عبد الرزاق علي
نشرت صحيفة «ديلي ميرور» البريطانية، قبل أيام، دراسة تفيد بان نصف البريطانيين يكذبون يوميا، وان التأخر عن العمل يعد السبب الرئيسي لذلك، كما ان الأعذار الدارجة التي يستعملها البريطانيون لتبرير تأخرهم عن العمل هي «ازدحام حركة المرور»، و»ساعة المنبه لم تعمل كالمعتاد»، و»تأخر القطار»، و»تعطل السيارة»، في حين تستعمل غالبيتهم الكذب لجعل الناس الآخرين يشعرون على نحو أفضل.
وقال الطبيب النفسي الذي أعد الدراسة، أريك سيغمان، إن «العذر المهذّب يمثل مسألة جوهرية لدى البريطانيين، غير أن الكذبة يجب أن تكون جيدة وشخصية وتُظهر الندم وتجعل الآخرين يصدقونها».
الكذب، وما أدراك ما الكذب. قيل الكثير الكثير عن الكذب. أشبع الفلاسفة، وعلماء النفس والاجتماع هذه العادة الانسانية، أشبعوها تعريفا وبحثا. أهو حالة نفسية أو مرض نفسي كما تؤكد مدارس علم النفس، أم حالة آنية وليست دائمة، توجبها ضرورات اجتماعية أو متغير اجتماعي معين في ظروف محددة، كما يقول علماء الاجتماع، فهم يؤكدون، لايوجد انسان كاذب بالفطرة. بين هذا وذاك، أراني أقف في المنتصف.
يكذب من يدعي من البشر أنه لم يكذب قط. فالى جانب كونه عادة انسانية بل ملاصقة لكل طباع البشر، ولكن تجارب الحياة اليومية تقول، الغالبية تكذب عندما تحتاج اليه أو يحتمه ظرف أو طارئ أو مصلحة. الكذب عادة سيئة. وتتفق في هذا جميع الأديان والثقافات والقيم الاجتماعية لكل المجتمعات من دون تمييز، ولكن: هل ان الكذب، سيّء في كل الظروف والأحايين؟ اذا كان هكذا، فمن أين جاءت مقولة: الكذب الأبيض؟ من منا لم يكذب ذات مرة، وبكذبه هذا، لم يطفئ مشكلة عائلية أو اجتماعية، أو ينج به حياة انسان أو أكثر؟ من دون أن ننسى: ومن الكذب ما قتل. فكذبة السياسي، قاتلة لا محال. شاهدوا ماذا يحصل يومياً في سوريا. كذب رجالات النظام، وحلفائه في الداخل والخارج هو السبب. كذب محمد مرسي عندما أصر على أنه الرئيس الشرعي وهو يرى أكثر من ثلاثين مليون مصري يهتفون لرحيله. عندما تصبحون ذات يوم على نبأ متوقع: ايران أصبحت عضوا في النادي النووي، تكتشف أن كل ما قاله جون كيري ورئيسه كذب صارخ. وقاتل أيضا. وحين ترون شوارع بغداد تفيض بمياه الأمطار، مع كل المليارات المصروفة خلال السنوات المنصرمة، تعرفون ماذا تجلب أكذوبات أمانة بغداد من ويلات على أهلها الطيبين.
الدراسة تشير الى جانب نفسي مهم للكاذب والمكذوب عليه. العذر المهذب. كذبة، ولكنها تحترم العقول، حيث الكاذب لا يحاول الضحك على المقابل، كما يضحك غالبية السياسيين العراقيين على شعب صدق كذبهم في لحظة غفوة أو مجبرا.
هل هناك علاقة جدلية بين الكذب والذكاء كما يشير رئيس أميركا الأسبق الراحل، رونالد ريغن، كاذبا «لست ذكيا لدرجة أن أكذب». عود على بدء، يذكرني ما جاء في الدراسة البريطانية تلك عن ان نصف البريطانيين يكذبون يوميا،بقصة طريفة حصلت لصحفي بريطاني كذلك. كتب صاحبنا: ان نصف أعضاء البرلمان البريطاني حمقى. في اليوم التالي طلب منه الاعتذار، والا المحكمة. فكتب بكل دهاء: ان نصف أعضاء البرلمان البريطاني ليسوا حمقى.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية