ذكرى غزو الكويت.. الكارثة التي فجّرها صدام وأغرقت العراق بعقود من الدمار والعزلة
المدى/ في الثاني من أغسطس/آب عام 1990، استيقظ العالم على وقع حدث مفصلي غيّر مجرى تاريخ الخليج والمنطقة بأسرها، حين أقدم نظام صدام حسين على غزو دولة الكويت، في خطوة وُصفت آنذاك بالكارثية وغير المحسوبة.
جاء هذا الغزو بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، ليفتح فصلًا جديدًا من المآسي السياسية والاقتصادية والإنسانية، لم يقتصر أثره على الكويت وحدها، بل أصاب العراق وشعبه في الصميم.
وبينما لم تُنسَ مشاهد الدبابات العراقية وهي تجتاح شوارع الكويت، فإن تداعيات الغزو — من الحصار الدولي الخانق، إلى انهيار الاقتصاد العراقي، وانفجار الأزمات الداخلية، وانهيار البنية التحتية، وهجرة العقول، ووفاة مئات الآلاف بسبب نقص الغذاء والدواء — ما زالت حاضرة حتى اليوم في الذاكرة العراقية والكويتية على حد سواء.
يسلط هذا التقرير الضوء على خلفيات الغزو، أسبابه، وطبيعة القرار الفردي الذي اتخذه صدام حسين، وتداعياته الممتدة على العراق داخليًا وخارجيًا، حتى ما بعد سقوط نظامه في 2003، وانتهاء العراق من سداد التعويضات في 2022.
بداية الغزو
اقتحم الكويت في ساعات الفجر الأولى من يوم الخميس 2 آب 1990 أكثر من 20 ألف جندي عراقي من 4 محاور، فاستيقظ الكويتيون وقد حاصرهم في بلدهم جند ودبابات صدام حسين.
وكان صدام قد اعتمد في غزو العراق للكويت، والذي تباينت المواقف العربية بشأنه بين التأييد والمعارضة، على ما اعتبره الضوء الأخضر الأميركي ووعد روسي بلعب دور الحليف في الحرب الباردة.
حينها، أمر صدام جنوده بالهجوم برًا وجوًا وبحرًا، وداهمت القوات العراقية قصر دسمان، لكنها فشلت في العثور على أمير الكويت جابر الأحمد الصباح، الذي غادر لتنظيم المقاومة من المنفى.
ضمّ العراق الكويت تحت مسمى “المحافظة 19″، ونصّب حكومة مؤقتة موالية له في الكويت، وتم إلغاء السفارات الكويتية.
وفيما مكث جيش صدام 7 أشهر في البلد الجار، أُجبر 400 ألف مواطن كويتي ومئات الآلاف من الأجانب على مغادرة الكويت.
وما تزال الاتهامات قائمة إلى اليوم بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان ونهب الأملاك والثروات، وسقوط أكثر من ألف قتيل كويتي.
كما تبقى بالنسبة للكويت المسألة المتعلقة بالأسرى والمفقودين، الذين لم يعرف مصيرهم إلى الآن، “نقطة سوداء”، وكذلك جرحًا لم يندمل لدى الكثير من العائلات المكلومة.
أسباب غزو العراق للكويت
جاءت التطورات في 2 آب 1990 بعد بضعة عقود فقط على موجة التحرر من الاستعمار الغربي، وكان صدام حسين قد بدأها بتهديدات أعقبت اتهامات بسرقة الكويت لنفط الأحواض العراقية.
وجاءت هذه الاتهامات على خلفية عجز العراق عن تسديد ديونه للكويت، التي دعمت بغداد إبان الحرب ضد إيران. كما كانت زيادة الإنتاج النفطي للكويت قد أضرت بالمداخيل العراقية.
ويبقى في حقيقة الأمر أن البعث العراقي لم يعترف يومًا بالحدود، التي أفرزتها معاهدة سايكس بيكو.
إلى ذلك، لقي غزو العراق للكويت استنكارًا دوليًا وإدانة من مجلس الأمن. وبعدما مكث الجيش العراقي في البلد الجار 7 أشهر، تدخل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في شتاء 1991.
عُرف حينها هذا التدخل بـ”عملية عاصفة الصحراء”، التي حرّرت الكويت وأجبرت صدام على التراجع.
وبعدما تصاعد غبار العاصفة في 24 شباط، أعلن الرئيس الأميركي في حينه جورج بوش الأب تحرير الكويت وطرد الجيش العراقي.
وقد وقّع العراقيون في خيمة عند الحدود وثيقة هزيمتهم، وشهد يوم السادس والعشرين من فبراير/ شباط 1991 بدء انسحاب القوات العراقية من الكويت.
إلى ذلك، فُرضت على العراق 12 عامًا من الحظر، تجلّت آثاره في صور الأطفال الذين عانوا من سوء التغذية.
عاد أمير الكويت من المنفى في 15 مارس/ آذار 1991، ليعلن تحرير بلاده من الغزو العراقي.
ثم عقب سقوط نظام صدام حسين العام 2003 استأنفت بغداد والكويت علاقاتهما. وقام أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد بأول زيارة رسمية إلى العراق في 20 يونيو/ حزيران 2019.
وكانت الكويت قد طالبت العراق بتعويضات، وفي شباط 2022، سدّدت بغداد آخر دفعة من المبالغ المترتّبة عليها وقدرها 52.4 مليار دولار، فانتهى تفويض “لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتعويضات عن الأضرار الناجمة عن غزو العراق للكويت في 1990”.
وفي العام 2011، قدّمت الكويت مساعدات للعراق، ثم استضافت في فبراير 2018 مؤتمرًا دوليًا لإعادة إعماره. ووقعت اتفاقية بمنح 85 مليون دولار لصندوق إعادة الإعمار في الكويت.
(المدى) تتقصى الخسائر
ووصف مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، غزو النظام البائد لدولة الكويت عام 1991، وما تبعه من حصار اقتصادي استمر حتى عام 2003، بأنه “واحدة من أخطر المراحل التي مر بها العراق”، مؤكدًا أن تداعيات تلك الحرب ما زالت مستمرة حتى اليوم.
وقال صالح في حديث لـ(المدى)، إن “النظام السابق ارتكب خطأً استراتيجيًا قاتلًا بزجه العراق في حرب غير محسوبة، حوّلته من دولة تمتلك قدرات نمو اقتصادي تصل إلى 8% سنويًا، إلى دولة منهارة بمعدل نمو سلبي بلغ -8%”.
وأوضح أن “العراق تكبد خلال تلك الفترة خسائر تجاوزت نصف تريليون دولار، شملت تدميرًا شبه كامل للبنية التحتية، وخسائر بشرية وعلمية جسيمة”، مشيرًا إلى أن “القرار الأممي 661 حمّل العراق كافة تكاليف الحرب، وفرض عليه عزلة اقتصادية خانقة ومنع أي مشروع تنموي”.
وأضاف أن “العراق شهد هجرة غير مسبوقة للعقول والكفاءات العلمية، إذ غادر أكثر من مليون شخص من المهندسين والأطباء والمثقفين والفنانين، فيما توفي ما يقرب من مليون طفل بسبب نقص الأدوية، في كارثة إنسانية مؤلمة”.
وبيّن أن “العراق ظل يسدد تعويضات حرب الكويت حتى عام 2022، والتي بلغت 52.4 مليار دولار، مما شكل عبئًا إضافيًا على اقتصاد منهك وبنية مدمرة”، لافتًا إلى أن البلاد لم تتعافَ بعد من آثار تلك الحرب حتى اليوم”.
وأشار صالح إلى “الانهيار الحاد في قيمة الدينار العراقي، وانخفاض متوسط دخل الفرد من نحو 8000 دولار سنويًا إلى 500-700 دولار فقط، فضلًا عن تراكم ديون خارجية ضخمة وفوائد تأخيرية أثقلت كاهل الدولة، قبل أن يتم شطب نحو 100 مليار دولار منها بموجب اتفاقية نادي باريس عام 2004”.
وأكد المستشار الاقتصادي أن “ما جرى كان نتيجة قرار غبي من دكتاتور لم يفهم طبيعة الحياة أو المجتمع الدولي”، معتبراً أن “تداعيات الحرب أعادت العراق عشرات السنين إلى الوراء وأفقدته سيادته المالية والاقتصادية”.
وختم صالح بالقول إن “العراق دفع ثمن تلك المغامرة غير المحسوبة من مستقبل شعبه، بعد أن تحولت التنمية إلى استنزاف، وأصبح البلد محطّمًا يحتاج إلى سنوات طويلة لتجاوز آثار تلك الكارثة”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية