أكتوبر 10, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

سعد بابير : كتابات من وحي الابادة (4)

كتابات من وحي الابادة (4)

 سعد بابير سعد بابير 2

(بسالة الروح وشجاعة البندقية)

لم اواجه موقفا في حياتي اصعب من ذلك الموقف الذي استشهد فيه قائد جبهة السكينية للمقاومة الايزيدية في جنوب جبل سنجار (شنكال ) , سوى الموقف الذي استشهد فيه شقيقي في معارك مع تننظيم داعش الارهابي  .

 بعد هذان الموقفان لم اكن اعلم ان نفس تستطيع ان تعاني ما عانيته  من ألام وهموم , فتركا اثراً بليغاً  في رحلة حياتي نحو محطة القبر التي تنتظر قدوم كافة المخلوقات البشرية اليها. هذان الموقفان اصبحا جزءا من ذاكرتي المليئة بالهموم في كل مكان وزمان ,لا يمحوها غبار السنين  ومحاولات النسيان .

في الاواخر من اكتوبر / تشرين الاول من العام 2014 , كنت واقفا امام باب الخيمة التي نصبناها على قمة جبل سنجار (شنكال) لمعالجة المرضى والجرحى الذين يصابون في مواجهات مع تنظيم داعش ,حينها انتشرت الاخبار بين المقاتلين الايزيدين في مختلف الجبهات مفادها ان قائد جبهة السكينية للمقاومة الايزيدية  قد اصيب بجروح بليغة مع عدد من مقاتليه نتيجة سقوط قذيفة هاون اطلقها عناصر تنظيم داعش على نقطة تمركزهم , حينها شعرت بحيرة كبيرة وفكرت في نفسي ” كيف يمكننا الوصول الى الجرحى وجبل سنجار محاصر من كافة جهاته ولا يوجد طريق مؤدي الى مكان تواجدهم ؟!” .

فقلت لسائق الاسعاف الذي كان يرافقني , ينبغي ان نصل الى الجرحى لمدواتهم وايقاف نزيف الدم من جروحهم  باي طريقة كانت , فقال سائق الاسعاف انني سوف أتى معك واينما تريد سوف نتوجه , فقررنا الذهاب الى جبهة السكينية , وصعد معنا بعض من المقاتلين الايزيدين كقوة حماية لنا وفي وعورة جبل سنجار(شنكال) المنسي في ظل تساقط الامطار استطعنا ان نصل بسيارة الاسعاف الى احدى الاودية العميقة في الجبل لنترك سيارتنا هناك ونكمل طريقنا للوصول الى الجرحى سيرا على الاقدام , وكان كل أملنا ان نصل الى الجرحى ونقوم بمعالجتهم قبل فوات الاوان وخاصة تضميد جرح قائد المقاومة الايزيدية في جبهة جنوب جبل شنكال (خيري شيخ خدرى) الذي تخلى عن نعيم عيشه في اوربا وفضل العيش في ميادين القتال للدفاع عن ارضه وكرامته وينال من البرابرة وسماسرة العصر الحديث الذين تربوا على ثقافة قتل الاخر وارقة الدماء بدلا من قبوله على أسس انسانية .

بعد السير على الاقدام نحو ساعتين بين وديان وصخور جبل سنجار وصلنا الى مشارف منطقة تدعى ” كيرا قيرانية ” , هناك تكلم احد المقاتلين الايزدين الذين جاؤوا لحمياتنا مع المقالتين المرافقين للجرحى وهو مجهش بالبكاء والعويل , فقال المقاتل ” اخبرني ماذا اصابكم ؟هل ان حالة الجرحى في خطر؟ , فصمت ولم يجاوب , وبعد برهة من الزمن وبنبرة طغى عليها الحزن والبكاء  , قال ان شيخ خيري عطاكم عمره واستشهد , حينها اجهش جميع من يرافقنا بالبكاء حتى سائق الاسعاف الذي كان من بلدة العمادية باقليم كوردستان انهمر بالبكاء رغم عدم معرفته بالقائد شيخ خيري .

لم يبقى احد ولم يذرف الدموع على فقدان رمز المقاومة الايزيدية في جنوب  جبل سنجار (شنكال  ) , حتى الصخور والاشجار ومزارع التبغ وينابيع المياه عبروا عن حزنهم بالبكاء على فقدانه .

بندقيته التي كانت بمثابة عزارئيل بوجه الاعداء ايضا تيتمت واصبحت من غير اب وهي الاخرى بكت وصرخت واستنجدت , لكن دون جدوى فالارواح لا ترجع وهذه هي حالة الدنيا والبقاء للباري عز وجل  .  

شقيق شيخ خيري الذي كان يدعى بشيخ (ابراهيم ) مع مقاتل اخر يدعى (عيسى)  من بلدة سيبا شيخ خدرى (البلدة التي تنسب لأسرة الشهيد العريقة في الوسط الايزيدي) , كانا جريحين , فقمنا بمعالجتهم والبقية ايضا كانوا يحملون جثة الشهيد  شيخ خيري ويبعدهم عنا مسافات ليست بالطويلة  , وبعد المضيء في رحلة السير لساعات طويلة  سالكين الطرق الوعرة في الجبل وصلنا الى احدى المنازل الطينية  بالقرب من منطقة (كيرا قيرانية ) , فاتى صاحب المنزل لاستقبالنا وما ان دخلنا الى احدى الغرف في المنزل وجدنا ان الغرفة مكتظة بالمقاتلين الايزيدين وكل واحد منهم كان يضع بندقيته بجانبه,  فقالوا لنا ” بشروا ماهي اخبار جبهة السكينية ؟ هل ان شيخ خيري ومقاتليه على ما يرام ؟ وبحزن عميق قال شقيق  الشهيد ان “شيخ خيري عطاكم عمره , فبدأ جميع الموجودين في الغرفة بالبكاء واصبح الدموع تتساقط على الارض بغزارة فائقة , فغضب شقيق الشهيد وقال ” شيخ خيري استشهد دفاعا عن ارضه ودينه , انتم جميعكم مثله وبامكان اي مقاتل منكم ان يحل محله ويدافع عن ارضه وعرضه ببسالته وبشجاعة بندقيته , لماذا نحن هنا ونقاتل الاعداء, اذا هو لم يستشهد وانا لم استشهد وانتم لم تقعوا شهداء على هذا الارض الطاهر , فمن يستعيد كرامتنا ومن يحرر اخواتنا ومن ينظف ارضنا من قذارة داعش ” , حينها شيخ (ابراهيم ) كان يعلم بانه لا يوجد شخص بامكانه ان يحل محل شقيقه الذي نذر روحه قرباننا لبقاء دينه  وكان الهدف من كلامه لبث روح الشجاعة والحماس في نفسية المقاتلين الايزيدين  لمواصلة مسيرة المقاومة ضد الاعداء ومرتكبي جرائم الابادة . 

وفي الصباح اليوم التالي وصل جثمان الشهيد الى منطقة (سردشتي) في جبل سنجار (شنكال)  ليتم نقلها على مثن مروحية عراقية الى اقليم كوردستان ويتم مراسيم دفنه في معبد لالش المقدس للديانة الايزيدية بصمت رهيب وحزن عميق وسط حضور جماهيري كبير من كافة فئات المجتمع الايزيدي .

وبهذه الحالة فقد الايزيدية بسالة رمز من رموز المقاومة الايزيدية ليبقى شجاعته وشجاعة بندقيته ذكرى تتغنى بها الاجيال القادمة ويتم احياءها سنويا احتفاءا بمواقفه وبسالته للدفاع عن بني جلدته في فترة حرجة من التاريخ الحديث لابناء الديانة الايزيدية .  

سعد بابير – 19/10/2015

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi