آل صادق بديلاً لمسجدي.. إيران بدأت تدرك أزمتها في العراق أخيراً
أثار تغيير طهران سفيرها لدى بغداد إيرج مسجدي، واستبدال حسين آل صادق به، تساؤلات حول طبيعة التعاطي الإيراني مع الملف العراقي للمرحلة المقبلة، في ظل الملفات المتراكمة التي يجب على آل صادق التعامل معها.
ويرى مراقبون للشأن العراقي، أن إيران تبحث عن مخرج آمن في ظل «الورطة» التي تعيشها في التعامل مع التطورات السياسية والشعبية على الساحة العراقية، خاصة بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، فيما قامت بتغيير سفيرها إيرج مسجدي واستبداله بضابط في الحرس الثوري الإيراني يتكلم اللغة العرابية، ما يمثل رافعة لها داخل العراق.
السفير الجديد
ولد السفير الجديد محمد كاظم آل الصادق في مدينة النجف بالعراق عام 1956، في عائلة دينية ذاع صيتها في كل من إيران والعراق وهاجرت إلى إيران بعد ما عُرف بـ «الثورة الإسلامية» عام 1979، ويتحدث آل صادق اللغة العربية بطلاقة ويتقن اللهجة العراقية، وقد حاز بكالوريوس في العلوم والهندسة الزراعية من إيران وانخرط في السياسة بعد تخرجه بفترة وجيزة.
وتقول تسريات إعلامية، إن بعض حلفاء إيران اشتكوا مؤخرًا من مسجدي، مما أدى إلى إنهاء ولايته كسفير، لكن إيران كانت داعمة لسفيرها مسجدي بقوة عقب تعرضه لضغوط كبيرة إثر سلسلة من الخلافات التي تورط فيها السفير.
وتشير الأجواء إلى أن الإيرانيين أرادوا تعيين شخص يتمتع بجذور ثقافية قوية في العراق، ليعكس التغيير، وعلى بعدين رئيسيين لآل صادق مقارنة بسلفه، أولًا مكانته كعضو في «الأسرة الحوزوية»، في إشارة إلى الحوزة الشيعية في مدينة النجف المقدسة، وثانيًا طلاقته باللغة العربية عمومًا واللهجة العراقية خصوصًا.
تولى آل صادق في السابق عدة مهام في سفارة إيران في بغداد، إذ شغل منصب رئيس القسم السياسي في السفارة، وعمل مساعدا خاصا لمسجدي. وعمل قبل انضمامه إلى سفارة بغداد في البعثة الدبلوماسية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق.
«الرابط الذي لا يكسر»
ومن المعروف أن إيران أقامت علاقات وثيقة مع قوى المعارضة العراقية في النظام السابق، بل ساهمت في إنشاء وتمويل ودعم العديد من هذه القوى وغالباً ما قامت بتسليحها.
إلا أن محمد آل صادق، الذي ينتمي إلى «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، على غرار السفير المنتهية ولايته ايرج مسجدي، والسفير الذي سبقهما حسن دانائي فر، كان من أقرب الشخصيات الإيرانية من جماعات المعارضة العراقية وخاصة السيد محمد باقر الحكيم الذي أسس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، بالتعاون مع الإيرانيين، قبل أن يقتل بتفجير دموي في العام 2003.
وبالنظر إلى الفترة الطويلة التي أمضاها محمد آل صادق في الكواليس العراقية، فإن المراقبين يرجحون أن يستخدم هذه العلاقات القديمة، في إعادة بلورة المصالح الإيرانية في مرحلة الانسداد السياسي القائم في العراق الآن، بعد مضي أكثر من ستة شهور على ظهور نتائج الانتخابات، من دون أن تنجح القوى العراقية المختلفة في تشكيل حكومة جديدة، وردم الهوة القائمة من أجل اختيار رئيس جديد للجمهورية.
من جانبه يرى المحلل السياسي عماد محمد، أن «المبعوث الإيراني إيرج مسجدي فشل في إدارة التحالفات، وهذه القشة التي قصمت ظهره، لذلك تم استبداله بآل صادق، وذلك لتعزيز النفوذ ومساعدة قاآني في السيطرة على الوضع».
وأضاف محمد في تصريح لـ (باسينوز)، أن «إيران ستواصل محاولة الاحتفاظ بنفوذ كبير في الحكومة المركزية من خلال وجود شخصيات موالية لطهران، وربما بالفعل لن نشهد إلا تعديلات طفيفة تصب في النهاية لصالح طهران».
تورط مسجدي
وبحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فقد تولى مسجدي منصب رئيس الأركان لمقر رمضان في الحرس الثوري، وزعمت بعض التقارير أنه تولى إدارة مكتب الشؤون العراقية.
كما تورط مسجدي في أنشطة «فيلق القدس» في العراق بعد عام 2003، والتي أسفرت الكثير منها عن مقتل أو جرح أو اختطاف عدد من جنود القوات الأمريكية وقوات التحالف فضلا عن اغتيال عدد من مسؤولي المحافظات في العراق الذين اختلفوا في الرأي مع طهران، وفقا للمعهد.
وخلال فترة عمله في العراق، أثار مسجدي الجدل في مناسبات عدة من بينها قيامه بمغادرة حفل تأبين أقيم في بغداد في كانون الأول / ديسمبر 2018 لضحايا العراق في الحرب على داعش، أثناء اللحظة التي وقف الجمهور فيها دقيقة صمت، ما اعتبره عراقيون موقفا «مقصودا ومهينا».
وخلال الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت العراق أواخر العام 2019، كانت مواقع إيرانية معارضة، تؤكد أن «تقارير مستقاة من داخل النظام الإيراني تشير إلى أن مسجدي هو من يعطي الأوامر بفتح النار على المحتجين في العراق».
فقدان النفوذ
مراقبون للشأن السياسي يرون إن انتهاء ولاية مسجدي تزامن مع إعادة تقييم تجريه طهران لنفوذها في العراق في ظل استياء عام من أداء مسؤولي «فيلق القدس» في التعامل مع الملف العراقي.
وكانت إيران تواجه من سلسلة من التطورات الإشكالية في العراق خلال السنوات الماضية، وهذا يعود إلى سوء أداء شركائها الشيعة في بغداد.
وقد عاقب الناخبون بشكل عام حلفاء إيران في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 التي خسر على أثرها تحالف ‹الفتح› ثلثي مقاعده. وبعد ستة أشهر على مرور هذه الانتخابات، ما يزال العراق بدون حكومة جديدة.
وقال المحلل السياسي باسل الكاظمي: «بسبب تغيير إيران سفيرها في العراق فإنها تعترف بأن نفوذها لم يكن كما كان في السابق، لأن سفيرها السابق إيرج مسجدي لم تكن تصريحاته تنسجم مع الشارع العراقي»، مضيفا أن «إيران غيرت سفيرها لتغير نظرة الشارع العراقي تجاة الجانب الإيراني، ومن الممكن أن يهدئ السفير الجديد (آل صادق) الأوضاع لامتلاكه شخصية وكاريزما متوازنة».
وأضاف الكاظمي في حديث لـ (باسينوز)، أن «إيران سوف تقلل دعمها لبعض الموالين لها بسبب أخطائهم السياسية التي جعلت الشارع العراقي يرفض إيران، ومن الممكن أن تغير بعض الموظفين في السفارة حتى تعيد نشاطها في المنطقة».
وأشار إلى أن «سبب اختيار إيران سفرائها من الحرس الثوري هو أن الحرس يعبر عن رؤية ولاية الفقية، ولأن أكثر الأحزاب العراقية انبثقت من هناك».
ولفت إلى أن «آل صادق إذا أراد أن يتدخل في تشكيل الحكومة سيتدخل بسياسة تختلف عن إيرج مسجدي، فمسجدي كانت تصريحاته وتدخلاته في الحكومة بالعلانية، لكن من المحتمل أن تكون تدخلات ال صادق في الغرف المظلمة».
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية