تقرير: العراق يتصدّر نسب الإلحاد عربياً بسبب فشل الإسلام السياسي
لم يعد الإلحاد في العراق مجرّد مواقف فردية أو حالات معزولة، بل تحوّل في السنوات الأخيرة إلى ظاهرة اجتماعية لافتة، خاصة في أوساط الشباب. ويأتي هذا في وقت تواجه فيه قوى الإسلام السياسي موجة غير مسبوقة من الانتقادات، تُحمّلها مسؤولية الإخفاقات المتراكمة التي شهدتها البلاد منذ عام 2003.
وفي تعليق له على تصاعد الظاهرة، قال أستاذ العلوم السياسية خالد العرداوي، إن هناك «علاقة طردية بين تنامي الإسلام السياسي وارتفاع نسب الإلحاد في العراق والدول العربية»، مرجعاً ذلك إلى خيبة الأمل من القوى التي رفعت شعارات دينية وحكمت بها، لكنها فشلت في تحقيق الاستقرار وتحسين أوضاع الناس.
وأوضح العرداوي، في حديث لموقع ‹بغداد اليوم›، أن «الإشكال ليس في الدين، بل في توظيفه ضمن مشاريع سياسية سلطوية فاشلة»، محذّراً من أن الإسلام السياسي بات يواجه لحظة مراجعة وجودية، إما أن يُعيد بناء ثقة مجتمعية حقيقية أو يلقى المصير نفسه الذي واجهته الحركات القومية.
ولمقاربة هذه الظاهرة ضمن سياق أوسع، قارن العرداوي ما يجري اليوم في العراق بالتجربة الأوروبية الحديثة، حين حمّلت الشعوب الكنيسة مسؤولية الاستبداد والتخلف، فشهدت ثورات فكرية وفصلت الدين عن السياسة. ولفت إلى أن مصير القومية العربية بعد فشل مشاريعها الكبرى هو درس آخر، متوقعاً أن «الإسلام السياسي يعيد إنتاج نفس السيناريو، إذا أصرّ على تجاهل إخفاقاته».
ورغم عدم وجود إحصاءات حكومية رسمية عن نسب الإلحاد في العراق، تشير تقارير دولية ومحلية إلى تصاعد واضح في أعداد المتشككين دينياً. ووفق بيانات موقع World Population Review، تصدّر العراق قائمة الدول العربية من حيث نسبة الإلحاد المعلن لعام 2025، بنسبة 4.5%، متقدماً على تونس ولبنان.
وفي السياق ذاته، كشف معهد غالوب في تقرير سابق أن نسبة غير المتدينين في العراق ارتفعت من 9% عام 2012 إلى أكثر من 30% عام 2020، فيما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن النسبة قد تكون أعلى بين الشباب في الفئة العمرية 18-30 عاماً، خاصة في بغداد والبصرة والنجف.
وتفيد تقارير ميدانية بأن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت المتنفس الأوسع لهذا الاتجاه، حيث تنشط صفحات ومنتديات تنتقد المؤسسة الدينية والخطاب الديني التقليدي، وتطرح تساؤلات فلسفية وجودية، في ظل أجواء من الغضب والرفض تجاه الواقع السياسي والاجتماعي.
يرى باحثون اجتماعيون أن معظم من يُصنَّفون ضمن «الملحدين الجدد» في العراق، هم في الحقيقة شباب غاضبون ورافضون للواقع، لا يتبنون بالضرورة إلحاداً فلسفياً وجودياً. واعتبر العرداوي أن هذه الموجة تمثل «جرس إنذار اجتماعي مبكر»، محذّراً من أن تجاهلها سيؤدي إلى موجة اجتماعية جارفة يصعب السيطرة عليها لاحقاً.
ويخلص التقرير إلى أن تصاعد موجات الإلحاد أو التشكيك الديني في العراق لا ينبغي التعامل معه من زاوية أمنية أو أخلاقية فقط، بل باعتباره مؤشراً على أزمة عميقة في الثقة بين المجتمع والدولة، ونتيجة مباشرة لفشل منظومة الإسلام السياسي في إدارة البلاد.
فالإلحاد في كثير من الحالات، ليس خياراً فكرياً بقدر ما هو احتجاج على غياب العدالة وتردي الأوضاع واغتيال فرص الحياة الكريمة. ولتجنّب المصير الذي واجهته القومية العربية، تبدو قوى الإسلام السياسي اليوم أمام خيار حاسم: إما مراجعة حقيقية، أو السقوط.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية