حذر من “إفلاس الدولة”.. تقرير أميركي: السوداني احتضن الميليشيات و”الأوليغارشيين”
تحت عنوان “الحليف الأخير لإيران في الشرق الأوسط”، أشارت مجلة “ذي اتلانتيك” الأميركية إلى العراق الذي برغم أنه يعيش بهدوء منذ ثلاث سنوات، إلا أنه يجد نفسه في موقع غير مريح، ما بين طهران وواشنطن، كاشفة أن بغداد تحولت إلى “شريان حياة” بالنسبة لطهران، حيث منحت وزارة الاتصالات العراقية عقداً لشركة “المهندس” لصيانة شبكة الألياف البصرية وإنشاء شبكة بديلة جديدة في البلاد.
وأوضحت المجلة الأميركية في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أن العراق نجح طوال أكثر من ثلاث سنوات في البقاء بعيداً عن عناوين الأخبار، في حين عصفت الحروب والانتفاضات بمناطق أخرى من الشرق الأوسط، غير أن بغداد التي كان اسمها مرتبطاً في السابق بالتفجيرات الانتحارية وعمليات القتل الطائفي، بقيت بعيدة عن ذلك.
ولفت التقرير إلى أن الطريق السريع الذي يربط بين مطار بغداد الدولي كان معروفاً بأنه “الأخطر في العالم” فيما بعد الغزو الأميركي عام 2003، إلا أنه حالياً محاطاً بالأبراج العالية والمباني السكنية الحديثة بينما بدأت الجسور الجديدة تخفف من الزحام الذي تشتهر به المدينة.
وذكر التقرير أن العديد من العراقيين يخشون إلا يدوم هذا الهدوء طويلاً، مشيراً إلى أن إيران تلقت ضربات قاسية من الولايات المتحدة وإسرائيل كما انهار “محور المقاومة” ووجد العراق نفسه في موقع غير مريح، حيث تحول إلى الحليف الإقليمي الرئيسي الأخير لإيران، وشريان اقتصادي حيوي لنظامها المحاصر مالياً، بينما لم يعلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب على هذه العلاقة رغم استمراره في محاولة خنق اقتصاد إيران من خلال العقوبات.
وفي حين لفت التقرير إلى الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، أشار إلى أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني يروج لحالة الهدوء والازدهار النسبي في البلد، مضيفاً أن شعاره الانتخابي هو “الرافعة” كرمز لازدهار الإعمار في السنوات الأخيرة.
لكن التقرير تابع قائلاً إن السوداني وظف أكثر من مليون مدني خلال العام الماضي ليخفف من أزمة البطالة، إلا أنه في الوقت نفسه جعل الدولة معرضة أكثر للإفلاس.
وبين أنه إلى جانب المزاج الإيجابي، هناك قلق من أن يتحول العراق مجدداً إلى ساحة صراع بين الولايات المتحدة وإيران.
وبعدما تحدث التقرير عن أن ولاية السوداني شهدت تحسناً لأسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، إلا أنها شهدت أيضاً انتشاراً واسعاً للفساد، موضحاً أنه من الصعب تحديد كمية الأموال التي جرى توجيهها إلى “الأيدي الخاصة”.
ونقل عن مسؤولين حكوميين ورجال أعمال قولهم إن الفساد ازداد سوءاً منذ العام 2022 عندما سُرقت 2.5 مليار دولار في ما أصبح يعرف محلياً باسم “سرقة القرن” والتي وصفها التقرير بأنها ذروة الفساد العراقي والتي انتهى جزء كبير منها في خزائن “الأوليغارشيين والميليشيات المدعومين من إيران المهيمنين على المشهد السياسي”.
وقال مسؤول حكومي سابق، إنه “ليس صدفة أننا لم نشهد أي احتجاجات شعبية، حيث أن الجميع يتم شراء ولائهم”، مضيفاً أن هذا وضع “ليس مستدام، فعندما تنخفض أسعار النفط دون مستوى معين، لن يكون بمقدور الحكومة دفع الرواتب، وعندها ستندلع احتجاجات دموية”.
وذكرّ بما جرى خلال احتجاجات تشرين العام 2019 ضد الفساد والبطالة، والتي أوقعت مئات الضحايا.
وفي حين لفت إلى أن رئيس الوزراء العراقي وقتها مصطفى الكاظمي حاول وفشل في كبح الميليشيات المدعومة من إيران، قال التقرير إنه على عكس الكاظمي، فإن السوداني احتضن هذه الميليشيات وقدم لها الدعم المالي حيث جرى توزيع العقود الحكومية بوتيرة متسارعة وأنشأ شركة مملوكة للدولة باسم “شركة المهندس العامة” التي فرضت عليها وزارة الخزانة الأميركية عقوبات باعتبارها واجهة لجماعات “إرهابية”.
وفي الوقت نفسه، لفت التقرير إلى أن الميليشيات تواصل الاستفادة من “مزاد الدولار” الذي ينظمه البنك المركزي من خلال بيع يومي للعملة الأميركية، والذي تحول إلى وسيلة لعمليات احتيال واسعة.
وتابع التقرير قائلاً إن السوداني يقدم نفسه كبراغماتي، وأن العراق يشترك بحدود طويلة مع إيران، ولهذا يتحتم على رئيس الوزراء العراقي أن يوازن مصالح هذا الجار القوي مع مصالح شريك أكثر قوة في واشنطن.
وبحسب التقرير فإن البعض يشيد بمحاولات السوداني لـ”ترويض الميليشيات”، ناقلاً عن مديرة برنامج الشرق الأوسط في معهد الشؤون الدولية في روما، ماريا فانابي، قولها إن “هؤلاء ما زالوا مقاتلين، إلا أنهم الآن يرتدون السترات الرسمية ويندمجون داخل مؤسسات الدولة، البعض يقول إن هذا أفضل من أن يكونوا خارجها ويطلقون الصواريخ على القواعد الأميركية”.
وبرغم ذلك، يعتبر التقرير أن السوداني قفز فوق العديد من الإجراءات والضوابط في منح العقود الحكومية، وأن هذا ربما يكون قد ساعده في تشييد المزيد من الجسور والطرقات أكثر من بعض أسلافه في رئاسة الوزراء، إلا أنه أيضاً أثار تساؤلات مقلقة فيما يتعلق بالخدمات التي يقدمها للميليشيات.
وذكر التقرير أن وزراة الاتصالات العراقية وقعت في وقت سابق من هذا العام، عقوداً مباشرة من دون مناقصة مع الحشد الشعبي وشركة “المهندس” العامة، من أجل صيانة شبكة الألياف البصرية في العراق وبناء شبكة بديلة جديدة”، مضيفاً أن هذه العقود التي لم يكشف عنها من قبل، تمنح الميليشيات ما كانت تصبوا إليه منذ فترة طويلة، وهو السيطرة على قاعدة البيانات في العراق.
ونقل التقرير عمن أسماهم بـ”المسؤولين العراقيين والعاملين في قطاع الاتصالات”، قولهم إن هذه العقود تبعث على القلق ليس فقط لأنها تفتح المجال أمام تحقيق أرباح بطريقة غير مشروعة، وإنما لأن الخطر الأكبر يتعلق بالأمن حيث أنه من خلال المعرفة التقنية المناسبة، يكون بمقدور الميليشيات أو لداعميهم في طهران، استخدام السيطرة على الشبكة للتجسس على أي شخص في العراق”.
وتابع التقرير أن السوداني، وبطريقة مشابهة، سعى مؤخراً إلى محاولة تمرير عقد حصري لتشغيل شبكة الجيل الخامس (جي-5) لصالح كونسورتيوم آخر تابع للحشد الشعبي، إلا أن أحد القضاة في المحكمة العليا، عطل تنفيذ العقد مؤقتاً بدعوى أنه يثير قضايا تتعلق بالأمن القومي، مضيفاً أنه برغم ذلك، فأنه قد لا يتمكن من تعطيله بشكل دائم.
وذكر التقرير أن المدافعين عن السوداني يقولون إنه يعمل في إطار حدود نظام المحاصصة للتقاسم الطائفي القائم منذ ما بعد العام 2003، والذي كان من المفترض أن يحمي التعددية، إلا أنه تحول إلى وسيلة للمحاصصة والفساد.
وتابع التقرير أن البعض يقول إن السوداني يقيم تحالفاً عابراً للطوائف قد يتمكن من تحقيق نتائج جيدة في الانتخابات، إلا أن التقرير رأى أن هذا التحالف حتى لو فاز بعدد كبير من الأصوات، فإنه على الأرجح سيظل “أسير الإطار التنسيقي” المدعوم من إيران والمرتبط ارتباطاً قوياً بالميليشيات، ولهذا فإن الهامش المتاح لإدخال تغيير سياسي حقيقي، يبقى محدود جداً.
وبحسب “ذي اتلانتيك”، فإن الرؤساء الأميركيين في السنوات الأخيرة وافقوا بصعوبة على حدود النظام السياسي العراقي، ومارسوا ضغوطاً على القادة العراقيين للابتعاد عن طهران، إلا أنهم تجنبوا اتخاذ إجراءات قد تعيد البلد إلى صراع مفتوح.
غير أن التقرير رأى أن ترمب الذي لا يعرف عنه صبره إزاء التسويات الدبلوماسية، قد يسير على نهج مختلف، مضيفاً أن ترمب لم يمنح اهتماماً كبيراً بالعراق منذ عودته إلى البيت الأبيض، غير أن قرار وزارة الخزانة الأميركية الأخير بفرض عقوبات على شركة “المهندس” وعلى اثنين من “الأوليغارشيين العراقيين البارزين”، أثار همسات قلق بين أوساط “الكلوبتكراتكس” الفاسدين في بغداد.
ونقل التقرير عن أحد المسؤولين العراقيين السابقين قوله إن “هؤلاء الناس خائفون، حيث أنه طالما لا يوجد اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران، فإن حملة الضغط القصوى قد تتواصل، وقد يعني ذلك أن الدور القادم سيكون عليهم في العراق”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
