“دوميز” مدينة من قماش يسكنها 70 ألف سوري هربوا من الاسد والنصرة و”اهملتهم” بغداد
المدى برس/ دهوك: ملابس رثة وسحنات متعبة ومهمومة وتكدس بشري وخوف من المجهول، هذا هو الحال في مخيم دوميز للاجئين السوريين، في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق، حيث يعيش 70 ألف منهم في تسعة آلاف خيمة حياة الكفاف بعد أن تركوا بيوتهم ومناطقهم هرباً من الحرب الأهلية التي أحرقت الأخضر واليابس في بلدهم، وما قد ينجم عن ضربة عسكرية أميركية متوقعة يمكن أن تزيد الطين بلة.
كان ذلك هو حال اللاجئ فهد نواف سليمان،(29 سنة)، الذي يعاني من عوق جسدي، ولديه زوجة وولد، (خمس سنوات)، وبنت، (أربع سنوات)، وقد بدت الحيرة على محياه، بشان كيفية تدبير أمور أسرته واحتياجاتها الغذائية من المركز التجاري الوحيد داخل المخيم، الذي خصصته حكومة إقليم كردستان للاجئين السورين، وإلى جنبه ابنه أحمد الذي كان فرحاً لا يعبأ بشيء بعد أن حصل على لعبته التي كان يريد وهي سيارة.
وتبلغ مساحة مخيم دوميز 600 دونم، ويقع على بعد 20 كم جنوب غربي مدينة دهوك،(460 كم إلى الشمال من العاصمة بغداد)، وغالبية سكانه من القومية الكردية، نزحوا إلى إقليم كردستان بحثاً عن الأمان بعد أن أصبحوا ضحية للنظام السوري، وجبهة النصرة، التي “أباحت قتلهم” مخلفين ورائهم منازلهم وأملاكهم.
ويقطن اللاجئون السورين في مخيم دوميز، في نحو تسعة آلاف خيمة وفرتها لهم حكومة إقليم كردستان، التي تتولى رعايتهم وتأمين جل احتياجاتهم بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية، في ظل غياب كامل لدعم الحكومة الاتحادية في بغداد.
مهجرون سوريون: حياتنا صعبة
ويقول سليمان في حديث إلى (المدى برس)، “تركنا الشام بعد أن دمرت القذائف منزلنا”، ويشير إلى أن “العوق الجسدي الذي يعاني منه منعه من العمل وكانت الحكومة السورية تخصص لي راتباً شهرياً قدره نحو سبعة آلاف ليرة سورية، إما الآن فنعيش في مخيم دوميز على المساعدات”.
ويضيف اللاجئ السوري، أن “حكومة إقليم كردستان خصصت لكل لاجئ سوري 31 دولاراً شهرياً بما يعني أن عائلتي تتقاضى 124 دولاراً، وأكثر ما نشتري هو الجبن لأنه يكفينا طيلة الشهر”، ويبين “اضطررت إلى استدانة 400 دولار من بعض معارفي لتأمين احتياجات عائلتي، ولا أعرف كيف أسددها”.
أما اللاجئة السورية أم عدنان، التي تجاوز عمرها السبعين، فكانت تجلس تحت سقيفة صنعتها بنفسها خارج خيمتها المقامة فوق تلة صغيرة داخل المخيم، وهي ترعى أحفادها، فتقول في حديث إلى (المدى برس)، لقد “هجرت عائلة ابني من الشام إلى دهوك ومن ثم لحقت بهم قبل أن تأتي شقيقتي لتسكن معنا في الخيمة ذاتها”.
وتضيف أم عدنان، كان “منزلنا في الشام يضم خمس غرف وكنا ننوي بيعه وشراء منزلاً أكبر يناسب توسع العائلة لكن الحرب والدمار تسببا بتهجيرنا وحشرنا في خيمة صغيرة هي مآلنا الوحيد حالياً”، وتبين أن “أبني الذي أسكن معه وزوجته وابنتي الكبيرة، يعمل في إحدى مناطق إقليم كردستان بأجر يومي مقداره 12 ألف دينار، لا يكفي لمصاريفنا مع الأطفال”.
من جهتها تؤكد اللاجئة، عائشة إبراهيم، في حديث إلى (المدى برس)، إن “إدارة المخيم تراعي اللاجئين كثيراً برغم أن كثرة عددهم تسبب ضغطاً هائلاً يؤدي إلى نقص الخدمات الأساس”، وتذكر أن “أولادي الثلاثة يعانون من المرض منذ قدومنا إلى المخيم قبل أربعة أشهر من جراء الأحوال الجوية والظروف المعيشية القاسية وتراكم الأوساخ، وعدم التعود على مثل هذه النمط من الحياة، برغم ما تقدمه إدارة المخيم من رعاية الطبية وحليب لهم”.
جبهة النصرة معاناة مضافة للكرد وممارسات “غير إنسانية”
ويقول اللاجئ عبد الرحمن شمس الدين، في حديث إلى (المدى برس)، لقد “هاجرت مع زوجتي وأطفالي الثلاثة من مدينة قامشلي بعد أن وجهت جبهة النصرة نداءات تحلل فيها قتل الكرد ونهب نسائهم وأموالهم”، متسائلاً “هل يبيح الإسلام مثل هذه التصرفات الهمجية التي تخلو من أي مشاعر إنسانية”.
ويذكر شمس الدين، أن “الجهات المسؤولة عن مخيم دوميز تسعى جاهدة لتوفير المستلزمات الضرورية لكنها مهما فعلت لن تنسينا معاناتنا الناجمة عن تدمير دورنا وسلبها وتهجيرنا”، ويستدرك “بتنا نسكن الخيام بعد أن كنا نمتلك الدور وحياتنا مرفهة إلى حد كبير، وهذا بحد ذاته ينطوي على معاناة بالغة”.
ويوضح شمس الدين أن “الكثير من سكان المخيم يجدون عملاً مؤقتاً هنا أو هناك يساعدهم على تمشية أمورهم إلى جانب ما يحصلون عليه من حكومة إقليم كردستان والمنظمات الدولية”.
200 ألف لاجئ سوري في إقليم كردستان
على صعيد متصل يقول مدير العلاقات والإعلام في مخيم دوميز، سالم سعيد، في حديث إلى (المدى برس)، إن “حكومة إقليم كردستان العراق بدأت منذ آذار 2012 المنصرم، باستقبال اللاجئين السورين في مخيم دوميز”، ويبين أن ” المفوضية العليا للاجئين سجلت نحو 120 ألف لاجئ سوري في المخيم”.
ويضيف سعيد، أن “عدد اللاجئين السوريين الفعلي في المخيم بلغ 114 ألف”، ويوضح “لكن استمرار تدفق اللاجئين بسبب تردي الأوضاع في بلدهم رفع العدد إلى 120 ألف، برغم أن العدد الحقيقي للذي يعيشون في المخيم فعلاً هو 70 ألف فقط لأن الباقين فضلوا العيش عند اقربائهم في الإقليم”.
ويؤكد مدير العلاقات والإعلام في مخيم دوميز، أن “عدد اللاجئين السوريين في إقليم كردستان تجاوز الـ200 ألف شخص حالياً”، ويستدرك أن “أغلبهم يتوزعون في مخيمات أقيمت في دهوك والسليمانية وأربيل”.
ويتابع سعيد، أن “المدة الممتدة من منتصف آب المنصرم ولغاية نهايته شهدت دخل أكثر من 50 ألف لاجئ سوري إلى إقليم كردستان”، ويستطرد أن “حكومة الإقليم اضطرت لإقامة مخيمات جديدة تستوعب هذا التدفق الهائل في كل من أربيل والسليمانية، بعد أن امتنعت إدارة مخيم دوميز عن استقبال أي وجبة جديدة من اللاجئين لأنها لم تعد قادرة على خدمتهم وتأمين احتياجاتهم”.
ويواصل مدير العلاقات والإعلام في مخيم دوميز، أن “مخيم دوميز يحتوي الآن على ثمانية قواطع كبيرة كل واحد منها يضم 62 قاطعاً صغيراً وكل منها يحتوي على 15 – 200 عائلة”، ويزيد أن “مسؤول القاطع يكون من اللاجئين السوريين للتنسيق مع إدارة المخيم والمنظمات الدولية بشان احتياجاتهم وما يحتاجونه من مساعدات مختلفة”.
واسترسل سعيد، أن “حكومة إقليم كردستان تقدم التسهيلات اللازمة لسكان المخيم من تجهيز الكهرباء مستمرة على مدى 24 ساعة، ومد شبكات المياه والصرف الصحي”، وبين أن ” المخيم يحتوي على ثلاثة مدارس تضم (3590) طالبا وطالبة”.
إدارة المخيم: بغداد خذلتنا
من جهته يؤكد مدير مخيم دوميز للاجئين السورين، إدريس نبي صالح، في حديث إلى (المدى برس)، أن “المخيم لم يعد قادراً على استيعاب أي لاجئ جديد بعد الآن”، ويبين أن “بعض الخيم باتت تضم ثلاثة عوائل بعد أن كانت العائلة الواحدة المؤلفة من سبعة أفراد تسكن في خيمتين من قبل”.
ويضيف صالح أن “حكومة إقليم كردستان تدعم حاجات المخيم بنسبة 90% والباقي يتوزع على المنظمات الدولية التي لا يتجاوز عددها الأربع منظمات”، ويعرب عن “الأسف لأن الحكومة الاتحادية في بغداد لم تقدم أي نوع من المساعدات أو الدعم للاجئين السورين في إقليم كردستان بل انها أغلقت الحدود العراقية بالنسبة للاجئين السوريين”.
ويذكر مدير مخيم دوميز، أن “وفداً من وزارة الهجرة والمهجرين في الحكومة الاتحادية زار المخيم ووعد بتنفيذ عدة مشاريع تقدر قيمتها بخمسة مليارات دينار، كبناء مستوصف ومدارس وتعبيد شوارع وانشاء شبكة مجاري”، ويلفت إلى أن “أياً من تلك الوعود لم يتحقق حتى الآن وكانت مجرد كلام بالهواء”.
الحكومة المحلية في دهوك: خصصنا 25 مليون دولار لمساعدة اللاجئين السوريين
بالمقابل يقول نائب محافظ دهوك، بهزاد علي آدم، في حديث إلى (المدى برس)، إن “الحكومة المحلية في دهوك هي من يدير مخيم دوميز للاجئين السوريين وهي التي تقدم كل الخدمات له بالتعاون مع حكومة إقليم كردستان”، ويضيف أن “إقليم كردستان خصص لمحافظة دهوك في المدة الأخيرة 25 مليون دولار لمساعدة اللاجئين السوريين وإيوائهم في السليمانية ودهوك وأربيل”.
أطباء بلا حدود: عالجنا 4400 حالة مرضية للاجئين السوريين
ويقول المسؤول في منظمة أطباء بلا حدود، فرانك ريك، في حديث إلى (المدى برس)، إن “المنظمة تعمل من خلال مجموعتين الأولى في مخيم قرب الحدود العراقية السورية لاستقبال اللاجئين ومعاينة حالتهم الصحية، والثانية تعمل في مخيم دوميز وتتابع الحالة الصحية للاجئين هناك”.
ويضيف ريك، أن “أغلب اللاجئين السوريين الداخلين إلى إقليم كردستان كانوا يعانون من إمراض بسيطة لكن هناك آخرون يعانون من حالات مرضية صعبة تمت معالجتهم”، ويؤكد أن “المنظمة عالجت منذ بداية فتح الحدود أكثر من أربعة آلاف و400 مريض”.
الشركة المسؤولة عن الأسواق: اللحم الأحمر ترف ليس بمتناول اللاجئين
ويذكر ممثل شركة نوزارت المسؤولة عن تجهيز اللاجئين السوريين بالمواد الغذائية، بختيار طلعت، في حديث إلى (المدى برس)، إن “الشركة رست عليها مناقصة من منظمة خيرية لتجهيز اللاجئين السورين في مخيم دوميز بالمواد الغذائية”، ويضيف أن “حكومة أقليم كردستان حددت لكل فرد من اللاجئين السورين 31 دولاراً شهرياً يمكن لعوائلهم أن تتسوق بمقدار ما خصص لها من أموال”.
وبوضح طلعت، أن “لكل عائلة الحق بالتسوق مرة واحدة في الشهر”، ويلفت إلى أن “عدد المتسوقين يوميا يصل إلى 900 عائلة”، ويؤكد أن “الشركة توفر كل أنواع المواد الغذائية باستثناء اللحوم الحمراء لأنها غالية الثمن وقد تكلف اللاجئ مبالغ خارج إمكانياته، لكنها عوضت ذلك بالدجاج لأن سعره بمتناولهم”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية