البارزاني يحول الخطاب السياسي إلى نداءٍ للضمير
خيري بوزاني
بالأمس، عندما تحدّث الرئيس مسعود بارزاني إلى مرشحي الحزب الديمقراطي الكوردستاني، لانتخابات المجلس الوطني العراقي المزمع اجرائه في 11/11/2025 – لم يكن يلقي خطابًا سياسيًا عابرًا فحسب، بل كان كالذي يزرع في النفوس بذور ضمير وطني حي عميق. قال لهم بصوته الهادئ الواثق “إن البرلمان ليس ساحة للشعارات، بل بيتٌ لخدمة الإنسان، أيًّا كانت قوميته أو ديانته أو مذهبه”. لقد أراد أن يذكّرهم بأن الوطن لا يُقاس بخطوط الطباشير على الخرائط، بل بقلوب الناس التي تنبض فوق تلك الأرض المتعبة.
نعم عزيزي القارئ، تخيّلْه وهو يقول لهم إنهم يمثلون كل العراق، نعم العراق كله، لا الحزب وحده، ولا الإقليم فقط، بل العراق بأكملها من زاخو والى الفاو، بما فيها من تنوعٍ وشجنٍ وتاريخٍ متشابك، قومياً ودينياً ومذهبياً… . كان كلامه أشبه بماءٍ باردٍ يصبّ في جرحٍ ساخن. كأنه يريد أن يغسل السياسة من غبار الطائفية، وأن يعيد لها وجهها الإنساني الذي غاب طويلاً.
ثم تعرج، البارزاني الزعيم، إلى الحديث عن العلاقة بين الإقليم وبغداد، فوضع النقاط على الحروف بوضوح القائد الذي لا يساوم على الحقيقة. قال: إن الدستور، رغم ما جرى من خروقات، يظلّ هو الضمانة الوحيدة لعراقٍ ديمقراطيٍّ تعدديٍّ فدراليٍّ، وإن التمسك به ليس خيارًا بل التزام أخلاقيّ تجاه الأجيال القادمة.
في تلك اللحظة، شعرتَ أن الرجل لا يتكلم عن السياسة، بل عن الحلم. عن عراقٍ يتسع للجميع، لا تفرّقه المذاهب ولا تُمزّقه المصالح.
وهنا يتسلل السؤال إليك ايها القارئ النبيه؛ كهمسٍ داخليٍّ: هل بقي بين قادة العراق او رؤساء الكتل المختلفة من يملك هذه الرؤية؟ من يستطيع أن يرى الإنسان قبل الانتماء؟ ربما… لكنّ هذا “ربما” وحدها تختصر مأساة وطنٍ ما زال يبحث عن منارةٍ مثل بارزاني، تضيء له الطريق في ليلٍ طويل.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية