باتت تهدد النسيج الاجتماعي.. أصوات تتصاعد لحل أزمة رواتب إقليم كوردستان
مع بداية العام 2025، تستمر أزمة الرواتب في إقليم كوردستان بإثارة الجدل وقلق المواطنين، حيث باتت هذه القضية محور مطالبات شعبية لحلها بشكل جذري، وتتركز الدعوات على حسم مصير راتب شهر كانون الأول/ ديسمبر لعام 2024 الذي لم يتم صرفه بعد، في ظل انعكاسات خطيرة على حياة المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، ووسط تأكيدات بأن الحل يكمن في التزام كل من بغداد وأربيل بقرارات المحكمة الاتحادية وتجنيب المواطنين نتائج الصراعات السياسية المستمرة منذ سنوات.
الوضع الراهن
ويعيش سكان إقليم كوردستان، وخاصة في محافظة السليمانية، حالة من التوتر المتزايد بسبب التأخير المستمر في صرف الرواتب، فمنذ العام 2014 وحتى الآن، لم تتوصل بغداد وأربيل إلى حلول مستدامة لهذه الأزمة، مما أدى إلى تراكم تأخر صرف الرواتب وتأثير ذلك على الحياة المعيشية للمواطنين.
ويعبر الموظف الحكومي أحمد كريم، عن شعوره بالإحباط، وهو يتحدث لمراسل وكالة شفق نيوز “إننا نعمل بجد، ولكننا لا نحصل على حقوقنا، التأخير في صرف الرواتب يضعنا أمام تحديات يومية كبيرة، ويؤثر على استقرارنا النفسي والمعيشي”.
تأخر الرواتب أدى إلى شلل كبير في حركة الأسواق داخل الإقليم، فالتجار وأصحاب المحال التجارية يعانون من تراجع الإقبال على الشراء.وتقول الاقتصادية سوزان السورميري، لوكالة شفق نيوز، إن “معظم المواطنين يعتمدون على الرواتب كمصدر أساسي للدخل، وتأخير صرفها يعني أن الأسواق المحلية تتعرض للركود، مما يهدد استمرارية العديد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة”.
النسيج الاجتماعي
إلى جانب التداعيات الاقتصادية، فإن هذه الأزمة أثرت على العلاقات الاجتماعية، وخاصة ارتفاع الديون بين الأفراد، وتزايد حالات الطلاق نتيجة الضغوط الاقتصادية، وعدم قدرة العديد من الأسر على تحمل أعباء الحياة.
ويقول الناشط سردار علي، لوكالة شفق نيوز، إن “الأزمة المالية في الإقليم ليست فقط أزمة اقتصادية، بل إنها تمزق النسيج الاجتماعي، ونرى ارتفاعاً في معدلات الطلاق بسبب الضغوط المالية، وزيادة في حالات النزاعات العائلية”.
وتابع “كما أن تأخير الرواتب يدفع الكثير من الشباب إلى الهجرة بحثاً عن فرص عمل في الخارج، مما يؤدي إلى تفكك العديد من الأسر”.
دعوات للحلول
مع تصاعد الضغط الشعبي، دعا مراقبون ومحللون إلى ضرورة التزام بغداد وأربيل بحلول طويلة الأمد، إذ يؤكد المحلل السياسي هاوري كارزان، لوكالة شفق نيوز، أن “استمرار الصراع بين الحكومتين يجعل المواطن الضحية الأولى، والحل يتطلب إرادة سياسية حقيقية والتزاماً جاداً بتنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية لتأمين رواتب الموظفين بعيداً عن الخلافات”.
فيما يرى المحلل السياسي فاخر عز الدين، أن “الدعوات الشعبية المتزايدة لحل أزمة الرواتب تعكس حالة الإحباط العام لدى المواطنين، الذين أصبحوا يدفعون ثمن الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل”.ويضيف، لوكالة شفق نيوز، أن “الحلول ليست معقدة، لكنها تتطلب التزاماً حقيقياً من الطرفين بتنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية، ويجب تشكيل لجنة مشتركة من الحكومتين تركز على وضع آليات واضحة وملزمة لدفع الرواتب بعيدا عن أي تسييس، مع توفير شفافية في إدارة الإيرادات لضمان حقوق المواطنين، وبدون هذا الالتزام، ستبقى الأزمة مستمرة وتُعمّق معاناة الناس”.
كيف بدأت الأزمة؟
وتعود جذور الأزمة إلى العام 2014، حين تصاعدت الخلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان بشأن إدارة ملفي النفط الموازنة، إضافة إلى تبعات الحرب على داعش وانخفاض أسعار النفط وما تبعه من اجتياح جائحة كورونا في العالم.
وتوقفت بغداد عن إرسال حصة الإقليم من الموازنة، وردت حكومة الإقليم بتصدير النفط بشكل مستقل، وأدى هذا الصراع إلى اضطراب في آليات دفع الرواتب، لتبدأ سلسلة من التأخيرات والتراكمات المالية.ومنذ ذلك الوقت، جرت العديد من المحاولات لإيجاد حلول وسط بين الطرفين، أبرزها الاتفاقيات المالية التي نصت على صرف حصة الإقليم من الموازنة مقابل التزامه بتصدير كميات محددة من النفط، رغم هذه الاتفاقيات، لم تُنفذ بالكامل بسبب استمرار انعدام الثقة والخلافات السياسية بين الجانبين.
ومع استمرار الخلافات، يتحمل المواطنون في الإقليم العبء الأكبر فتزايدت الدعوات في الآونة الأخيرة من ناشطين سياسيين واقتصاديين بضرورة تنفيذ قرارات المحكمة الاتحادية التي أكدت حق المواطنين في استلام رواتبهم دون أي تأخير، فيما يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد حل نهائي يضمن استدامة دفع الرواتب وإبعاد ملفها عن التسييس.
إحصاءات وأرقام
ووفقاً لتقارير تابعتها وكالة شفق نيوز، فإن نسبة الأسر التي تعتمد كلياً على الرواتب الحكومية في إقليم كوردستان تقدر بنحو 70%، فيما تسبب تأخر صرف الرواتب في السنوات سابقة بارتفاع معدل الديون الشخصية بنسبة 40%.
أما عن حركة السوق وفقاً لتقارير ميدانية أجرتها وكالة شفق نيوز، فقد انخفضت بنسبة من 30% إلى 50% خلال العام 2024 بسبب تأخر الرواتب.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية