الدعوة إلى حكومة الأغلبية السياسية تفرق الأطراف الكوردية
رووداو- السليمانية: يبدو أن خطاب بعض القوى الفاعلة والمتمكنة في العراق سيحدد من الآن صورة الحكومة الجديدة التي ستتلو انتخابات مجلس النواب العراقي المقبلة، وهذه القوى تصور حكومة لم تجرؤ قوة سياسية بعد سقوط نظام البعث على إدراجه في منهاج عملها. الموضوع الذي يجري تداوله الآن هو حكومة أغلبية سياسية تحل محل مبدأ “التوافق السياسي”. في وقت لم تكن فيه الأحزاب السياسية الكوردستانية متفرقة فيه كما هي الآن، رغم أنها جميعاً تعارض هذا التوجه، لكنها لا تستبعد التعامل مع هكذا حكومة في حال الفشل في التوصل إلى تشكيل تحالف كوردستاني.
ويقول مسؤول في الجماعة الاسلامية: “إذا ظلت أوضاع الأطراف الكوردية كما هي الآن، ولم يعودوا إلى بغداد كتحالف كوردستاني بعد الانتخابات، فلا شك أن أحزاباً كوردستانية ستنضم إلى التحالف الذي سيشكل الحكومة القادمة”.
رغم أن الوقت لم يحن بعد للدخول في سجال تشكيل تحالف ما بعد الانتخابات، فإن الكورد والسنة ينتظرون تلك المرحلة بقلق وتخوف شديدين، لأنهم واثقون من أن عراق ما بعد الاستفتاء على استقلال اقليم كوردستان وأحداث 16 أكتوبر يفكر في قيام مركز قوي ذي سلطة مطلقة. ويرى عضو المجلس السياسي للاتحاد الإسلامي الكوردستاني، مصطفى عبدالله، المطلع على ما يفكر فيه الزعماء العراقيون، أن التفكير في تحقيق الأغلبية السياسية سيعيد العراق إلى دمار آخر، ويقول “صوت 80% من الشعب لصالح الدستور وتم تثبيت الفيدرالية، وكان الهدف من وراء ذلك إدارة شؤون العراق من خلال التشارك، وعلى الذين يتحدثون عن الأغلبية السياسية، أن يدركوا أنهم غير مخلصين لوحدة العراق ولا يفكرون في النتائج السيئة التي تنجم عن هذا التوجه”. كما طالب عبدالله أحزاب إقليم كوردستان بالاستعداد لذلك الصراع، مضيفاً أن “علينا جميعاً ككورد أن لا نقبل ذلك”.
أصبح نائب رئيس جمهورية العراق، نوري المالكي، بعد أن خسر منصب رئيس الوزراء وأدى الدعم الأمريكي والغربي للعبادي إلى تهميشه، حامل شعار الأغلبية السياسية والداعي لتحقيقها. وهناك آخرون من أمثال أمين عام عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، يرحبون بتلك الفكرة. حتى بلغ الأمر بالخزعلي حد القول بأنهم لن يسمحوا بأي نَفَس أو خطاب طائفي يراد به إعادة العراق إلى المربع الأول و”سنقضي على المحاصصة من خلال حكومة أغلبية ومعارضة، بطريقة يجب أن نحققها يوماً ما ونغير النظام إلى رئاسي أو شبه رئاسي، ومهما طال الأمد فسنتوصل إلى هذا”.
أما الزعيم مقتدى الصدر، الذي يظهر دائماً معارضاً لتوجهات العراقيين الآخرين، فإنه قال ما يسر جبهة الدعوة إلى الأغلبية السياسية والجبهة المعارضة لها، حيث قال: “لا أؤيد فكرة الأغلبية السياسية الآن”.
ويرفض جزء من أحزاب إقليم كوردستان الرافضة للأغلبية السياسية في تشكيل الحكومة العراقية القادمة، تلك الأغلبية التي تؤلفها الشيعة بدون الحاجة إلى الكورد والسنة، لكنها لا ترفض تحالف قائمة شيعية فائزة مع طرف أو طرفين كوردستانيين لتشكيل حكومة الأغلبية.
ويعتقد منسق الغرفة القانونية لحركة التغيير، إسماعيل نامق، أن السؤال يجب أن يكون: هل يستطيع الكورد الاتفاق بينهم والتفاوض مع القائمة العراقية الفائزة ضمن تحالف؟ هل سيشترك الكورد في الحكومة أم لا؟ هل ستحصل القوائم العراقية المشاركة في الانتخابات على الأصوات والمقاعد التي تؤهلها لتشكيل الحكومة بدون الحاجة إلى حلفاء؟ ويقول: “إذا أراد طرف أو قوة ما الاستقرار والأمان للعراق، وأن يحكم البلد حكماً رشيداً، فلن يستطيع إغفال الكورد والسنة”.
لكن الاحتمال القوي هو أن الطرف الفائز في الانتخابات سيكون شيعياً، وستتمكن من خلال التحالف مع طرف شيعي أو أكثر والاتفاق مع بعض الأطراف السنية والكوردية ليضمن الأغلبية، وبهذا ستنضم جزء من الكورد وجزء من السنة إلى السلطة ويبقى الآخرون خارجها.
ويقول نامق: “انضم الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني إلى حكومة المالكي بدون حركة التغيير، بل أنهما اشترطا لانضمامهما استبعاد التغيير من الحكومة”.
جميع القوى الكوردستانية متفقة على أن الخلافات بين الأطراف الكوردستانية كثيرة وهذه الأطراف متنافرة لدرجة لا تتمكن معها من تشكيل تحالف بعد الانتخابات.
وتفيد المعلومات المتوفرة أن الاحتمال الأول الذي بحثت فيه حركة التغيير والجماعة الاسلامية والتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة، هو أنهم في حال حصول على عدد مرض من المقاعد سيتفاوضون مع الطرف القائز في الانتخابات لتشكيل الحكومة بدون الالتفات إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني.
ويقول رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني في مجلس النواب العراقي، عرفات كرم، إنه واثق من أن الفائز في الانتخابات سيحاول بهذه الطريقة زيادة فجوة الاختلاف بين الأحزاب الكوردستانية فيتفاوض مع كل واحد منها لوحده “لكن بغداد مدركة أيضاً بأنها لن تتمكن من ذلك بدون الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وقد حاولت من قبل التعامل مع المحافظات، لكنها لم تفلح في ذلك”.
ويضيف كرم أن تجربة لبنان هي الطريق الوحيد المناسب لإدارة شؤون العراق، حيث تراعي القوانين مصالح الكيانات السياسية “وقد أدى الركون إلى الأغلبية في الآونة الأخيرة إلى تمرير قانون الحشد الشعبي وقوانين أخرى هامة، وحال تفرقنا دون أن نتمكن من عمل أي شيء”.
ويرى كرم أنه في حال تطبيق مبدأ الأغلبية السياسية “حتى لو كان للكورد مائة مقعد، فلن ينفعهم ذلك بشيء””، ويتساءل ما جدوى المعارضة في عراق بني أصلاً على أساس التوافق والشراكة السياسية”.
وبهذا الصدد، يقول العضو القيادي في الاتحاد الوطني الكوردستاني، آريز عبدالله، إن ذهاب الكورد إلى بغداد يعني تطبيق الدستور، وعندما يكون هناك طرف يدعو إلى تشكيل حكومة أغلبية “فإن ذلك يعني انتهاك الحقوق الدستورية للكورد، وهذا بحد ذاته انقلاب على العملية السياسية في العراق”، ويعتقد أن هذا التفكير يضمر أساساً نوايا سيئة وغير دستورية “نحن نقول، يجب أن يوحد الكورد كلمتهم وصفوفهم، لكي لا يتمكن أي تحالف من التفكير في فرض الأغلبية السياسية”.
وحسب عضو المجلس السياسي للاتحاد الإسلامي الكوردستاني، مصطفى عبدالله، فإن “المتضرر الرئيس من الأغلبية السياسية في العراق هم الكورد. ويجب أن تتجنب الأطراف الكوردية تشكيل تحالف بين بعض منها ثم الانضمام إلى تحالف مع طرف عراقي لتشكيل الحكومة العراقية القادمة. بل على العكس من ذلك، يجب على جميع القوائم والأحزاب الكوردستانية أن تدافع عن الفدرالية وعن الدستور، لأننا لو ذهبنا حاملين برامج عمل مختلفة، فإن شعب كوردستان ومكاسبه ستدفع الضريبة”.
ويرى عضو مجلس النواب العراقي عن الجماعة الإسلامية، زانا روستايي، أن حال الأطراف الكوردستانية بقيت على ما هي عليها ولم نعد إلى بغداد بعد الانتخابات كتحالف كوردستاني، فإن قسماً من الأحزاب الكوردستانية ستنضم إلى التحالف الذي سيشكل الحكومة القادمة”.
ويضيف أنه في حال طلبت القوة الفائزة التي تشكل الحكومة، من الجماعة الإسلامية الانضمام إليها، فستكون للجماعة شروط تتمثل في جدول محدد لحل مشاكل الأرض والموازنة وغيرها “لكن إذا ذهبت الجماعة وحركة التغيير والتحالف من أجل الديمقراطية والعدالة معاً إلى الحكومة، فقد يمتنع الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني عن ذلك، والعكس بالعكس”.
ولا يجد روستايي أن تشكيل تحالف كوردستان أمر مستحيل، ويقول: “نحن نمارس السياسة، ولو أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني تقدما بروح وطنية فليس مستبعداً أن تلبي كافة الأطراف الدعوة لتشكيل تحالف كوردستاني، لكن إذا شارك حزب كوردي لوحده في تشكيل الحكومة، فإن النقيصة ستناله وحده”.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية