لماذا تريد واشنطن معاقبة رئيس مجلس القضاء في العراق؟
لم يتفاجأ نشطاء حقوق الإنسان في العراق من التوجه الأمريكي الأخير نحو فرض عقوبات جديدة على شخصيات عراقية، بينهم رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، وذلك لجهة الملابسات التي تحيط بالكثير من القضايا، في ظل التقارير الدولية المتوالية عن واقع حقوق الإنسان في العراق.
وأشارت تقارير صحفية أمريكية، إلى أن النائب مايك والتز (جمهوري عن ولاية فلوريدا)، عضو لجنتي القوات المسلحة والشؤون الخارجية في مجلس النواب، سيقدّم تعديلاً على «مشروع قانون الأصول الأجنبية»، وتفيد التقارير بأن من شأن التعديل أن يطال رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان، إذ يُنظر إليه على أنه من بين الشخصيات التي لديها علاقات وثيقة بإيران. وفق تلك التقارير.
وأثار التوجه الأمريكي موجة غضب عارمة في العراق ، حيث رفضت فعاليات سياسية واجتماعية هذا المسار، لما يمثله من «تدخل سافر» في الشؤون الداخلية للعراق.
وعدّ رئيس مجلس النواب بالنيابة، محسن المندلاوي، مشروع تعديل القانون الأمريكي، وتضمينه بندا يمس رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، «سابقةً خطيرة».
وطالب المندلاوي في بيان وزارةَ الخارجية العراقية، «بالتحرك عبر وسائلها الدبلوماسية وإيصال رسالة مباشرة برفض العراق بجميع سلطاته لمثل هكذا تدخلات مسيئة لها، جاءت على لسان عضو الكونغرس الأمريكي، بوصفها أدوات نفوذ لدول أخرى».
بدورها، قالت وزارة الخارجية، إنها «ترفض بشكل تام ما جاء في هذه التصريحات من مساس بشخص رئيس مجلس القضاء القاضي فائق زيدان وبالحقوق الأساسية للدولة العراقية ، والتي يمثل فيها القضاء الضامن الأساسي للحقوق والحريات».
واعتبرت الوزارة ، تلك التصريحات « تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي العراقي، وتؤكد أن محاولة التأثير على السلطة القضائية هو مساس بأهم مقومات كيان الدولة، والذي يقع على عاتقه تحقيق العدالة والمساواة واستقرار البلاد».
لكن.. لماذا؟
قاضي عراقي متقاعد، قال إن «التقارير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وحدوث محاكمات (جائرة) أحياناً، خاصة خلال السنوات السابقة، ساهم في تشكيل صورة لدى المجتمع الدولي، بأن مسار القضاء في العراق ليس على السكة الصحيحة بشكل متكامل، وهو بحاجة إلى مساعدة»، مشيراً إلى أن «التوجه الأمريكي نحو تعديل قانون الأصول الأجنبية، يمثل تدخلا واضحاً في الشأن العراقي، لكن ما يجب علينا فعله سريعاً هو إصلاح المحاكمات، وتقديم نموذج للعدالة».
وأضاف القاضي المتقاعد الذي رفض الكشف عن اسمه ، لـ (باسنيوز)، أنه «على سبيل المثال، قبل أيام تم إطلاق سراح 12 ألف معتقل من السجون العراقية، لكن الغريب في الأمر، أن هؤلاء المعتقلين قد أمضوا فترة محكوميتهم، منذ سنوات، ولم يتحرك أحد لإطلاق سراحهم، وبعد تشكيل لجان رسمية عدة، تم الإفراج عنهم، وهذا الكلام مؤكد ببيانات رسمية، ما يعطي صورة واضحة عن مسار الأمور، وطبيعة التقاضي داخل المحاكم العراقية».
وتزامن التحرك الأمريكي ، مع تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان في جنيف، حيث قال إن «عمليات الإعدام المنهجية التي تنفذها الحكومة العراقية ضد السجناء المحكوم عليهم بالإعدام بناءً على اعترافات مشوبة بالتعذيب، وبموجب قانون غامض لمكافحة الإرهاب، ترقى إلى مستوى الحرمان التعسفي من الحياة بموجب القانون الدولي وقد ترقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية».
وأضاف التقرير الذي نشر قبل أيام: «إننا نشعر بالقلق إزاء العدد الكبير من عمليات الإعدام التي تم الإبلاغ عنها علناً منذ عام 2016، والتي بلغ مجموعها ما يقرب من 400، بما في ذلك 30 حالة إعدام هذا العام، والالتزام السياسي الصريح بمواصلة تنفيذ أحكام الإعدام، في تجاهل تام للمخالفات المبلغ عنها في إدارة العدالة ، وحالات الاختفاء القسري والاعترافات الملوثة بالتعذيب التي أدت إلى هذه الأحكام غير العادلة».
ماذا يعني التحرك الأمريكي؟
الخبير في الشأن القانوني عمار الشمري، يرى أنه «تمثل تدخلاً سافراً في شؤون العراق، وبالتأكيد سيكون لهذا التعديل لو صدر، ارتدادات على الساحة الدولية، حيث سيحد من شرعية القضاء العراقي، ويُبعده عن التعاون الدولي، كما أنه سيعطي صورة سلبية عن واقع العراق، وأن الحريات العامة في خطر، ما يتوجب على الدبلوماسية العراقية التحرك سريعا وفهم الوقائع والتأثير عليها بل وتغييرها».
وأضاف الشمري لـ (باسنيوز)، أن «التعديل المراد إجراؤه تطرق أيضاً إلى المحكمة الاتحادية المتورطة فعلاً في قرارات سياسية بحتة ، وساهمت في تردي أوضاع العراق على المستوى القانوني، كما أنها غيرت وجهة العملية السياسية، وأجهضت مشروع تشكيل الحكومة على يد التحالف الثلاثي، فضلاً عن سلسلة من القرارات الكارثية، وهذا أيضاً مأخوذ بنظر الاعتبار بالنسبة للمشرعين الأمريكيين».
وكانت صحيفة ‹بيكون فري› نقلت عن النائب الجمهوري والتز، صاحب مقترح التعديل، أنها «خطوة أولى نحو عزل الأصول الإيرانية في الحكومة العراقية وكبح النفوذ المتزايد للنظام المتشدد».
وقال والتز: «يتعيّن على النظام الإيراني أن يفهم أن (الكونغرس) الأمريكي لن يسمح للمرشد الإيراني (علي خامنئي) بتحويل العراق إلى دولة تابعة ، ويتعيّن على المتعاطفين مع إيران في العراق مثل فائق زيدان وآخرين أن ينتبهوا إلى هذا الأمر»، وفق ما نقلت الصحيفة.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية