يونيو 19, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

مجزرة كوجو …(45)

مجزرة كوجو …(45)15-364x245

الباحث/ داود مراد ختاري

حينما دخل الماء الى فمي فقدت الوعي.
في الثالث من شهر آب سيطر الدواعش على شنكال، قام عرب المنطقة بمساندتهم ضد الايزيديين، فحاصروا كل القرى الايزيدية في قضاء شنكال، كنا خلال تلك الفترة في الواجب، حتى الساعة الثامنة صباحا، بعد سقوط شنكال طلب منا المختار الانسحاب، خرجت بعض سياراتنا فلم تتمكن من الخلاص، بعضهم ضرب من طرف داعش، فبقينا محاصرين، المختار أحمد جاسو تلقى أتصال من أحد عرب المنطقة، وقال بأنه عندهم أمير القاطع ويريد التحدث مع المختار، بعد نصف ساعة أخبرنا الأمير أبو حمزة الحميدي قائلاً للمختار بأنه بعد سقوط شنكال لن نتعرض للإيزيديين بشرط أن يسيروا معنا باستقامة، وقال بأنه سيأتي غدا ليتفق معنا، بعد الاتصال الهاتفي قرر المختار انسحاب عناصرنا من كل النقاط ووضع السلاح والاستسلام، في عصر ذلك اليوم ذهب الدواعش الى قرية الحاتمية وهي أيضا قرية من أقرباءنا، ثم جاءوا إلينا، وقالوا لأحمد بأنه لا توجد مشاكل بيننا ولن نؤذي أحدا منكم. خاصة الذين لن يحملوا السلاح ضدنا، وقد وافق المختار على الأمر.
وأضاف الناجي من المجزرة (رافد سعيد حمو، مواليد 1982): في اليوم التالي اتصلوا مؤكدين بجمع السلاح وسيأتون لأخذه، وجاءوا فأخذوا سيارة بيكب حمل محملة من أسلحتنا، وقد وعدهم المختار بأنهم لن يشاهدوا طلقة واحدة تطلق من قريتنا.
رجعوا الى القرية بعد يومين ، كان معهم أحد الفنانين المشهورين يدعى (دخيل كوتي)، كان قد أسلم قبل سنوات، جاء على اساس أن يصبح إمام مجمع الجزيرة، طلبوا من المختار ومختار الحاتمية أن تتحول القرى من الديانة الايزيدية الى الدين الاسلامي. وقد طلب الطرفان من داعش أعطائهم الفرصة، لأن المسألة صعبة جدا بالنسبة للشيوخ والناس عامة، فقبلوا بمهلة يومين. خرج الناس من قرية الحاتمية في اليوم العاشر من آب.
   في اليوم العاشر جاءوا وجهاء الحاتمية الى قريتنا وقالوا بأنهم جاهزين للخروج من القرية نحو الجبل. مشكلتنا لم نكن متفقين فيما بيننا، وقمنا مرة أخرى بوضع نقطتين حراسة في القرية.
في اليوم الثالث عشر من آب، جاء الأمير (أبو حمزة الحميدي) وقال بأنه كان في الموصل وابلغه والي الموصل بعدم التعدي على أهل قرية كوجو ولا يجوز تحويلهم بالقوة الى ديانة الاسلام. وبقينا في القرية حتى الخامس عشر من شهر آب. جاءت قوة كبيرة من الدواعش الى القرية في يوم الجمعة تمام الساعة الحادية عشر صباحاً ، طلب الأمير من مختار القرية (أحمد) أن يجمع الأهالي في المدرسة، وقال له: سوف نجمعهم ونخيرهم بين البقاء والحفاظ على أموالهم، بين الخروج والأستيلاء على أموالهم.
فقاموا بجمع الجميع في المدرسة حتى كبار السن الذين لا يستطيعون السير، جاءوا بهم بواسطة السيارات الى المدرسة، من كافة الأعمار، وقاموا بجمع كافة الموبايلات في المدرسة ، كذلك المبالغ المالية والذهب من الأهالي أيضا.
خاطبهم الأمير أبوحمزة وقال: بأن الذي يريد أن يقبل الأسلام دينا، سيعيش معززا مكرما وسنعطيه بيته وماله، ولا نمانع أن لا تتحولوا الى الاسلام. وكان معه أحد المترجمين الكورد يتحدث اللهجة البهدينانية مثلنا. بعد ذلك تحدث أحمد للجمع وقال بأن لا يعارض أن يتحول الناس الى الاسلام. لكن الجميع رفضوا الفكرة وطالبوا بأن يخرجوا من القرية وسيطرة داعش.
بعد ذلك قاموا باحضار السيارات لنركبها على الاساس أن يقوموا باخراجنا من منطقتهم، فصعدنا أربعة سيارات وكنت ضمن الوجبة الأولى، أخذونا الى شرق القرية بمسافة نصف كيلومتر تقريبا، كان هناك حوض ماء لسقي أراضي المزرعة. حين وصلت السيارات الأربعة قاموا بأطلاق النار بين أرجلنا لنصبح صفاً واحداً كي يسهل عملية أصابتنا بالعيارات النارية. أثناء الرمي علينا أصابت احدى أرجلي وخرجت الرصاصة من الجهة الأخرى. وعندما أصبحنا صفين قام أحدهم بتصويرنا بالموبايل (الهاتف المحمول) وأربعة منهم أطلقوا النار علينا من بنادق الكلاشنكوف من الخلف، بعد الرمي جاءوا على الجثث ليكملوا عملية التصفية ومع هذه الوحشية لم يكن بيننا أحد يتنازل لهم، فالجميع كان يستشهد بطاووس الملك حتى أثناء سكراته الأخيرة.
وتلك العيارات الاخيرة التي اطلقوها علي قد أصابت يدي ورجلي، وقد مثلت دور الميت وتحملت كثيرا كي لا يبدو علي أي علامات الحياة. الذين يسقطون على وجوههم كانوا يقلبون الجثث للتأكد من مقتلهم والذي يتنفس يطلقون النار على رؤوسهم بالمسدس. أثناء ذلك لم أتحرك وبقيت أتحمل حتى ذهبوا وأتذكر بأنني كنت أسمع أصوات طائرات التحالف وهي تحلق في الأجواء، لذلك أستعجلوا في الأمر خوفا من الطيران، فطلب قائدهم أن يتم دفن القتلى بالشفرات، كان هناك كثيرين أحياء على ما أظن، لكن الدفن تحت الأرض تسبب بوفاتهم، وكنت أستمع اليهم حين طلب احدهم بأن يغيروا مكانهم ليأتوا بالوجبة الثانية.
حين صعدوا السيارات وذهبوا، طلبت من الأحياء أن يقوموا فقام ستة رجال كانوا قد بقوا أحياء، الجرحى كانوا يطلبون منا الماء، فقام عمي (كجي عمو) بأعطاءهم المياه المتبقية في بطل، ثلاثة من الأحياء خرجوا قبلي من بين القتلى، أنا أيضا قمت بزحف نفسي حتى وصلت وراء الحوض، فقمت على قامتي، سرت حتى وصلت الى البيوت الأولى في القرية كان فيها شخص يدعى (سعد)، مصاب بطلقة، طلبت منه القيام لكي نهرب، قال بأنه لا يستطيع القيام، وقد توفى في ذلك البيت، خرجت الى البستان، رأيت (ادريس بشار سلو)، وهو أيضا مصاب في رجله، لكنه تمكن من ضماد رجله، طلبت منه السير، لكنه لم يكن يستطيع ذلك. بعدها سرت لوحدي حتى سمعت أحدهم يناديني، كان أسمه (الياس صالح) وهو أيضا مصاب برجله بصورة أخف كان معاونا طبي، طلب أن نذهب معا لأنه لا يعرف المنطقة وكذلك رأينا ولدا كان أسمه (خدر حسن أحمد)، كان مصابا بخدش خلف رقبته.
أثناء هروبنا بهذه الحالة، كانت دوريات داعش تدور بين القرى تبحث عن الجرحى، وقد أختبأنا منهم كي لا يروننا، بعدها أختبأنا في أحدى البيادر حتى يحل الليل كي نتمكن من الخروج من القرية، أثناءها ساءت حالتي كثيرا وخاصة يدي التي نزفت كثيرا، فأعطاني الياس ربطة كلينكس كانت معه، فقمت بوضعها على الجرح وضغطت عليها فتوقف النزيف. كنا في حقل الدواجن لأحد أقرابنا، وقوات الدواعش كانت فوقنا، عندما أقتربنا نبحت الكلاب، فأشعلوا الأضواء، فقمنا باللف حول المكان لكي نتحاشى الأضواء ونباح الكلاب. فذهبنا الى التلال خلف قرية تل قصب، أقتربنا من الشارع الذي يأتي من تل قصب، جاءت احدى سياراتهم الدورية، بعد أن عبرت قمنا بعبور الطريق، حتى وصلنا الى الوادي القريب من قرية الحاتمية، فسقطت أرضاً نتيجة العطش وأشعرت بجفاف في الفم والبلعوم، طلبت من (الياس) أن يأتي لي بالمياه، لكنه قال بأنه يخاف أن يراه قوات الدواعش، فقمت بالزحف من الوادي حتى وصلت الى تلك البيوت القريبة منا، بحثت في الداخل، كان فيه كل مستلزمات العفش والطبخ، لكنني لم أجد الماء للشرب، بعدها خرجت ووجدت خزان كبير بسعة ثلاثة الاف لتر، كانت مياه ساخنة بدفئ الشمس، والمياه لم تكن جيدة بالنسبة لي، ولم تكن نظيفة حتى، كان هذا الخزان في أحدى الأحواش المفروشة بالسمنت، تمددت تحت الخزان وفتحت الحنفية على رأسي ومباشرة حينما دخل الماء الى فمي فقدت الوعي. لا أعرف كم من الوقت مضى، لكن حينما فتحت عيني رأيت ذلك الولد (خدر) فوق رأسي يبكي لأنه ظن بأنني مت. كان صنبور المياه مازال مفتوحاً، والحوش أمتلئ بالمياه والدم الذي ينزف مني. فقلت له أشرب الماء لنذهب، فقمت بصعوبة ووصلنا الى الوادي كان لا يزال (الياس) موجودا في مكانه، فذهب هو أيضا مع الولد ليشرب ورجع وخرجنا من هناك، وصلنا الى الشارع الذي يأتي من بلير وتل بنات، ورأينا بستاناً، كانت الساعة حوالي الثانية عشر ليلا، البستان يحتوي على الرقي، فأكلنا بعض منهم لأننا لم نتناول شيئا منذ الصباح. لم أكن قادرا على السير بمسافة طويلة، فكل فترة كنت أجلس قليلا وبعدها أتابع الطريق، دخلنا البيوت المبنية على طرف البستان، لم تكن تحتوي الثلاجات على قطرة ماء واحدة والخزانات الكبيرة فارغة تماما، دخلنا الى الحمام وقمنا بكسر خراطيم ماء السخان وملئنا عبواتنا البلاستيكية وخدرحملهم ، كان الماء ساخن ولكننا كنا نتوقع أن يبرد في الطريق.
عندما خرجنا من البيت هاجمتنا عدة كلاب، فخاف أصدقائي وأقتربت من الكلاب وهدأتهم، بعدها خرجنا، نظرنا الى الشارع، فلم تكن هناك حركة عليه، فعبرنا الى الطرف الآخر.
 سمعنا أحدا ينادينا بالقرب من تل قصب ، فجاء وألتحق بنا كان (خلف خديدا خلف) أحد الناجين من المجزرة للوجبات التالية، ومعه عبوة ماء باردة سعة خمسة لتر، أستمرينا في السير حتى وصلنا الى قرية حمدان، قال رفاقنا بأن نذهب عن طريق سولاخ، فكنت أعتقد بأن الدواعش يتواجدون هناك، لذلك قررت أن نذهب شرقاً، حين أقتربنا من أحدى مزارع أشجار الزيتون، هاجمت الكلاب علينا مرة أخرى، فأشعل عناصر الدواعش مذنباً، قلت للجماعة ليجلس كل واحد منا عند شجرة زيتون حتى تهدأ الأمور، هدأت الحركة بعد قضاءنا فترة من الوقت هناك ، فخرجنا، ووصلنا الى أحد الأبراج، جاءت احدى سياراتهم  دون اضاءة المصابيح، لكن البدر كان يضيء الليل، فقمنا بالتمدد على الأرض حتى لا ترانا، ذهبت السيارة حتى وصلت الى الجسر في نهاية الطريق، قامت بالكشف عن تحت الجسر وتوقفت هناك، فحينها قمنا بعبور الطريق في منطقة تسمى (قني)، وهي متآخمة لجبل شنكال، وهي أمنة بعض الشيء، وبسبب التعب تمددنا في أحدى سواقي المياه ونمنا هناك.
أستيقظت في الصباح ورأيت أصدقائي نائمين، فقمت بايقاظهم، وسرنا مسافة قصيرة وتوقفنا لعدم تحملي ثم وصلنا الى موقع (ئاف كه رمك – الماء الساخن-) الذي كنا نأمل بأن نجد فيه مياهاً، كان فيه بئر، لكنه لم يكن يحتوي على قطرة ماء، وتابعنا سيرنا، وصلنا الى موقع يتواجد فيه حصادة وسيارة وكان هدفنا فقط أن نجد مياه الشرب، ثم وصلنا الى بئر أخر وصلت قبل الجماعة لكنني لم أتحمل فسقطت بالقرب من البئر لفترة، بعدها قمنا، كان البئر يبلغ سبعة امتار وفيه ماء، فقمنا بنزع الأحزمة وقطع من ملابسنا ولم نتمكن من أيصال العبوة البلاستيكية الى ماء البئر، فقام (خلف) بالنزول الى أسفل البئر وملئ العبوة بيده، لأننا كنا في حالة عطش شديد شربنا لدرجة خرجت المياه من أفواهنا ملونة بالدم.
تابعنا السير مرة أخرى بصعوبة ، حتى وصلنا الى (كلي ميركا)، وفيه بعض العوائل، فذهبنا عندهم، بقينا عندهم حتى المساء، بواسطة الموبايلات أتصلنا مع الكثيرين لكنهم لم يأتوا لنجدتنا، أصدقائي طلبوا مني أن نذهب، لكن قدماي كانت جامدة لم تكن تتحرك، بقيت هناك وذهب أصدقائي الثلاثة.
في المساء حوالي الساعة العاشرة جاء شخصان يحملان بعض الأدوية والضمادات وقالوا بأنهم يظنون بأن معنا معاون طبي، لكنه كان قد ذهب، فقلت لهم ضعوا الأدوية، سأعالج نفسي  وبقيت هناك لوحدي، مكثت لخمسة أيام، حتى مجيء أخي من زاخو، عبر الاراضي السورية وجلب معه حمار وحملني عليه، كان حمارا ضعيفا، كان يسير بصعوبة ، بعدها رأينا بالصدفة حمارا أفضل بكثير، فبدلنا الحمار الأول به، حتى وصلنا الى نبع ماء، بتنا هناك، وفي الصباح وصلنا الى مزار (شرف الدين) يتواجد هناك جماعة قاسم ششو، فزودونا بالأكل والشرب مع بعض المستلزمات الطبية من جماعة حزب العمال وقاموا بمعالجة الجروح.
بعدها جاءوا بسيارة لنعبر بها الحدود الى سوريا ومن هناك الى زاخو، عندما وصلنا بالقرب من ربيعة اطلقت قوات داعش النار علينا، فهرب كل من كانوا معي الى خلف الساتر، بعدها قمت بالزحف ووصلت خلف الساتر، وقمنا بالسير مسافة كيلومتر حتى وصلنا الى جماعة كانت معهم سيارة وهم من أهل خانصور، فركبنا حتى وصلنا الى الخابور في زاخو، فكانت هناك سيارة اسعاف نقلتني الى مستشفى الطوارئ في دهو ك.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi