كيف نجوا أهالي قرية الحاتمية وهم محاصرين ؟
الباحث/ داود مراد ختاري
في الثالث من ذلك الشهر (آب -2014) بدأت المعارك في كرزرك وسيباشيخدر من الساعة الثانية بعد منتصف الليل الى السادسة فجراً وعند تل قصب وعين الغزالة لحين شروق الشمس، لم تحصل معارك في قرية الحاتمية ، لكن في القرى المجاورة لها صارت معارك كثيرة، نتيجة تلك المعارك انسحب الايزيدية منها، بعدها سقطت المنطقة كلها.
وعن كيفية نجاة أهالي قرية الحاتمية جنوب شنكال بمسافة 18 كم ، تحدث السيد حسين برجس أوسو مختار القرية قائلاً: بقينا محاصرين في قريتنا، ولم تحدث لدينا أية معركة تذكر في الحاتمية، خرجت أكثر من مائة شخص من كوجو الى الجبل وحينها جاءت قوات داعش وسقطت شنكال في يدهم، ولم يستطيعوا اهل كوجو الوصول الى الجبل، وبعدها انحصرنا نحن وقرية كوجو، وسمعنا بالمجازر التي حصلت في قنى والمناطق الاخرى. جاءت قوات الدواعش إلينا في عصرذلك اليوم ، كان أحد امرائهم (أبو حمزة الحميدي) وبمعيته عدة سيارات، جلسوا معنا في المضيف وقالوا بأنهم لم يأتوا الى هنا إلا لكي نرفع الظلم عنكم، واعطاني رقمه اذا أضر بنا أحدهم، في عصر اليوم التالي طلبوا أسلحة الشرطة والعسكرين، فسلمناهم الأسلحة الخفيفة ولم نسلمهم الأسلحة المتوسطة والمسدسات، في اليوم التالي جاءوا وطلبوا منا أن نتحول الى الأسلام، وقالوا بأنهم سيفتحون حتى روما، كذلك قالوا بأن قتل الايزيديين ومالهم حلال، لأنهم ليسوا أهل الكتاب حسب زعمهم. وأشترطوا في عدم التعدي علينا بأن نسلم على يدهم.
قلنا له لقد جاء في القرآن الكريم (لا أكراه في الدين)، وأئمتكم في المنابر يقولون (لقد اوصى الرسول بالذمية قبل المسلمين وكان جاره يهوديا مريضا فيزوره كل يوم)، لكنه رفض كلامنا، فطلبنا منه أن يتعامل معنا كما تعاملوا مع اليهود والمسيحيين في الموصل ، ونسلمكم ما نمتلك من الذهب والمال والعفش ودع شأننا، لكنه أكد على أحقيقتم في قتلنا وسبي نساءنا في حالة عدم الدخول الى الاسلام.
يوم الخميس أبلغونا بأنهم سيأتون الأحد، علينا ابلاغ القرية كلها بأنها سوف تغير دينها الى الاسلام، تشاورنا فيما بيننا وقررنا عدم القبول بالأمر، لكننا لم نكن نستطيع أخراج الكل من القرية، فعندنا نساء وأطفال ورجال معوقين لا يستطيعون السير كثيرا.
حين زارنا (أبو حمزة الحميدي) مع جماعته كان بمعيته (دخيل إبن كوتي) أيضاً، وقال لنا أبو حمزة “هذا من جماعتكم”، وقد تحدث الينا كي نغير ديننا ويصبح إمام القرية، إبن كوتي كان قد أسلم قديما، وقال: عندما تحول من الديانة الايزيدية الى ديانة الاسلام بقت والدتي سبع سنوات ايزيدية ثم تحولت أيضاً. وأعطي لنا المجال بأمل أن نصبح مسلمين.
في يوم السبت كنا حوالي خمسمئة رجل، ومئة وخمسين رجلا قدم من شنكال إلينا، تشاورنا وقررنا عدم الرضوخ لهم، واخبرت أحمد جاسو وسعيد جزا وشيخ خشو وجاءوا الينا من قرية كوجو، فقلت لهم : هؤلاء يطلبون منا الدخول الى الاسلام وحينها سيطلب منا التحدث عبر شاشاة التلفاز والانترنيت أن نطلب من أهل شنكال بالنزول من الجبل وبعدها سيأخذون فتياتنا للزواج منهن ثم يطلب منا الجهاد كمقاتلين والانخراط في معسكراتهم، فمن الافضل ان نرَ وسيلة للهروب والنجاة من هذا المأزق والعار الذي سيلحق بنا.
وبعد التشاور عاد كل من احمد جاسو وسعيد جزا الى قرية كوجو عصرا بينما بقى شيخ خشو في الحاتمية، بعد اربع ساعات اتصل بي (يوسف -ابن عم أحمد جاسو -) باكياً وقال: لدينا حوالي اربعين شخصاً من العجزة لا يستطيعون المشي كيف نبقيهم تحت رحمة الدواعش، فقلت له: اذهب الى أحمد جاسو وسعيد جزا وهما يعلمان بتفاصيل القضية .
في المساء خابرني شيخ شامو وقال بأنه الآن في حضرة أبابكر زيباري رئيس اركان الجيش العراقي، وقال بأن الطائرات ستقوم بقصفهم غدا في تمام الساعة العاشرة، أثناء القصف عليكم الصعود الى سياراتكم والخروج من القرية.
فقلت له: قبل يومين اتصل بي ابني قاسم (البرلماني السابق) وقال أنا الآن عند وزير الداخلية كريم شنكالي وغداً ستقصف الطائرات نقاط الحراسة في القرية واخرجوا بسياراتكم عند القصف ، حضرنا السيارات وتهيأنا ولكن لم نرَ الطائرات.
في اليوم التالي في الساعة الثامنة صباحا خرجنا سيرا على الأقدام وتركنا سياراتنا في القرية، أنقسمنا الى قسمين، قسم سيذهب عن طريق غرب شنكال والقسم الأخر في شرق شنكال، في حالة تعرض قسم الى الخطر فالقسم الاخر يصل الى المنطقة الآمنة ، طول المسيرة (الرتل) لكل منا كيلو متر، وطلبت من الجميع بغلق الهواتف المحمولة، ذهبنا حتى قطعنا شارع بليج، دخلنا وادي عميق عند مزار آمادين حتى قطعنا شارع الموصل، فقمنا بمجموعات صغيرة بالتسلل الى جبل شنكال، لم يتبقى معنا مياه الشرب، رتلنا كان طوله ما يقارب الكيلومتر، وجدنا في أحدى الوديان تراكتر متروك يحمل خزان مياه، كان ملئيا. أجتمعنا حول التانكي حتى وصل الجميع، قمنا كذلك بتعبئة العبوات البلاستيكية كاحتياط معنا، كنا حينها في امادين، وهي تعد منطقة خطرة وقريبة من الطريق وداعش كان يصل اليها، وفي المساء كان القمر بدرا وضيائه قوي، فقررنا عدم البقاء هنا، فسرنا، حتى وجدنا كورة كانت مناسبة للمبيت، مسيرتنا استغرقت ثماني ساعات، في فجر اليوم التالي قمنا كي لا نتعرض للشمس والعطش، توجهنا نحو مزار (شرف الدين)، في الساعة الثانية عشر ظهرا وصلنا المزار، قامت مجموعة (شيخ اسماعيل بحري – مجيور مزار شرف الدين -) باطعامنا هناك مشكوراً. وطلبنا سيارات من دهوك، فجاءت وصعدناها من مزار شرفدين وعن طريق (دوكري) عبرنا الحدود السورية ـ العراقية، من الجهة السورية حتى وصلنا الى نهر الخابور ودخلنا الأراضي العراقية مرة اخرى.
فهربنا خلال تلك الأيام المعدودة التي أمهلنا بها.
وقال السيد خشو: حينما كنت في قرية كوجو جاءنا اميرهم (ابو حمزة الحميدي) الى المضيف، رأى الناس يقبلون يدي فأدرك باني شيخ الطريقة فطلب مني ان أقنع الناس بالدخول الى الاسلام، فحينما وصلت الى قرية الحاتمية لم اعود الى كوجو مرة أخرى خوفا من الامير.
واضاف شيخ خشو : بان احد جاسو قد وافق على الخروج من قرية كوجو مع أهل الحاتمية ولكن عند عودته لم يوافق أكثر وجهاء القرية بالهروب وترك العجزة والمرضى تحت رحمة الدواعش، فخضع أحمد جاسو لكلامهم، وبقت كوجو تنتظر رحمة من الدواعش أن يتعامل معهم كما تعاملوا مع أهل الموصل في بداية دخولهم لمدينة الموصل في 10-6-2014، حيث خرج المسيحيين وتركوا المدينة بملابسهم فقط.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية
