رؤية بريطانية .. العراق يواجه 4 سيناريوهات في ظل الهدوء الإقليمي الهش
استبعد “معهد تشاتهام هاوس” البريطاني استمرار “لحظة الهدوء الهش” الحالية في المنطقة التي ستشهد “عاصفة مقبلة”، فيما رأى أن العراق يواجه سيناريوهات متعددة تهدد استقراره وقد تجره إليها.
وبعدما قال التقرير البريطاني، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، إنه سيكون من الصعب على العراق أن يتجنب الانجرار إلى الاضطرابات الشرق الاوسطية المتقلبة، أوضح أن العراق يعيش استقراراً هشاً، وأن موازين القوى في المنطقة تنقلب رأسا على عقب، في حين أن العراق يجد نفسه للمرة الأولى في التاريخ الحديث، على هامش صراع شرق أوسطي كبير، بدلاً من أن يكون في مركزه.
ولفت التقرير إلى أن الصراع بين إيران وإسرائيل جاء خلال فترة نادرة من الاستقرار النسبي والتقدم التنموي في العراق، مرجحاً ألا تستمر هذه اللحظة من الهدوء الهش بينما العراق قد يكون على وشك أن ينجر إلى التحولات الجذرية في النظام الإقليمي.
وبعدما قال التقرير إن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في العام 2003، أعاد تشكيل المشهد الجيوسياسي، وبرزت فيه إيران كقوة إقليمية مهيمنة، أوضح أن أسس هذا النظام تتعرض حالياً لزعزعة بعد هجمات حماس 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والهجوم الإسرائيلي على غزة، والصراع الإقليمي الذي جاء بعد ذلك، مشيرا إلى أن المسار المكتمل لهذا التحول لا يزال غير واضح، إلا أنه من شبه المؤكد، سيتسم بالاضطراب والعنف.
وتابع التقرير قائلاً إن هذا التحول يجري في وقت يخرج فيه العراق من سنوات من النزاعات، وهو ما يظهر الهشاشة التي تشعر بها كل الأطياف السياسية العراقية، لكن النخب السياسية، بغض النظر عن انتماءاتهم الأيديولوجية أو العرقية والطائفية، لا تزال تتصرف بحذر إزاء الانجرار إلى صراع إقليمي، بما في ذلك الفصائل التي تربطها علاقات وثيقة بإيران، مثل قوات الحشد الشعبي، والتي اعتمدت ضبط النفس إلى حد كبير منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما يعكس “تحولاً كبيراً” عن مواقفهم السابقة بما فيها هجماتهم على القوات الأمريكية وعلى السعودية والإمارات.
وفي حين أشار التقرير إلى أن مثل هذه الحوادث أظهرت الخطر الحقيقي المتمثل في أن يتحول العراق إلى نقطة انطلاق لتصعيد إقليمي أوسع، تابع قائلاً إن ضبط النفس كان سائداً منذ ذلك الوقت، بعدما عززت فصائل رئيسية من الحشد، مثل بدر وعصائب أهل الحق، وجودها داخل الدولة العراقية، وتشغل حقائب وزارية، وتتولى مناصب إدارية عليا، وتؤثر على مؤسسات حكومية تحقق إيرادات طائلة، مضيفا أن الحافز من أجل الوصول إلى هذه الموارد شجعها على السير بنهج أكثر براغماتية وأقل صدامية، مشيراً إلى أن هذه الجماعات ليست مجرد “وكلاء” لإيران، وبالنسبة إليهم فإن الاضطرابات تمثل شيئا سيئا بالنسبة لأعمالهم.
وبعدما رأى التقرير أن هذه الجماعات مدركة أن تأثيرها على النظام الإقليمي المتغير، محدود، أوضح أنه لهذا فإنها تمنح الأولوية للبقاء، وتركز على الحفاظ على قوتها المحلية.
الانجرار إلى الصراع
وبرغم ذلك، اعتبر التقرير أن الاضطرابات الإقليمية المتواصلة قد تشكل قريباً تحدياً لموقف العراق الاستراتيجي بضبط النفس، مشيراً إلى احتمال وجود عدة مسارات من الممكن أن تجعل بغداد تعيد صياغة الحسابات.
وأوضح التقرير أن السيناريو الأول هو حدوث حرب طويلة بين إيران وإسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، حيث قد ينجرف العراق تدريجيا في ظل ضغوط من إيران على الجماعات المسلحة المتحالفة معها من أجل شن هجمات ضد أمريكيين في المنطقة أو في إسرائيل، مضيفاً أنه بالنظر إلى هشاشة الوضع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول والمستوى الحالي من الاضطراب الإقليمي، فإن هذا السيناريو يبدو محتملا.
وبالإضافة إلى ذلك، ذكر التقرير بأن إيران اشتبهت طويلا باحتمال تسلل عملاء الموساد إلى أراضيها عبر العراق، وهو ما قد يفاقم التوترات بين الدولتين، وقد يتسبب بوقوع المزيد من الضربات عبر الحدود، خصوصا في إقليم كوردستان الذي سبق لإيران أن استهدفته بذريعة تفكيك مواقع مفترضة للموساد.
وتابع التقرير أن السيناريو الثاني قد يكون هناك تهدئة تتم إدارتها، وذلك من خلال إعادة تقييم الدبلوماسية الأمريكية – واستراتيجية إسرائيلية، وهو ما قد يسمح للعراق بعزل نفسه عن التورط المباشر والتركيز على التنسيق الإقليمي.
وأضاف أنه “في ظل مثل هذا الوضع، فإن العراق قد يتحالف مع شركائه الخليجيين لتطوير نظام أمني إقليمي أكثر قوة هدفه الحد من التعرض للصدمات الخارجية المستقبلية”، لافتاً إلى أنه من أهم عناصر هذا التكامل مع الخليج، سيتمثل في بذل جهد دبلوماسي مستدام من أجل حل النزاع على الحدود البحرية مع الكويت.
أما السيناريو الثالث، بحسب التقرير فهو الأكثر زعزعة للاستقرار، في حال حدثت أزمة خلافة في إيران وتفكك النظام فيها، لأن هذا الانهيار قد يؤدي إلى تفتيت شبكة محور المقاومة، ودفع اللاجئين عبر حدود العراق، وخلق فراغ أمني، موضحاً أن سيناريو كهذا، قد يدفع الجماعات العراقية المتحالفة مع إيران إلى التدخل في شؤون إيران أو المنطقة، للقتال من أجل الحفاظ على النظام القائم.
وإلى جانب ذلك، قال التقرير إن هذا الوضع قد يوفر فرصة نادرة أمام القادة العراقيين للتأكيد على استقلالية أكبر، حيث قد يتحرر العراق من النفوذ الإيراني المتواصل منذ عقدين، على سياسته.
الانتشار النووي الإقليمي
أما السيناريو الرابع، فإنه يتمثل التصعيد النووي، حيث أوضح التقرير أن إيران قد تعلن عن نيتها السعي لامتلاك أسلحة نووية وترسيخ نظامها.
وتابع التقرير أنه في حال عادت طهران لفرض سيطرتها واستقرارها داخليا، فان الاحتمال المرجح هو استمرار العراق على مساره الحالي، وهو ما يعني إدارة العلاقات بحذر، ومنح الأولوية للتعافي الداخلي، إلى جانب السعي بجهد من أجل الحفاظ على سيادته.
وتابع التقرير قائلاً إن مثل هذا السيناريو، يعني أن شبح الانتشار النووي الإقليمي سيلوح في الأفق.
وفي الوقت نفسه، قال التقرير إن القيادة العراقية قد تفضل التركيز على التنمية الاقتصادية والاستقرار الداخلي، إلا أن الديناميكيات الإقليمية المتبدلة قد تكون خارجة عن سيطرة العراق بدرجة كبيرة.
وخلص التقرير إلى القول إن عدم الاستقرار لفترة طويلة، قد يقوض علاقات الطاقة والتجارة الحيوية، مما سيعرقل الانتعاش الاقتصادي الهش، بالإضافة إلى أنه قد يعرض للخطر السلطة التي بدأت النخب العراقية ترسيخها مؤخرا.
ونبه التقرير إلى أن هذه التهديدات الامنية قد تجدد إشعال الصراع الداخلي أو تؤدي إلى توريط العراق في حروب خارجية، بينما قد تتسبب الصدمات السياسية القادمة من طهران بالإخلال بالتوازن الهش في بغداد.
وختم التقرير البريطاني بالقول إنه بغض النظر عن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، فما هو مؤكد أن النظام الإقليمي في حالة تبدل، ولهذا فإن التمسك بالوضع الراهن لم يعد مجديا، وسيكون الاستشراف الاستراتيجي، وإمكانية التكيف، وإعادة توصيف دور العراق في المنطقة، بمثابة أمور أساسية في حال أرادت بغداد أن تتخطى العاصفة المقبلة.
ترجمة: وكالة شفق نيوز
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية