المؤتمر الإيزيدي الدولي في عيون النخبة الموازية
خيري ابراهيم كورو
شهدت مدينة دهوك خلال شهر نيسان 2025 حدثًا أكاديميًا غير مسبوق في حجمه ومضمونه، تمثل في انعقاد المؤتمر الإيزيدي الدولي الذي نظّمه مركز لالش الثقافي والاجتماعي مع جامعة دهوك، وبرعاية رئيس حكومة إقليم كوردستان السيد مسرور بارزاني، تحت شعار: “الإيزيديون: الديانة، التراث، التاريخ، الجغرافيا”.
رعاية السيد مسرور بارزاني لهذا المؤتمر تعكس سياسة متواصلة تتسم بالاحترام والتضامن مع المكون الإيزيدي، الذي عانى من كوارث جسيمة في تاريخه، لاسيما جينوسايد الثالث من أغسطس 2014.
ولطالما أكدت حكومة الإقليم، وفي مقدمتها السيد بارزاني، أن الدفاع عن الإيزيديين وحماية وجودهم جزء لا يتجزأ من التزامها الأخلاقي والسياسي والقومي.
ويعد هذا المؤتمر أول تظاهرة علمية بهذا المستوى تقوم به مؤسسة ايزيدية مركز لالش ومؤسسة علمية جامعة دهوك، حيث استقطب عشرات الباحثين من جامعات عراقية وعالمية، ناقشوا على مدار يومين محاور دقيقة ومتشعبة في الدين والتاريخ والجغرافيا والفلكلور الإيزيدي، في حضور جماهيري واسع، ولا سيما من النخبة الثقافية والأكاديمية.
حظي المؤتمر بتغطية إعلامية كبيرة، وأشاد به العديد من المتابعين والمهتمين باعتباره خطوة مهمة نحو توثيق الهوية الإيزيدية في سياقات علمية رصينة، بعيدًا عن الخطاب العاطفي أو التوظيف السياسي المباشر. حيث نجح مركز لالش وجامعة دهوك من خلال هذا الحدث، في لفت الأنظار إلى الغنى الحضاري والديني للمجتمع الإيزيدي..
لكن في المقابل، ظهرت بعض الأصوات الناقدة للمؤتمر، وإن كانت محدودة من حيث العدد والتأثير، إلا أن وجهات نظرها استدعت التوقف عندها، لما تمثله من طيف سياسي وفكري واجتماعي موجود في الساحة الإيزيدية.
هذه الأصوات التي اطلقت عليها بـ”النخبة الموازية”، وهم الايزيديون الذين يعملون ضمن أحزاب او مراكز ثقافية أو بشكل فردي …), تنتقد عادة أي فعالية تُقام في إقليم كوردستان أو تنظم برعاية أو دعم من الأحزاب الكوردية.
حيث عبرت عن جملة من التحفظات أبرزها:
-التمثيل المحدود: اعتبرت أن المؤتمر لم يكن جامعًا لكل أطياف الإيزيدية، سواء من داخل العراق أو من جاليات الشتات، خاصة من دول مثل تركيا، سوريا، روسيا، أرمينيا، جورجيا وأوروبا، مما قد يُفقده شرعية التمثيل الكلي، حسب رأيهم.
ـ تسييس الهوية: رأت هذه النخبة أن المؤتمر حاول ضمنًا ترسيخ انتماء قومي محدد للإيزيديين، وهو ما اعتبرته افتقارًا للحياد الأكاديمي.
ـ تغليب الخطاب السياسي: أشار بعض المنتقدين إلى تدخل سياسيين في الجلسات أو الكلمات الافتتاحية، معتبرين أن هذا الحضور أضعف من علمية المؤتمر، وحوّل بعض فقراته إلى منابر للدعاية السياسية.
ـ تغييب القضايا الجوهرية: أبدت هذه الأصوات امتعاضها من غياب بعض القضايا الحياتية والمصيرية، مثل أوضاع النازحين، والمختطفات، وإعمار سنجار، مؤكدة أن الحديث عن الهوية لا يكتمل دون ربطه بالسياق المأساوي الذي ما زال يعيشه الإيزيديون منذ كارثة الإبادة الجماعية عام 2014.
رغم هذا النقد، فإن المتابع المحايد يرى بوضوح أن المؤتمر لم يقص أحدًا بشكل مقصود، بل وجهت الدعوات إلى عدد من الجهات والشخصيات الإيزيدية في الداخل والخارج، وأن غياب بعض الأصوات جاء نتيجة مواقف مسبقة من المؤسسات المنظمة، لا بسبب نية استبعاد أو إقصاء.
خلاصة القول، إن المؤتمر الإيزيدي الدولي يشكل نقطة تحول بارزة في مسار الكتابة العلمية عن الإيزيدية، ويضع اللبنة الأولى في بناء مشروع أكاديمي رصين حول هذا المكون الأصيل. وإن كانت هناك انتقادات – وهي مشروعة في أي حراك فكري – فإنها لا تقلل من قيمة الحدث، بل تدفع باتجاه تطويره مستقبلًا ليكون أكثر شمولًا واتساعًا.
ملاحظة:
أطلقت اسم “النخبة الموازية” على الأيزيديين المنتقدين للمؤتمر، لأنهم يعملون بموازاة، أو بالضد من، أي نشاط يقوم به الأيزيديون الذين يعملون ضمن الأحزاب الكوردية أو المراكز الثقافية الأيزيدية المدعومة من هذه الأحزاب.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية