سبايا الخلافة.. “اتخذوا طفلتي الرضيعة رهينة حتى يغتصبوني”
رووداو – السليمانية/ عندما كانت في قبضة مسلحي داعش، كان كل هم (هدية) ينصب على تجنب التعرض للاغتصاب، لم تكترث للضرب بالعصي والسياط وأخامص البندقيات، لكن عندما أخذوا طفلتها ذات الخمسة والأربعين يوماً رهينة، استسلمت لهم.
هدية، من قرية (وردة) التابعة لقضاء سنجار. عندما وصل الجيش الداعشي الأسود إلى (كلزرد) و(سيبا شيخ خدر) قرر سكان وردة الرحيل عن قريتهم والتوجه نحو جبل سنجار، ورغم ابتعادهم كثيراً عن القرية، فإنهم وقعوا في الأخير في قبضة مسلحي داعش.
المختار الخائن
كانت هدية قد تزوجت أحد أقاربها منذ سبع سنوات، وكان صبي في السادسة ثمرة تلك الزيجة. في خيمة بمخيم النزوح، تعود هدية بذاكرتها إلى الوراء، إلى اليوم الذي تم فيه أسرها من قبل الدواعش: “نال الجوع والعطش من أهالي القرية وهم في التلال والمرتفعات، لم يعد أحد قادراً على مواصلة المسير، قال بعضهم سنعود إلى القرية ونأتي ببعض المتاع والمزيد من الطعام، حينها وصل إلينا مختار إحدى القرى العربية المجاورة لنا، وأخبر الرجال بأن لا داعي للقلق”.
كان المختار ذاك قد جاء من المنطقة التي يسيطر عليها مسلحو داعش، وقال للرجال إن داعش لا يمس أحداً وإن بإمكانهم أن يعودوا إلى ديارهم. اقتنع الرجال بما قال المختار. شاهدته هدية، قبل أن يبتعد الرجال مسافة 200 متر، وهو يتحدث من خلال هاتفه النقال، ولم تمر إلا دقائق قليلة على ذلك الاتصال الهاتفي، حتى وصل الدواعش، “جمعوهم في بيت المختار، ثم حملوا الرجال والنساء، الكبار والصغار، في شاحنات”.
بقوا خمسة أيام في مدرسة بتلعفر، ثم نقلوهم إلى مدرسة أخرى. بعدها إلى كسر المحراب، “هناك عاد إلينا رجالنا. كانوا يشغّلوننا، أما النساء اللواتي قتل أزواجهن، فكانوا يكرهونهن على التخلي عن أولادهن، والعمل من شروق الشمس حتى وقت غروبها، أمضينا أربعة أشهر بتلك الصورة”.
قبل داعش، كان زوجها عاملاً في دهوك، لكن داعش جعلته راعي غنم “كنا جائعين لدرجة أننا كنا نحسد الغنم التي تأكل العشب، كان الدواعش يقولون إن الغنم أهم عندنا منكم”.
كنا نشرب من مياه المجاري
نقلوا النساء والأطفال إلى الموصل، هناك بدأ تفتيشهم من قبل الداعشيات، وتم العثور على عدة هواتف نقالة، فزاد حنق الدواعش عليهم.
لم تمر فترة تذكر حتى بدأ عزل النساء عن الأطفال، كان الذكور منهم يساقون إلى معسكرات التدريب، والإناث إلى أسواق النخاسة. تبكي هدية وهي تحكي قصة فصل ابنها عنها: “أتعلم كيف أخذوا ابني ذي الست سنوات من حضني؟ ضربوني بالأنابيب البلاستيكية والأسلاك الكهربائية حتى خارت قواي وضعفت يداي. ثم أخذوا ابني. كان ابني كل ما أملك في الدنيا، لكنهم أخذوه”.
بعد ذلك تم نقلهم إلى حي الخضراء في تلعفر، ثم جمعوا كل النساء في أرض خالية من الزرع، عزلوا المتزوجات عن البنات والأرامل، ثم جاؤوا بمسلحين التحقوا بداعش حديثاً: “قالوا لهم، يستطيع كل واحد منكم أن يختار واحدة ويأخذها له، لم يخترني أي منهم”.
مرت أيام على هذا النحو. ثم سلكت السيارات الطريق الطويل إلى الرقة: “في الرقة، حبسونا في قبو، وقبل أن أدخل القبو سألت أحد المسلحين: ماذا حل برجالنا؟ فقال حاولنا كثيراً أن ندخلهم في الإسلام، لكنهم رفضوا، ثم فروا إلى كوردستان”.
كان هناك نحو 400 امرأة وفتاة في ذلك الحبس. نال منهن الجوع والعطش: “اضطررنا لشرب الماء الذي كان يتسرب من أنابيب المجاري. كان ذا طعم مر ورائحة نتنة”.
الجواري والأدوية والأسلحة
بعد مرور خمسة أيام، أخرجوهن من ذلك السجن إلى مبنى مدرسة من طابقين. هناك بدأ مسلح سعودي اسمه أبو عزام مع امرأة اسمها مريم، يسجلان الأسماء، وبعد تسجيل الأسماء والتفاصيل والبيانات، ظهر مصوران: “وقبل التصوير، أعطوا كل واحدة منا رقماً، كانت الصور تعرض على الزبائن”.
لم يقدم أحد، لمدة شهرين، على شراء هدية، بعدها ظهر أحدهم: “اشترانا، أنا وليلى ونوفا وباكزة وأمينة، شخص اسمه أبو أنس، وطلب أن نرافقه إلى الطبقة. أخذنا إلى أحد البيوت. كان الزبائن يأتون ويعاينوننا. كانوا أحياناً يأتون في منتصف الليل، ويوقظوننا من النوم ليعايننا الزبائن. بيعت الأخريات واحدة تلو الأخرى، لكن لم يقدم أحد على شرائي لأني كنت حبلى في شهري الثامن، بعدها جاء المدعو أبو عمر واشتراني من أبي أنس”.
كانت صلة أبي أنس مع داعش تقتصر على النساء والدواء والسلاح. كان يتاجر في هذه الأشياء يشتريها ويبيعها. قال لي: “ليس هناك شخص مستعد لشراء حبلى مثلك، يجب أن تفرحي لأن أبا عمر يريد شراءك، فأنت لا تنفعين أحداً”.
نبه أبو عمر وزوجته الداعشية هدية، منذ البداية، بأنه لا مجال للراحة والاسترخاء في بيتهما. ومع أن الجنين الذي كانت تحمله، أثقل كاهلها، ولم تكن تستطيع الانحاء كما يجب لأداء الأعمال المنزلية، لكن لم يكن عند هدية خيار: “بعد 15 يوماً في بيت أبي عمر. جاءني المخاض. أخذني مع زوجته إلى المستشفى، وبقيت هي معي تلك الليلة، ووضعت طفلتي. أعادوني إلى البيت، وفي اليوم التالي، قالت لي زوجته إن علي أن أعود للعمل، وقال لي أبو عمر، لقد سميت الطفلة عائشة”.
كانت تقوم بتنظيف البيت وغسل ثيابهم وصحونهم. كانت تؤدي كل الأعمال المنزلية إلا الطبخ: “ولم يسمحوا لي قط بأن أجلس معهم إلى سفرتهم”.
فكر أبو عمر وزوجته في بيع هدية، ورأيا أن خير زبون هو أبو حسن السوري، الذي كان خبيراً في جلب الزبائن: “بقيت عنده ليلة واحدة فقط وجاء بزبون سعودي اسمه أبو عبدالله، الذي بقيت عنده شهراً و15 يوماً”.
العمل في النهار والرقص في الليل
أول شيء فعله أبو عبدالله، هو أنه ذهب إلى السوق ليأتي ببدلة رقص لهدية: “أصر دونما حياء على أن أذعن لرغباته وأنفذ ما يطلبه مني”. كان أبو عبدالله سعيداً جداً بحصوله على تلك الثياب في قلب دولة الخلافة الإسلامية. لكنها كانت مشغولة بالتفكير في زوجها المسكين ومصيره، وفي ابنها الذي أخذوه من حضنها بالقوة.
تقول هدية: “أخذني السعودي إلى بيت كان فيه رجل آخر. قال إن علي أن أرتدي ثياباً لا تستر إلا القليل من جسدي وأحمل له الشاي وأجلس أمامه ليتعلق بي. لكني رفضت كل ذلك”، ورغم أن النتيجة كانت ضرباً مبرحاً، فإن الرجل لم يرغب فيها.
لم يكن أبو عبدالله يريد أن يخسر المال الذي دفعه لشراء هدية، كان يريد بيعها بأي طريقة، لذا قال لها إنه سيأخذها في الغد إلى حلب ليبيعها.
لم يلتفت أبو مجحل لبكاء هدية وتوسلاتها، واشتراها من أبي عبدالله.
كانت قد قررت عدم السماح لهذا الشخص باغتصابها حتى لو كلفها ذلك حياتها. لكن شهوة أبي مجحل الجامحة كانت كسيل لا يمكن صده: “حبسني في غرفة واستأنف محاولاته لاغتصابي، لكني لم أستسلم، كنت قد أضربت عن الطعام منذ الصباح. بدأ يجلدني بحزام بنطاله، وكان يضربني بأخمص بندقيته على ظهري، ثم أقفل باب الغرفة وذهب”.
لكنه أخذ معه الحقيبة التي كانت تحتوي ثياب وحليب طفلة هدية، سكنت هدية بعض دقائق ولزمت الصمت، وهي واثقة أن جراحها التصقت بها ولن تفارقها أينما ولت وجهها.
في وقت متأخر من مساء اليوم التالي، سمعت صوت المفتاح يدور في قفل باب الغرفة. ظهر أبو مجحل من جديد: “وقبل أن يدنو مني، قلت له لن أدعك تمسني حتى إن قتلتني. لقد قتلت ابنتي جوعاً. فأعاد لي الحقيبة، وأعددت الحليب لها، لكني لم أستسلم له، فاضطر أن يأتي بالمدعو أبو هدى”.
أخذ أبو هدى الطفلة الرضيعة: “لم ينفع صياحي ودعائي، وقال لي: ستبقى ابنتك عندي حتى تنفذي ما أطلبه منك. فكرت في أني فقدت زوجي وابني وأهلي وكل شيء، وقلت له لن تضاجعني حتى لو مت”.
جرب أبو مجحل كل الطرق لإخضاع هدية: “أخذني إلى زنزانة صغيرة. لم أكن أرى فيه موطئ قدمي. فتح الباب في المساء، ورأيت شعر نساء مقصوصاً وثياباً ممزقة ومقعد حمام. عرفت أن آخرين تعرضوا للتعذيب هناك قبلي”.
في اليوم التالي، كشف صرير الباب عن شق شاهدت من خلاله أبا مجحل وأبا هدى: “وضع أبو هدى فوهة بندقيته على صدري، ثم أطلق منها رصاصة بجانب رأسي، قلت: اقتلني، فقد مات قلبي منذ زمن ولم أعد خائفة”. قال أبو مجحل: “سنعيد إليك ابنتك على أن تطيعينا، وإلا فسيكون هذا مسكنك الأبدي”، وهكذا اضطرت هدية للإذعان لقاء استعادة ابنتها.
لا أحد يقبل إيوائي
الطفلة الرضيعة التي زادت من حياة أمها في الأسر صعوبة، جالسة أمامي الآن تداعب دميتها، أناديها: عائشة؟ فلا ترد، “لم يعد اسمها عائشة. أول ما فعلت بعد أن نجوت وبلغت الحدود، هو تغيير اسمها. اسمها نادية”.
أخذوها إلى بيت. أمضت أياماً طويلة في ذلك البيت، كانت تمسي شبه ميتة من كثرة الأعمال التي تنجزها طوال النهار: “كان هناك خمسة من الدواعش باستمرار، وكان علي أن أقوم بخدمتهم. كنت أتوسل الله أن يمنحني ثلاث دقائق أعد فيها الحليب لطفلتي”. كان عمل هدية هو تنظيف وخدمة البيوت التي لم يكن أحد يعرف من هم مالكوها.
في واحد من تلك البيوت، وفي الساعة العاشرة من صباح أحد الأيام، شعرت بوجود فرصة لتهرب. كسرت قفل الباب وحملت طفلتها وذهبت. لكن إلى أين؟
طرقت باب أحد بيوت الرقة، وتوسلت كثيراً طلباً للمساعدة والمأوى: “داعش يحيط بنا من كل جانب، لا نستطيع إيواءك، بل لا نستطيع مساعدتك”، قطعت السيدة التي فتحت لها الباب كل أمل في النجاة بكلامها هذا. توجهت مضطرة إلى بيت آخر، وتلقت نفس الرد. فتحت سيدة على وجهها آثار ملامح الرحمة والعطف القتيلين، باب البيت الثالث.
هدية: أنا امرأة وحيدة لا أهل لي ولا مأوى. أحتاج إلى مساعدتكم وإيوائي عندكم.
ربة الدار (بصوت خافت مشحون بالخوف): نستطيع مساعدتك، لكننا لا نستطيع إيواءك.
هدية: كيف ستساعدونني؟
ربة الدار: نستطيع أن نستقبل طفلتك ونربيها عندنا حتى تعثري على حل، ويمكنك أن تستعيديها متى شئت. فعندما لا تكون الطفلة معك، سيخف عنك الحمل قليلاً.
هدية: لكنني لا أستطيع التخلي عن ابنتي؟
ربة الدار: تعلمين أننا نحن أيضاً مكتوون بنار داعش، أنت هاربة منهم، وأنا واثقة أنهم يبحثون عنك الآن. أرجو أن لا تحرقنا نارك.
ظلت هدية تبحث عن ملاذ في الرقة، عاصمة داعش، لكنها عندما طرقت رابع باب، فتحت في وجهها أبواب جهنم، أدخلها أصحاب الدار ووعدوا بمساعدتها، لكنهم أبلغوا داعش عنها، لتعود هدية إلى المربع الأول. تم تسليمها إلى أبي مجحل الذي صب جام غضبه عليها.
تتمة القصة في الجزء التالي…
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية