معهد أميركي يطرح خيارات عراقية لمعالجة “الإجهاد المائي”
رسم “المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية” الأميركي، المشهد الجيوسياسي للمياه في العراق وبلاد الشام، واصفاً هذه المنطقة بأنها الأكثر إجهاداً في العالم، وساحة معركة رئيسية وإجراءات احتكارية ونزاع بين الدول، بهدف السيطرة على مواردها المائية الشحيحة.
وبعدما قال المعهد الأميركي في تقرير له ترجمته وكالة شفق نيوز، إن هناك 16 دولة في الشرق الأوسط من أصل 25 دولة، تعاني من الإجهاد المائي في العالم وأن مواردها المائية نادرة، وبالتالي إستراتيجية، أشار إلى أنه يجري التنازع على حقوق المياه في أحواض الأنهار المشتركة في كل أنحاء المنطقة، لكن العراق وسوريا يتأثران بشكل خاص في بلاد الشام.
وأوضح التقرير الأميركي أن كلا البلدين دولتا مصب، مما يجعلهما عرضة للتغيرات من جانب واحد في إمدادات المياه من دول المنبع التي قد تحول مياه النهر لتغليب الأولوية للاحتياجات المحلية، مضيفاً أنه رغم سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وتراجع التوترات بين العراق وتركيا، إلا أن تسوية نزاعات المياه الطويلة الأمد في بلاد الشام، تجري بوتيرة غير مؤكدة.
واستعاد التقرير خلفية الاتفاقات، مذكراً بأن اتفاق العام 1987، حدد حقوق المياه بين تركيا وسوريا وكذلك، بشكل غير مباشر، العراق من خلال معاهدة سورية عراقية لاحقة تم التصديق عليها في العام 1990، مشيراً إلى أن مذكرة تفاهم لعام 2009 استكملت ذلك، وتناولت التعاون التقني بين الدول المشاطئة الثلاث.
ولفت التقرير إلى أنه برغم هذه الاتفاقات، فإن تركيا حوّلت تدفقات الأنهار وأقامت السدود على حساب جيرانها في المصب. وكمثال على ذلك، أشار التقرير إلى أن “مشروع جنوب شرق الأناضول” في تركيا، الذي يستهدف توليد الطاقة الكهرومائية وري أكثر من مليون هكتار من الأراضي الزراعية في الجنوب الشرقي، يتضمن أكثر من 22 سداً على نهري دجلة والفرات، وكلاهما مصدران رئيسيان للمياه لسوريا والعراق، وهو ما جعل تدفقات المياه العراقية والسورية مقيدة بدرجة كبيرة.
وبحسب التقرير، فقد تراجعت إمدادات المياه في العراق من النهرين بنسبة 30-40% منذ أن بدأت تركيا إقامة مشاريع بناء السدود في العام 1975، حيث انخفض تدفق المياه السورية بنسبة 40%.
وأضاف التقرير أنه مما فاقم المشكلة بالنسبة للعراق، فإن إيران قامت بتحويل المياه من الزاب الصغير (حيث انخفضت مستويات المياه بنسبة 80% بسبب سد كولسا الإيراني) وأنهار ديالى، بهدف استخدامها في الزراعة المحلية ومياه الشرب.
ورأى التقرير أن سوريا، في ظل حكم أحمد الشرع المدعوم من تركيا، قد تجد صعوبة أيضاً في الضغط على أنقرة فيما يتعلق بأمنها المائي.
وذكر التقرير بأن نائب وزير الطاقة السوري أسامة أبو زيد، اشتكى مؤخراً من عدم التزام تركيا في إطلاق الحصص المائية المخصصة لسوريا والعراق.
وعلى الرغم من كل ذلك، أشار التقرير إلى أن إمكانية التغيير قائمة، موضحاً أن التقارب العراقي التركي ساهم في إطلاق موجة من دبلوماسية المياه، مستدركاً بالقول إنه رغم الاتفاق الإطاري لتقاسم المياه الذي تم توقيعه في العام 2024، إلا أن تركيا ظلت غير ملتزمة بتعهداتها فيما يتعلق بحصص المياه.
وتابع التقرير أن قوات الجيش السوري تولت السيطرة على “سد تشرين” في نيسان/ أبريل 2025، تحت رعاية اتفاق أوسع لدمج قوات سوريا الديمقراطية والمؤسسات الكوردية في الدولة السورية، وهو ما يمكن أن يعبد الطريق لإجراء محادثات على مستوى الدولة بين سوريا وتركيا.
وأضاف أن العراق وسوريا اتفقا أيضاً على زيادة التعاون في آب/ أغسطس 2025، وتشكيل فرق فنية مشتركة لمراقبة مستويات المياه وتنسيق انخراطهما مع تركيا فيما يتعلق بتقاسم المياه، لكن ما يزال يتحتم متابعة فعالية هذه الإجراءات الجديدة.
وبين التقرير أنه بالنظر إلى أن تركيا هي واحدة من المؤيدين الرئيسيين لأحمد الشرع، فقد تجد سوريا نفسها عالقة بين مصلحتها الوطنية وبين النفوذ التركي، وهو ما من شأنه تقويض موقف سوريا التفاوضي خلال المحادثات المستقبلية.
وبحسب التقرير فإن القانون الدولي، ينص على أنه يتحتم توزيع حقوق المياه في الموارد المشتركة، مثل الأنهار العابرة للحدود، بشكل عادل بين الدول.
وأوضح أن اتفاقية الأمم المتحدة للعام 1997 حول الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، التي تحدد مبادئ القانون الدولي العرفي، تنص على الاستخدام “العادل” و”المعقول” للمجاري المائية، وتشكل التزاماً عاماً بالتعاون وعدم “التسبب في ضرر كبير”، إلا أن الهدف منها هو أن تكون بمثابة إطار عام.
ولفت التقرير إلى أن العراق ما يزال الدولة الشرق أوسطية الوحيدة التي انضمت إلى هذه الاتفاقية.
وختم التقرير بالتحذير من أن تزايد درجات الحرارة والجفاف المتكرر، لا يبشر بمستقبل من التعاون في مجال المياه في المنطقة، مرجحاً أن يتسبب الارتفاع في درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتين في حدوث جفاف شديد كل خمس سنوات في سوريا والعراق وكل عامين في إيران.
أما في الأردن، فقد قال التقرير إنه من المتوقع تراجع مستويات هطول الأمطار بنسبة 17% بحلول العام 2050.
أما بحلول العام 2030، فقد رجح التقرير أن يتراجع متوسط نصيب الفرد من المياه في كل أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أقل من الاحتياجات البشرية الأساسية.
وتابع التقرير قائلاً إنه في ظل غياب أطر التعاون الإقليمي وتطبيق القانون الدولي، فإن الدول قد تظل تتدافع من أجل تأمين حاجاتها الوطنية من المياه مع تجاهل حاجات جيرانها، وهو ما قد يمهد الطريق أمام صراع إقليمي في المستقبل.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
