ربع حبة ترامادول
أزاحت الأدوية والعقاقير الطبية المخدرات التقليدية عن عرش الإدمان في مصر. فبعد عقود، بل ربما قرون من سيطرة الهيروين والكوكايين والحشيش على المدمنين، ظهرت للوجود عقاقير طبية تصرف بوصفة علاجية لتسكين بعض الآلام التي لا تجدي معها المسكنات المعتادة نفعًا، ومن ثم يدمنها الكثيرون بسبب حالة الانتشاء التي تسببها أو كما تعرف في العامية المصرية بـ “الدماغ العالية”. إدمان المسكّنات أو الأدوية الموصوفة طبيًّا بات الأوسع انتشارًا – ليس في مصر فحسب – بل في العالم.
الدمار الشامل
أمام المهام اليومية الشاقة المنوطة بها، لم تستطع أحلام (ابنة الـ28 ربيعا) الصمود طويلا، هذه المهام تبدأ في السادسة صباحًا يوميا، بتهيئة الصغار للذهاب لمدارسهم مع ساندويتشاتهم، ثم تذهب بهم حتى بوابة المدرسة، ثم تعود أدراجها للمنزل لتكمل شؤونه وتصلح ما أطاحت به أيديهم من نظامه، ثم تنزل مرة أخرى للتسوق وشراء حاجاتها من السوق، لتعود بها مرة أخرى للمنزل لتعد منها طعامًا لأسرتها، ثم تعيد كرة النزول للمدرسة للعودة بفلذات الأكباد لبيتهم للطعام ثم النزول بهم مرةأخرى للدروس الخاصة. وهكذا دواليك.
بمرور الوقت أصبحت لا تجد في نفسها القوة للقيام بكل هذا إلا بمساعدة من الترامادول فتبتلع منه حبات أربع، بعد الإفطار أحيانا وفي الغالب بدون إفطار تماما.
عندما شرعت أحلام (ليس اسمها الحقيقي) في تناول الترامادول بجرعات قليلة للغاية، لإعطائها القدرة على مواصلة اليوم بلا كلل وتعب كما نصحتها إحدى الصديقات، لم تكن تتصور أبدًا أن تصل بها الحال إلى إدمانه، أو أن تتوقف حياتها على الانتظام والإكثار من تناوله.
لا يتجلّى المصير الحالك لمدمن المسكنات في بادئ الأمر، أو حتى في منتصفالطريق، فيبدأ المدمن إدراك حقيقة أنه مدمن، ولكن بعد أن تتملك منه تلك السموم لتدمّره وتدمّر حياته،كما فعلت بأحلام.
يعدّ الترامادول مسكّنًا فعالًا للألم، ويصنّف طبيًّا على أنه من بين الأفيونات المخلّقة أو المصنّعة.
التقينا “أحلام” بأحد المقاهي بوسط القاهرة. بدت شاحبة الوجه، هزيلة البنيان، وكأنها امرأة عجوز. وكانت تدخن بشراهة فقبل أن تنتهي السيجارة التي في يدها تصلها بأخرى باستمرار.
تقول أحلام: “بدأتُ بربع حبة، والآن وصل الأمر إلى تناول شريط بأكمله يوميًّا (عشر حبات) لكي أستطيع أن أؤدي مهامي اليومية، بعد أن كنت أستمتع – في البداية – بحالة من النشاط الهائل، ذهب الانتشاء الذي كنت أجده.”
أحلام لا تعمل، وزوجها هو المصدر الوحيد للدخل. زوجها الذي لم يعرف بأمر إدمانها، إلا بعد أن اكتشف أنها تبدّد نفقات البيت لشراء الترامادول. والآن أصبحت تحرم أطفالها من بعض احتياجاتهم الأساسية من أجل أن تتعاطاه.
تقول: “كان زوجي يعطيني أجرة الدروس أو الإيجارلأسددها، فلا أفعل وأنفقها للحصول على الترامادول، وكذلك كان يعطيني نقودًا لشراء دجاج، فأكذب بأنني اشتريته للأطفال وأكلوه. وبالطبع لم يأكلوه، وذلك من أجل شراء تلك الحبوب. ثم أطعم الأطفال مكرونة بجنيهين. للأسف هذه هي الحقيقة.”
لقد وصل بها الأمر إلى درجة أنها طلبت من جارها المدمن أن يعطيها حبتين في مقابل أن يمارس الجنس معها، وذلك لانعدام المال لديها تمامًا، بل بدأت في بيع أغراضٍ من شقتها، ومن ثَم تحاول خداع وتضليل زوجها بشأنها.
وعلى كل حال، لا يصل المتعاطي المدمن-في ما بعد، كأحلام- لحالة المتعة الحميمية أبدًا؛ لأنها دمّرت نفسها بذلك المخدر. وبالرغم من ذلك، لا تريد أن تُعالَج. تقول:”أريد أن تُطرد السموم من جسمي لأعود للشعور بالمتعة مثل أول مرة تعاطيته فيها.”
يعدّ الترامادول مسكّنًا فعالًا للألم، ويصنّف طبيًّا على أنه من بين الأفيونات المخلّقة أو المصنّعة، ويستخدم في علاج الآلام المصاحبة لحالات الكسور والسرطان. وهو دواء من المفترض أن يتم صرفه بوصفة طبية. ويباع في مصر باسم الترامادول، ولكن له أسماء تجارية كثيرة، إذ يبلغ عدد الأصناف التي تحتوي على مادته الفعالة (ترامادول هيدروكلوريد) قرابة 20 صنفًا يأتي أغلبها من الصين أوالهند، وتصنّع شركات الأدوية المصرية المصرّح لها الترامادول بتركيز 50 و100 مليغرام.
إدمان المسكّنات أو الأدوية الموصوفة طبيًّا بات الأوسع انتشارًا – ليس في مصر فحسب – بل في العالم، وفقًا لتقرير المخدرات العالمي، وتقريرالهيئة الدولية للرقابة على المخدرات. وتشير إحصاءات “صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي” في مصر لعام 2017، إلى أن نسبة تعاطي المخدرات بين المصريين سجلت 10 في المئة، أي ما يزيد عن عشرة ملايين شخص، أو واحد من كل عشرة أشخاص، وقد تكون النسبة أكبر من ذلك، نظرًا لأن كثيرين يفضّلون عدم الاعتراف بإدمانهم أو بإدمان أحد من أفراد الأسرة، نظرًا لوصمة العار المرتبطة بمشكلة الإدمان في المجتمع.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية