفعل فئة من أبنائها، رغم توفر الإمكانات والمقدرات. فالأمريكي الذي لا يتحدث العربية، أبهر العربي بثقافته المستحدثة، بينما العربي الذي يتحدث الإنجليزية، بلكنة مؤمركة أكثر من الأمريكي، لم ينجح في إفهام الأمريكي أن الإسلام ليس فيه نحر لرقاب البشر، ولم يقنعه أن فلسطين محتلة، مثلاً، ولم يثبت للفرنسيين أن الإسلام بريء مما يسمى جوراً “القتل على خلفية الشرف”.
لا بد، إذنْ، من التأسيس الصحيح لشبكة كبيرة من العلاقات العامة، والترويج، وتفعيل المعاول الثقافية، والأدوات الفنية والمنابر الإعلامية، وكل الإمكانات المسخّرة لدينا، لتوضيح حقيقة ما تشوّه عنّا وعندنا، فما تشوّه ليس مناقيش الزعتر أو طبق المندي، إنما دين بأكمله، وثقافة ضاربة في عمق التاريخ. وحينها سيعرف الأمريكي والأوروبي أنا كنا نفهم في الفلك يوماً ما قبل قرون.
mrnews72@hotmail.com

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi