مقاتلو جبل شنكال في أيام المحن….(19)
الباحث/ داود مراد ختاري
قرية كرمز … رمز الصمود والتضحية.
الوطن عبارة عن المكان الذي يرتبط بها الشعب ارتباطا تاريخيا طويلا، وحب الوطن والارض من الأمور الفطرية التي فطر الانسان وجبل عليها، حيث أنه ليس هناك شيء من الغرابة أن ترى الإنسان يحب وطنه حد الإدمان فهذا حقه، وهو خارج عن سيطرة الإنسان، ويحب المكان الذي قد نشأ وترعرع فيه منذ الصغر.
ولا يعرف حب الوطن إلا أولئك الذين أجبروا على الرحيل عنها، فهو أقرب الأماكن إلى القلب ففيه الأهل والأصدقاء .
ومن اجل الحفاظ عليه لابد من النضال والكفاح من أجل العيش والبقاء وأن يشعر بالراحة التى يحبها .
وقد قال الشاعر:
بدم الأحرار سأرويه …. وبماضي العزم سأبنيه
وأشيده وطناً نضراً…… وأقدمه لابني حراً
فيصون حماه ويفديه…. بعزيمة ليث هجام .
تقع قرية كرمز على الحدود الفاصل بين العرب والايزيدية من جهة الشرق في شمال مفرق حردان بكليومتر وتابعة الى ناحية سنوني (الشمال) وبقت هذه القرية لم ترحل عندما تم ترحيل كافة القرى الايزيدية واسكنهم في مجمعات قصرية في عهد صدام حسين .

لقد شارك ابناء كرمز للدفاع عن قريتهم خلال الايام المتتالية (3- 7 من شهر آب 2014) وكانت أيام صعبة، وقال المقاتل (اركان كرمز): لاننا كنا نتألم من ما أصيب به اهل شنكال من هجمة شرسة، والعدو لا يكف عن محاولاته لاحتلال قريتنا، فصمدنا بهمة عالية وتصدينا جميع محاولاته اليائسة، وبذلك سجلنا صفحة بطولية لابناء القرية.
وفي يوم 3- 8 -2014 رأينا بان سيارات أهل حردان تتقدم نحو المفرق، فقطعوا عليهم الطريق عرب المنطقة بواسطة سيارتين الى ان تزاحمت السيارات واصبح العدد حوالي (30) سيارة ، ثم جاءت قوة كبيرة من الدواعش وسيطروا على المفرق، أنزلوا الرجال من السيارات وقتلوهم جميعا وكنا نشاهدهم وهم مقيدين، ثم شاهدناهم بواسطة الناظور (الدربين) لنتأكد منهم ، وتم قتلهم على ثلاث وجبات، واخذوا النساء والاطفال الى جهة مجهولة، وبعدها جاءت الية حفر (شفل) ودفنتهم.
ويقول سالم قاسم كرمز مواليد 1978 : لقد رأينا الدواعش جلبوا ثلاثة أشخاص من الايزيدية وأجلسوهم في المفرق وقاموا برشهم بالبنزين واحرقوهم أحياءً وذلك في يوم 3-8-2014.
من يوم 3- 8- 2014 الى يوم 7 منه، شن الدواعش العديد من الهجمات على قرية كرمز لكن جميع محاولاتهم باءت بالفشل الذريع نتيجة صمودنا.
وأضاف: كنت متسلحاً على التل يوم 7-8 هجم علينا من ثلاث محاور وبقوة كبيرة (مفرق حردان من الجنوب ، خران شمال شرق، وخرفان جنوب شرق ) وقاومناهم ولم يستطيعوا دخول القرية ثم جاءت المدرعات الحديثة، وكانت اسلحتنا خفيفة، وقد كنا نصيب المدرعات بعيارات الرباعية (الدوشكة) لكن لا تؤثر فيها ، وقتلت عداد المدرعة (الرامي).

في تلك الايام كانت اتصالاتنا مستمرة مع جماعة (بيري أورا وقاسم ششو) والتحق بنا للمساندة كل من (خضر حجي قاسو من زورافا وحميدي شمو روطو من كوهبل) بعد ان اسكنوا عوائلهم في مخيمات دهوك.
وبعدها أتت قوة كبيرة من تلعفر وتساندها المدرعات والمدافع ومجهزة بالاسلحة الثقيلة واستعلموا تلك القدرات لاسقاط قريتنا لذا أدركنا اننا لا نستطيع مقاومة المدرعات، لعدم امتلاكنا القذائف ورباعيات 12و 14 ملم، والاسلحة المضادة للدروع ، فأمرنا السيد بابير كرمز بالانسحاب الى الجبل فوق القرية وذلك في الساعة الرابعة مساءً، وحينها كانت عوائلنا على مقربة من عين قرية (باخليف – تقع بين مزاري بيري اورا وقرية كرمز) والتحق جلال كرمز بالمقاتلين في مزار شرف الدين، بينما التحق بابير وخلف بالمقاتلين في مزار بيري اورا.
وأكد لنا المقاتل خالد فرسان كرمز عندما سحبنا من القرية والتحقنا بعوائلنا على عين باخليف وصلت قبل الجميع لاشرب الماء وفجأة رأيت همرات الدواعش وصلوا الى التلال ورموا علينا بالرباعية، يبدو معهم عرب المنطقة لمعرفتهم بجغرافية المنطقة، وجماعتنا قد جاءوا من جهة القرية وضربوا سيارة الهمر لذا انسحبت تلك القوة من التلال.
ومن جانبه أكد لنا عيسى قتو كرمز: عندما أطلقوا علينا الدواعش بالرباعية استشهد شابان من أهالي باخليف وهما (طارق درويش حسن وبركات حتو حسن) على عين الماء.
أما علي قتو كرمز فقال : جئنا الى مزار (بيري اورا) ومن ثم الى مزار شرف الدين مشيا على الاقدام وكانت أيام صعبة جداً وبقينا هناك عدة أيام مع عوائلنا لعدم امتلاكنا السيارات كي نوصل عوائلنا الى كوردستان ( حينما انسحبنا من قرية كرمز بقت جميع سياراتنا واستولى عليها الدواعش) واتصلنا بالسيد خضر صبري كرمز وجلب لنا السيارات ونقلناعوائلنا الى كوردستان.
قرر بابير كرمز وخلف فرسان كرمز وجلال قتو كرمز البقاء في مزار شرف الدين مع القادة قاسم ششو وحيدر ششو لمقاتلة العدو.

وقال عادل تتو كرمز: بعد وصول العوائل الى كوردستان، التحق (ششو فرسان كرمز، خالد فرسان كرمز، عادل تتو كرمز، كني خشمان ، عيدو شرو) الى مقاومة الجبل.
ومن جانبه تحدث لنا المقاتل ششو فرسان كرمز: ذهبنا الى المرتفعات الجبلية لقرية كرمز في إحدى أيام من شهر أيلول 2014، بأمرة المقاتل بابير كرمز كي نهاجم على نقطة الدواعش في مفرق حردان وكان معنا كل من ( جلال قتو، عيدو شرو، يونس كتي، وسبعة من مقاتلي p k k) ودارت الاشتباكات بين الطرفين، ذهب جلال قتو كرمز مع مقاتل ومقاتلة من البككا عبر الوادي الذي يربط الجبل بالشارع العام كي ينصب كمين للدواعش ولسوء الحظ قبل وصولهم الى الشارع العام بـ (100)م انفجرت عليهم عبوة ناسفة، فاستشهد المقاتل والمقاتلة من البككا وأصاب جلال بجروح خفيفة ، وحينما سمع دوي الانفجار هرع قوة الدواعش الى المكان واستولت على جثث الشهداء، وعاد جلال الى الجبل، وزادت قوة الدواعش فانسحبنا الى مزار بيري أورا.

واضاف المقاتل ششو فرسان كرمز : في صباح احدى الايام قامت مفرزتنا بأمرة (بابير كرمز) ومشاركة المقاتلين (ششو كرمز ، عيدو شرو) بنصب كمين للدواعش في مناطق قرية كرمز ونراقب تحركاتهم في مفرق حردان، فرأينا أحد الدواعش يستيقظ من النوم فوق الربية فاستهدفه بابير كرمز وقتله في الحال، وفي العديد من المرات كنا ننصب الكمائن في قرية الكولات وبالقرب من سيطرة أم الشبابيك ومعمل سمنت سنجار لاستقبال المخطوفين والمخطوفات الهاربين من مخالب الدواعش، واستقبلنا أكثر من (300) رجل وامراة وطفل من الذين كانوا يأتون من تلعفر والمناطق القريبة من سنجار.
وتابع ششو حديثه: جئنا كمفرزة كي نهاجم على مفرق حردان وحقول الدواجن وكان المقاتل (خلف فرسان كرمز) يحمل قذيفته ومعنا مجموعة (سيدو عزيز – أبو طارق- ) وبقى جلال قتو كرمز في شمال قرية كرمز يتابع حركة الدواعش بواسطة الناظور (الدربين) ويزودنا بالمعلومات، واشتبكنا معهم لعدة ساعات فانهزمت سيارات الدواعش بإتجاه الشرق، فأراد سيدو عزيز التقدم نحو الحقول فحذره جلال قتو بأنه يرى حركة الدواعش المتبقين داخل الحقول، وقتل (8) من عناصر الدواعش في تلك المعركة.
وقال المقاتل سالم قاسم كرمز :جئنا نحن الخمسة يوم 21/11/ 2014،ورفعنا العديد من الالغام ثم دخل زملائي الاربعة الى مخزن دار (امين قاسم) مدير مدرسة القرية، كان هناك خزان فانوني (مخصص للحليب) فحينما فتحها انفجرت العبوة المزروعة بداخله واحترقت الغرفة باكملها، وكنت في باحة الدار، واصبت حينها وكنت مدميا فصعدت السيارة مسرعاً لان اصابتي كانت حارة، فظننت باني سوف اموت هناك .
واضاف: لا أدري ما الذي حدث بباديء الامر، عندما أحسست بنفسي ورأيت أنا بعيد عن الدار (100) م فلم أجد أحداً قريباً مني، فناديت بأعلى صوتي (جلال…. اسماعيل….) لكن لم اسمع رد أحدهم فأدركت بان مصيبة كبرى قد حلت بهم.

ووصلت الى مفرق حردان وابلغت القوة المتواجدة هناك بالحدث، فتعجبوا من أمري كيف وصلت بالسيارة الى هنا سالماً وانا أنزف دماً من جروحي (لو لم أكن مرتدياً الدرع الامريكي لاحترقت أيضاً) لاني كنت بالقرب من الغرفة وقت الانفجار، ثم اتصلنا بقاسم ششو المتواجد في مزار شرف الدين، وأنقلوني الى مستشفى الطوارىء في دهوك ورقدت فيها شهرين للمعالجة واجريت لي عدة عمليات جراحية.
استشهد كل من (جلال قتو كرمز – أحترق جسده كاملاً- ،اسماعيل بولو الرشكاني، وزيدو خديدة من أهل مجمع تل عزير)، وأصاب المقاتل (ششو فرسان كرمز) فاوصلوه الى مستشفى دهوك، واجريت له عدة عمليات أيضاً، فتعافى والحمدالله.
توفي البطل بابير كرمز يوم الخميس المصادف 19-12-2014 في مزار شرف الدين أي قبل تحرير ناحية سنوني بيوم.
ويقول المقاتل (مراد شرو حسين مواليد 1982):
كنت في أكثر المعارك مع الشهيد بابير كرمز، وكان للشهيد خلف كرمز وجلال كرمز دور رئيسي في الدفاع عن مزار شرف الدين وشارك في قتال الدواعش في العديد من المعارك التي دارت رحاها بالقرب من المزار، لكون جلال كان قناصاً ماهرا في رمي قذائف الهاون، وجميع المقاتلين يشهدون بدوره، وكنت معه في محور شنكال حينما أصبح آمراً للسرية في الصولاغ، وكان في مقدمة المقاتلين حينما تقدمت القوات نحو تحرير شنكال، واستشهد يوم 13-11-2015.
وفي احدى المعارك على مزار شرف الدين، القوات الايزيدية أصبحوا في موقف حرج لتقدم المدرعات نحوهم فاستطاع (خلف كرمز وجلال كرمز) بالتوجه لضرب المدرعات، فاصاب احداهن وأحرق عجلة ثانية بقذائف الهاون، واندحرت قوات الدواعش وانهزموا في تلك المعركة.
وفي معركة أخرى تقدمت مدرعتان، فلم يكن يفصل بين الشهيد خلف جلال والمدرعتان سوى جدار واستطاع أن يهزمهما.
واضاف المقاتل مراد: خلال اربعة أشهر كنا في المرتفعات الجبلية فوق قرية كرمز وتدار بيننا وبين الدواعش معارك، قوتنا بقيادة بابير كرمز، وفي احدى الايام ابلغنا بان العدو قد وصل الى منطقة (خرابى تيرا) في الجبل، فتقدمت قوتنا (بابير كرمز، مراد شرو، وشمو الفقير ال ميرزو بركات آدي ، وشيخ حسن مجيور بيرى اورا وآخرين)، وحسب قول بركات آدي كان تعداد العدو (27) إرهابياً، فتمكنا من قتل (24) منهم.
وفي معركة أخرى بالقرب من قرية كرمز، استطاعت قوتنا من إعطاب (8) عجلات وقتل (4) ارهابيين ثلاثة منهم من عائلة واحدة، هذا ما اكده لنا أحد الاشخاص من القرى العربية القريبة منا بعد ان اتصل مع احد مقاتلينا (جلال قتو).
وفي معركة مفرق حردان، التحق بنا جماعة (صالح عيسى هادي الداود) واصبحنا (12) مقاتلاً كل ستة في مرتفع ورمينا عليهم في المفرق، وقتلنا منهم ستة.
وذات يوم جئنا أنا وبابير من بيرى اورا الى هذه المرتفعات، وعثرنا على أحد الارهابيين يود التسلل الى الجبل وتنفيذ عملية ارهابية، فقتلناه.
وفي المنطقة الجنوبية لمنطقة مهركان (جنوب مزار آمادين)، فيها اعداد هائلة من سيارات أهل شنكال مركونة هناك، ويأتي الدواعش لأخذ جزء منها يومياً، تقدمت قوتنا الى هذه المنطقة والمكونة من (بابير كرمز، مراد شرو، شمو الفقير، شيخ حسن، غازي) يوم 17- 9- 2014، بقى (بابير وشمو) في المرتفعات للحراسة، ونزلنا نحن الثلاثة الى الاسفل وكنا متسلحين بأسلحة (b k c) وكان وقت الصلاة ورأيناهم في صلاة جماعي بين السيارات، وفجأة رمينا عليهم، فانهزموا نحو خيمة قريبة منهم، فاستهدفنا تلك الخيمة، ولم ندعهم أن يخرجوا منها، وفي اليوم الثاني اتصل أحد ابناء تلعفر بالسيد (احمد شهوان) قائلاً له: تم قتل أمير مع (15) من مقاتليه في تلك الخيمة.
واضاف المقاتل سالم قاسم : كان للشهيدين خلف وبابير دور مميز في المعارك، لانهما ارادا الشهادة في سبيل الدفاع عن الارض والعرض، وشاركا في أكثر المعارك وكانا في المقدمة عند الهجمات على العدو، فكنت أقول لخلف لماذا تتقدم على العدو وانت مرفوع الرأس فعليك أن تنحني بقامتك اثناء الهجوم، فرد قائلاً: والله من المعيب أن أنحني أمام عدوٍ فاسق .
عندما وصلت المدرعة عند دار حيدر ششو في مزار شرف الدين استطاع خلف كرمز من قطع رأس عداد المدرعة بواسطة قذيفة هاون.
وفي معركة أخرى هجم الدواعش علينا للثأر وكانت قوتنا بقيادة حيدر ششو واستشهد حينها (حواس) واذاع العدو خبر مفاده بانهم قتلوا (قاسم ششو) لان جثته كانت تشبه جثة الأخير، وكان للشهيد خلف دور مميز في تلك المعركة ، وبذلك استطاعت قوته من الانسحاب بخسائر قليلة.
وفي احدى المرات هاجم الشهيد خلف على نقطة للعدو بالقرب من معمل سمنت شنكال (شرق المركز) واستطاع اسقاط النقطة.
وفي يوم استشهاد خلف كرمز أكد السيد رئيس أقليم كوردستان مسعود بارزاني لأحد أبناء عائلة كرمز (نحن نفتخر بأمثالكم وجبالنا شامخة بشجاعتكم) ، وفي محاضرة للمقاتل حيدر ششو في المانيا أكد على نضال أبناء قرية كرمز ومقاومتهم للعدو في تلك الأيام الصعبة.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
