العراق: المعارضة تستهدف حكم “الإطار التنسيقي” لا النظام السياسي
تتشكّل في العراق على نحو متصاعد جبهة من المعارضة السياسية موجّهة أساساً إلى قوى “الإطار التنسيقي”، المظلة السياسية الجامعة للأحزاب العربية الشيعية والأجنحة السياسية للفصائل المسلحة في البلاد التي تحكم العراق منذ عام 2003، عقب الغزو الأميركي للعراق. وتعتبر المعارضة الجديدة أنّ قوى “الإطار” حرفت النظام عن مساره وغيّرت قواعد الدستور لمصلحتها، لكنها لا تتبنّى أي مطلب يرتبط بإسقاط النظام السياسي القائم.
هجمات على الأحزاب الحاكمة في العراق
وتشن شرائح من العراقيين هجمات إعلامية وشعبية على الأحزاب الحاكمة في البلاد، تمثلت أخيراً باللجوء إلى حملات تدعو لمقاطعة الانتخابات المقبلة بعد نحو ثلاثة أسابيع. وقال المحلل السياسي القريب من التيار الصدري مناف الموسوي، إن “التيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر ورغم اعتراضه على العملية السياسية وأنه يقود حملة المقاطعة الكبرى في البلاد، إلا أنه لا يعترض على النظام العراقي، ولا يريد إسقاطه”. وبيّن لـ”العربي الجديد” أنّ “النظام العراقي هو من أحسن الأنظمة في الوطن العربي، لكنّ الأحزاب تسعى إلى استغلاله والاحتيال على القوانين من أجل الحصول على منافع خاصة”.
ويبدو، من وجهة نظر بعضهم، أن موقف المعارضة يأتي من وعي بشكل الأنظمة الحاكمة إقليمياً، والقريبة من العراق. ويعتبر عراقيون أن النظام السياسي الحالي يضمن برلماناً وتداولاً سلمياً للسلطة، إلا أنه يقع تحت عوامل ضغط حزبية وطائفية، مرة مدعومة من الخارج، وتحديداً من الولايات المتحدة وإيران، ومرة بواسطة السلاح المتفلت والجماعات المسلحة التي تُرهب العراقيين وقادة الأحزاب المدنية والطامحة للتغيير والإصلاح في البلاد.
لكن رئيس حراك “البيت العراقي” محي الأنصاري، اعتبر في حديث لـ”العربي الجديد” أن “ما يُطرح تحت عناوين مثل معارضة حكم الإطار التنسيقي لا النظام السياسي، هو محاولة لتجميل واقع مشوه، وإعادة تدوير المنظومة نفسها بوجوه مختلفة، فهذه الصيغة لا تعبّر عن وعي ديمقراطي جديد، بل عن رغبة في تبادل الأدوار داخل بنية سياسية مأزومة أضرت بشكل الحياة العامة والسياسية في البلاد، وهذا السلوك السياسي يمثل فكرة إيرانية تريد استمرار النفوذ الموالي للخارج”. ورأى أنه “من الخطأ أن تُختزل المعارضة في مجرد صراع على المواقع داخل النظام، لأن هذا يعني القبول المسبق بكل إخفاقاته البنيوية مثل المحاصصة والهيمنة الحزبية والارتهان الخارجي”.
وأضاف الأنصاري أن “من يريد أن يعارض بصدق، لا يمكن أن يستعير أدوات خصمه ولا منطقه، ولا أن يبقى جزءاً من اللعبة التي أفقدت الدولة هيبتها وشرعيتها”، معتبراً أن “المعارضة الحقيقية ليست رفضاً لأشخاص أو جهات حكم، بل مراجعة جذرية للنظام الذي أنتج الفشل ذاته لعقدين، فالتغيير لا يتم من داخل المعادلة المختلّة المشوهة، بل عبر بناء بديل وطني متوازن يستعيد مفهوم الدولة ومؤسساتها بعيداً عن المحاور النفعية والولاءات العابرة للحدود”. وتابع: “أما الحديث عن معارضة من داخل النظام والمنظومة فهو تسطيح وتضليل سياسي، ومحاولة يائسة يُراد منها تنفيس الغضب الشعبي من دون المساس بجوهر السلطة التي هي أساس الأزمة وطريقة إدارتها، وهذا ما نرفضه تماماً، لأن العراق بحاجة إلى مشروع إنقاذ، لا إلى إعادة ترتيب الكراسي داخل القاعة نفسها التي تحترق بمن فيها وستحرق الجميع”.
بيئة حكم لا تسمح بمعارضة بنّاءة؟
من جهتها، أشارت أستاذة العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية في بغداد، تمارا الأسدي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ “المعارضة البنّاءة هي التي لا تكتفي بالنقد، بل تقدّم حلولاً وبدائل، وتراقب أداء الحكومة بهدف التصويب والإصلاح لا بهدف إسقاط النظام السياسي، وعند تطبيق هذا النوع من المعارضة على الحالة العراقية يظهر المفهوم كأنه غير راسخ في الثقافة السياسية العراقية التي كانت دائماً تقوم على شكل من أشكال الصراع الصفري، أي أن ربح طرف معين يعني خسارة الطرف الآخر، حسب نظرية اللعبة في العلاقات الدولية”. ولفتت إلى أن “هذا النوع من المعارضة ظهرت محاولات لإنشائها مثل تلك المنضوية ضمن الإطار التنسيقي الذي يعد حاكماً للبلاد، مع تجنّب المساس بأسس النظام السياسي القائم منذ عام 2003، ما يعني أن هناك إقراراً بشرعية النظام السياسي، فضلاً عن مصالح متشابكة لا ترغب القوى السياسية في أن تخسرها عبر التغيير الجذري”.
واعتبرت الأسدي أن “العلاقة بين المعارضة البنّاءة والإطار التنسيقي علاقة معقّدة ومتناقضة، فالإطار التنسيقي قد يلجأ إلى هذا النوع من المعارضة كورقة تفاوضية أو التلويح بها كورقة ضغط، لا سيما أن الإطار نفسه ليس كتلة متجانسة، إنما يعاني من صراعات داخلية على النفوذ، وعلى سبيل المثال ظهرت خلافات بين رئيس الوزراء محمد شياع السوداني (الذي جاء للسلطة عبر الإطار) وأقطاب أخرى في الإطار مثل نوري المالكي، فهناك معارضة لتجديد حكومة السوداني والحصول على ولاية ثانية”، مضيفة “عليه يتبيّن أن بيئة الحكم التي أوجدها الإطار التنسيقي بالدرجة الأساس قد لا تشجع وتسمح بظهور معارضة بنّاءة حقيقية أو فعالة، لأنها من الممكن أن تلغي إدامة نظام تقاسم السلطة”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
