ديسمبر 06, 2024

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

شقيقان عراقيان فرقهما النظام المقبور لأربعين سنة وجمعهما الفيسبوك.. ما قصتهما؟

شقيقان عراقيان فرقهما النظام المقبور لأربعين سنة وجمعهما الفيسبوك.. ما قصتهما؟

لم الشمل شقيقين عراقيين بعد فراق تسبب به النظام الصدامي المخلوع وأجهزته القمعية دام لأربعين سنة بفضل الصدفة وعبر مواقع تواصل الاجتماعي {الفيسبوك}.

ويروي وكيل وزارة الثقافة والسياحة والآثار، طاهر الحمود، (أبو رضوان الموسوي) القصة قائلاً:”لست أدري كيف ومن أين أبدأ حديثاً عن جرح رافقني وأهل بيتي أربعين عاماً ثم شاء الله تعالى له البرء بعد هذه السنين الطوال، جرح فقدان الطفل ذي العامين {أحمد ابن اخي الشهيد جواد} الذي (اعتقل) مع أمه وأبيه وشقيقه {حيدر} ذي الأربعة أعوام ونصف”.
ويضيف “في أيلول سنة ١٩٨٠ وفقدنا أثره منذ ذلك الحين، منذ تمكنت جدته {أمي رحمها الله} من تهريب شقيقه حيدر من السجن في واقعة هي أقرب للمعجزة منها للحادثة الطبيعية”.
وبين الحمود “بعد مرور أكثر من شهرين على اعتقال أخي {جواد} وعائلته؛ زوجته وولديه بالإضافة الى شقيقي الآخر عبد الرضا وابن شقيقتي طالب وخالة حيدر الذين كانوا جميعاً في بيت اخي ابي حيدر حينها في بغداد وأعدموا اثر ذلك كلهم ، سمعتْ والدة ام حيدر من احدى النساء في منطقتنا بمحلة الجمهورية في البصرة ان أمن صدام جاؤوا بالنساء المعتقلات من حزب الدعوة الى سجن النساء في الزعفرانية، وان أم حيدر هي ضمن هؤلاء المعتقلات، وكانت قريبة هذه السيدة نزيلة في هذا السجن على خلفية قضية لا علاقة لها بمعارضة النظام، فاتفقت معها والدتي على القدوم الى بغداد والذهاب الى السجن بذريعة مواجهة السجينة العادية ومحاولة اللقاء بأم حيدر المعتقلة في جناح معزول عن السجينات العاديات “.
واستدرك بالقول “لكن مع ذلك كان هناك فرصة ضئيلة للتلاقي بين سجينات كلا الجناحين عند الذهاب الى دورة المياه، وبعد ان اتفقت هذه السيدة مع قريبتها على اخبار ام حيدر بقدوم والدتي ووالدة ام حيدر لمواجهتها في المرة القادمة ذهبت الحاجّتان معها الى سجن الزعفرانية باعتبارهما خالتي السجينة، ولم يكن التحرك داخل السجن أمام أعين الحراس وعناصر أمن النظام بالأمر السهل لكن الله سبحانه يسّر لهما اللقاء بزوجة أخي لدقائق معدودة كانت حداً فاصلاً لتقرير مصير الولدين وإنفاذ مشيئته تعالى بخروج حيدر من بطن الحوت وبقاء شقيقه ينتظر تقدير الله للقاء باهله وشقيقه.
خاطبت ام حيدر والدتي بالقول:”عمة اخذي واحد من الولد وياج {معك}” فوقع الاختيار على حيدر لانه الأكبر سناً والأقدر على ضبط انفعالاته فلا يبكي او يطلب أمه عند الخروج من السجن فيعرض والدتي للإحراج”.
مع ذلك لم يكن اخراجه من السجن سهلاً -كما يقول الحمود- لان الداخلين لمواجهة أقربائهم من السجناء تختم أيديهم في العادة للتمييز بينهم وبين السجناء، وعندما خرجت والدتي بعد انتهاء الزيارة تحقق الحارس من وجود الختم فاكتشف ان يد حيدر تخلو منه فسأل والدتي عن ذلك، فأجابته بثقة ان “موظفي السجن انفسهم لم يختموه عند الدخول فاضطر لتصديقها وسمح لها بالذهاب”.
خرج حيدر وبقي احمد مع أمه التي أعدمت وهي الحامل في شهورها الاخيرة، بقي احمد ليكون جرح الأسرة الذي لم يندمل يوماً والمأساة التي لم تقوَ الاعوام الاربعون على محوها او التخفيف من وطأتها، مأساة عاشها الجميع وورثها الأبناء عن الآباء الى ان كان ذات مساء وتحديداً يوم الجمعة المصادف ٢٥ أيلول ٢٠٢٠ مساء اتصلت احدى الأخوات بزوجتي وسألتها عن حيدر وعائلته وعن شقيقه احمد وقصتهما ثم طلبت الحديث معي واستفسرت مني بعض التفاصيل عن قصتهما.
وكانت بذلك تمهد للخبر الصادم، وقالت أريد ان أخبرك بشيء ارجو ان تتماسك وتضبط اعصابك عند سماعه: احمد موجود وهو قريب منك في الكرادة! صُدمت عندما سمعت قولها وانعقد لساني فلم استطع مواصلة الحديث لفترة وشرد ذهني وحاولت بصعوبة التركيز في حديثها وغرقت في عرق غزير”.
وواصلت الاخت حديثها: ان صورة المنشور الذي حظي بانتشار واسع في الفيسبوك الذي تحدث فيه شقيقه حيدر عن مأساته ومأساة أخيه احمد نُشرت في الكروب النسائي المشارِكة هي فيه رأتها احدى السيدات المشاركات فاتصلت بها واخبرتها ان صاحب هذه الصورة حي يرزق وانها اخته بالتبني، وعرفت ان هذه الصورة تعود لاحمد لدى مقارنتها بالصور التي التقطوها له في الايام الاولى بعد العثور عليه مع طفل آخر أسمه {فراس} يكبره بعامين وانهم عرفوا من هذا الطفل ان اسمه احمد بعد ان سمعوه يناديه بهذا الاسم، وقالت انها زودتها برقم تلفونها للاتصال بها.
أن تتواجد أخت أحمد بالتبني في الكروب الذي نشرت فيه صورته وتقرأ ماكتب حولها من تعليق لتقرر بعدها الاتصال والاعلان عن بقاء احمد على قيد الحياة ليس مصادفة او أمراً عارضاً، بل انني على يقين تام لا يخالجه أدنى شك ان الله سبحانه شاء بهذا التدبير ان تنتهي مأساتنا في فقده عند هذا الحد وان يعود وهو الذي عرف في وقت مبكر نسبياً ان له أهلاً سوى هذه الاسرة الكريمة التي تبنته، ان يعود الى أهله وشقيقه وكل محبيه.
اللقاء بأحمد
ويتابع الحمود “بعد انتهاء المكالمة مع الاخت التي ابلغتني بخبر العثور على احمد وكانت الساعة وقتها الحادية عشرة ليلاً اتصلت زوجتي بأخت احمد بالتبني وسألتها عن امكانية المجيء الى بيتهم في هذا الوقت لرؤية احمد فأخبرتها ان احمد موجود في بيت العائلة حيث توجد أختها الكبرى واعطتها رقم هاتف الأخت، فاتصلت بها زوجتي واخبرتها برغبتنا في المجيء لرؤية احمد، فرحبت هذه السيدة الفاضلة بطلبنا وعبرت عن فرحتها وطيبة قلبها حين قالت انها لا ترحب بقدومنا فقط بل هي تتمنى ان تطير لتخبرنا بهذا الخبر السعيد”.
ويقول “وصلنا الى بيتهم الساعة الثانية عشرة واستقبلنا احمد، كان صنو شقيقه حيدر في حركاته وايماءاته، في نبرة صوته، واكتشفت في ما رأيت وسمعت ولمست سلطان الوراثة وسطوتها ليس في المرئي والمسموع فقط بل كذلك في الخصال التي قد يختلف الناس في مسؤولية الوراثة عنها، حقيقةٌ اخذت تتكشف لي كل يوم منذ التقيناه الجمعة وحتى الخميس {أمس} الأول من شهر تشرين الاول الحالي رغم ان احمد وبسبب مشكلة الوثائق الثبوتية لم يتجاوز تعليمه السادس الابتدائي.
كيف تم العثور على أحمد؟
حكت لنا أخته الكبرى بالتبني قصة العثور على احمد فقالت: كان والدي مختاراً للمحلة فأُخبر من قبل مركز شرطة السعدون بالعثور على طفلين، والمعتاد في مثل هذه الحالات ان مركز الشرطة يحتفظ بالأطفال الضائعين في النهار ويرسلهم للمبيت في بيت مختار المحلة ليلاً حتى يتم العثور على ذويهم”.
وتضيف “لما ذهب المختار ليأتي بالطفلين الى داره وجد احمد وقد تسلّخ جلد رجله وفراس قد تأذت احدى ركبتيه، ولم يعرف السبب في ذلك وإن كان المرجح ان قسوة عناصر الامن هي السبب، وليس بمستبعد ان يكون غلاظ الأكباد هؤلاء قد ألقوا بهما من السيارة قبل توقفها تماماً، وبعد أيام من التنقل بين مركز الشرطة وبيت المختار وعدم العثور على أهل الطفلين او ظهور من يسأل عنهما قرر هذا الرجل الطيب تبنيهما وضمهما الى أهله وعياله، وقرار التبني كما روت القصة أخت أحمد بالتبني كان لحظة مفعمة بالعاطفة والشجن ومليئة بالنبل والنخوة من جانب هذا الرجل الطيب حين سأل والدها الطفل فراس وهو الاكبر عن عائلته وابيه فأجابه ببراءة: انت أبي! عندها قرر الرجل الاحتفاظ بهما والاحسان اليهما ومعاملتهما كأولاده حتى وافاه الاجل عام ١٩٨٥ وأوصى بهما اهله من بعده ، فكانوا له نعم البررة في حفظ وصيته والوفاء لها وبها.
تزوج احمد أبنة خاله بالتبني وله منها ابنان وبنتان ووضعه المادي مستقر فهو يعمل ككاسب ناجح في السوق، ويحتفظ بعلاقات وثيقة للغاية مع الاسرة التي تبنته ، وعلاقته اكثر من وثيقة مع فراس الذي تزوج بسيدة قريبة من الاسرة نفسها، كان احمد فرحاً بنا غاية الفرح لكنه مع ذلك لم يشأ ان يفرض نفسه علينا ، فلعله رأى ان بين رؤيته والتثبت من انتمائه فسحة تحوم فيها الظنون وتتحاور فيها القلوب فشاء ان يمنحنا اياها، وقد أشعرني هذا السلوك بغصة في حلقي ولم تزد هذه اللمسة التي لطالما عرفتها وخبرتها انطباعنا الاول بانتمائه الينا الا رسوخا، لم نكن بحاجة لهذه الفسحة للتأكد من انه احمدنا، فحركاته وسكناته وكل شمائله تُحيل الى شقيقه حيدر الذي اخبرته بالامر صباح اليوم التالي.
وأختتم طاهر الحمود القصة بالقول “بقي ان اقول ان فراساً يحتفظ بذكرى أشبه بالحلم عن اهله ومنزلهم الذي يقول انه كان قريباً من بيت شقيقي ابي حيدر في منطقة الحبيبية، ويقول ان الذكرى الوحيدة التي يحتفظ بها عن اهله هي ان والدته كانت تحمله في مكان مظلم وهي تبكي بخوف وحرق ، ويتذكر انه كان يلعب مع احمد بدراجة اطفال حمراء، واكد حيدر وجود هذه الدراجة لديه هو حين كان يلاعب شقيقه احمد بها، نرجو ان يكون هذا رأس خيط للعثور على اسرة هذا الرجل الذي شاب رأسه وهو يبحث بإلحاح عن أهله وذويه ، فكم من فراس يبحث عن بقية اهله بعد ان أباد نظام البعث آباءهم وذويهم المقربين؟!!”.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi