أكثر من 11 مليون فقير.. “أزمة مزدوجة” تضرب اقتصاد العراق وشكوك بأرقام الحكومة
رغم أن حكومات عديدة مرت على العراق، منذ تأسيس الدولة العراقية بموجب مؤتمر القاهرة الذي عقدته المملكة المتحدة في شهر آذار 1921، لكن نسب الفقر بقيت تراوح في مستويات لا توازي حجم الثروات التي تملكها البلاد، على الرغم من إدعاء الحكومات المختلفة، والتي كانت كل واحدة منها تتغنى بانجازاتها، سواء منذ عهد الملكية أو ما تلتها من حقبة الجمهورية، ذات الانقلابات المسلحة والسياسية، أو حتى بعد تغيير النظام عام 2003 عبر تدخل دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
وتعتمد الموازنة العامة للبلاد بشكل كبير على الواردات من النفط، ووفقاً لبيانات رسمية، بلغ إجمالي صادرات العراق من النفط الخام خلال شهر حزيران الماضي نحو 84.490 مليون برميل، بمعدل 2.816 مليون برميل يومياً، حيث كان المعدل اليومي للتصدير من موانئ البصرة 2.7 مليون برميل، ومن جيهان كان المعدل اليومي 116 ألف برميل.
ويبلغ أعداد الموظفين في القطاع العام والمتقاعدين أكثر من 6 ملايين شخص، تخصص لهم رواتب نصف ميزانية العراق سنوياً، تقريباً، والذي لطالما واجه هذا الأمر انتقادات رسمية وشعبية، جراء قيام الحكومة بتوظيف أعداد كبيرة في القطاع العام، والذي تعتمد ميزانية العراق فيه على النفط بنسبة كبيرة، من دون النظر إلى القطاع الخاص أو التفكير بتطويره.
سوء الإدارة والفساد
الخبير الاقتصادي ناصر الكناني قال لشبكة رووداو الإعلامية إن الفقر “متجذر” في العراق منذ سنوات طويلة، ومن ثم ازداد بالتزامن مع ارتفاع عدد سكان البلاد إلى نحو 40 مليون نسمة، بمقابل توقف المصانع والمزارع، الناتج عن “سوء الإدارة” وانتشار الفساد في دوائر ومؤسسات الدولة.
الكناني أضاف أن أرقام نسب الفقر في العراق تشير إلى 42%، وفق مصادر متخصصة، مشيراً إلى أن الدول العالمية تحدث ضجة كبيرة في حال وصول نسب الفقر فيها إلى 10%، بينما العراق لم يضع الحلول الشافية رغم وصول نسب الفقر إلى أرقام كبيرة.
الخبير الاقتصادي، ناصر الكناني، عزا هذا الارتفاع الكبير في نسب الفقر في البلاد، إلى “سوء الإدارة” و”الفساد”، الناتجين عن المحاصصة التي وردت إلى العراق، عبر “المحتل”، وفقاً لتعبيره.
أكثر من 11 مليون فقير
المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة محمد الهنداوي، قال لشبكة رووداو الإعلامية إن الوزارة أعدت دراسة حول الفقر في العراق، بالتعاون مع عدة جهات دولية، منها البنك الدولي ومنظمة اليونيسيف، فضلاً عن جهات أخرى وخبراء ومختصين، أسفرت عن عدة سيناريوهات في ظل الأوضاع الحالية، المتمثلة بالأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض اسعار النفط في الأسواق العالمية، وانتشار فيروس كورونا المستجد، وبالتالي فان العراق يواجه أزمة “مزدوجة”.
الهنداوي لفت إلى أن الدراسة خلصت إلى أن انخفاض أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا أثرا بشكل كبير على الاقتصاد العراقي، ولاسيما في القطاع الخاص، وبالتالي فان ذلك تسبب بانكماش الاقتصاد، في ظل الأسباب المذكورة سابقاً، فضلاً عن إجراءات حظر التجوال، التي قررتها الحكومة، للوقاية من انتشار الجائحة.
وبيّن الهنداوي أن نسبة الفقر في العراق ارتفعت من 20% عام 2019 إلى 31،7% مؤخراً بعد انتشار فيروس كورونا، مشيراً إلى أن الدراسة تضمنت متابعة الأوضاع الاقتصادية في العراق خلال أربعة أشهر، وبالتحديد بين شهري شباط وحزيران الماضيين، وبالتالي فان عدد من يعيشون تحت خط الفقر في العراق بلغ أكثر من 11 مليوناً و400 ألف شخص، أي بزيادة 4 ملايين شخص عن الدراسات السابقة.
المثنى أفقر المحافظات
وزارة التخطيط كانت قد أشارت إلى أن نسب الفقر في المحافظات العراقية في عام 2018 سجلت 1.2 في المائة في السليمانية، و3.8 في المائة في أربيل، و5.8 في المائة في دهوك، و9.1 في المائة في كركوك، و34.5 في المائة في نينوى، و10.8 في المائة في النجف، و12 في المائة في بغداد، و14.8 في المائة في بابل، و14.8 في المائة في البصرة، و26.1 في المائة في واسط، و42.3 في المائة في ميسان، و44.1 في المائة في الديوانية، و52.5 في المائة في المثنى، و40.8 في المائة في ذي قار.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى المزيد من التدهور في أوضاع سوق العمل في العراق، حيث سجل معدل مشاركة الشباب بين 15 – 24 سنة، تراجعاً ملحوظاً، وزاد معدل البطالة نحو الضعفين في المحافظات التي شهدت اجتياحاً من قبل داعش، ومن ثم عمليات عسكرية لتحريرها من سطوة التنظيم، حيث سجلت 21 في المائة مقارنة بباقي المحافظات البالغة 11 في المائة.
نسبة إنفاق الأسرة العراقية، تغيرت في الأعوام الأخيرة لتصبح نسبة الإنفاق على المجموعة الغذائية بالمرتبة الأولى (32 في المائة)، تليها مجموعة الوقود والإضاءة (24 في المائة)، ثم النقل بالمرتبة الثالثة (12.1 في المائة)، والملابس والأحذية بالمرتبة الرابعة (6.4 في المائة)، ثم الأثاث والتجهيزات المنزلية بالمرتبة الخامسة (5.2 في المائة).
وتشير الإحصاءات، إلى أن نسبة الفقر في العراق وصلت إلى 41.2% في المناطق المحررة، و30% في المناطق الجنوبية، و23% في الوسط، و12.50% في إقليم كوردستان.
كما أوضحت الإحصائيات، أن 48 في المائة من سكان العراق أعمارهم أقل من 18 عاماً، منهم 23 في المائة من فئة الفقراء، وتشير معلومات الإحصائية إلى أن 5 في المائة نسبة الأطفال الفقراء في إقليم كوردستان و50 في المائة نسبة الأطفال الفقراء في المحافظات الجنوبية.
47 % تحت خط الفقر المدقع
بدوره، رأى الخبير الاقتصادي أحمد الحسيني أن آخر احصائية لمستوى الفقر في العراق تجاوزت 47%، اي من يقبعون تحت خط الفقر المدقع، ممن يبلغ معدل دخلهم اليومي أقل من دولار وربع الدولار، عاداً هذه النسبة “مؤشراً خطيراً”، يجب وضع حلول عاجلة له.
الحسيني ذكر لشبكة رووداو الإعلامية، أنه وبسبب إجراءات حظر التجوال التي فرضتها الحكومة، جراء انتشار فيروس كورونا، فان الأشهر الثلاثة الأخيرة شهدت ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في العراق، بسبب الإجراءات الاحترازية.
وحول أبرز الحلول الواجب اتخاذها لمواجهة الفقر في العراق، أوضح أن هنالك إجراءات طوارئ وانعاش، منها تتمثل بالمشاريع الصغيرة، على اعتبار ان القطاع المصرفي يمتلك سيولة نقدية وفيرة، وبالتالي فان على الحكومة دعم المشاريع الصغيرة وتسهيل الحصول عليها، مع منحهم اعفاءات من الفوائد خلال أول خمس سنوات، وبالمقابل هنالك إجراءات طويلة الأجل، تتمثل باعادة النظر في الخطط الموضوعة وتشكيل فريق من الخبراء والمختصين والاقتصاديين، لإعداد ستراتيجية تهدف إلى وضع حلول متوسطة وطويلة الأمد لمواجهة الفقر والبطالة في العراق.
الارتفاع بنسبة الفقر في العراق، ولاسيما بعد 2003 مرده، حسب أغلب المراقبين والمطلعين، هو انتشار الفساد في البلاد، والهدر بالمال العام، والذي أسهم كثيراً بانتشار البطالة، وبالذات في مدن وسط وجنوب البلاد، ما انعكس على الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها هذه المدن، منذ تشرين الأول 2019 ولحد الآن، لاسيما وأن الاحتجاجات شهدت مشاركة واسعة لطبقة الشباب والمثقفين، رغم أنها أسفرت عن سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية