أكتوبر 23, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

قصص من كارثة شنكال….(103)

قصص من كارثة شنكال….(103)27

ما استطعنا من دفن جثث شهداءنا هو دفن اسنان زوجي.
كيف استطاع (طلال مراد محمود ال خرو) ” الفرار من فكي الموت ” ؟
الشاب الوسيم الذي كان بدأ للتوء رحلته للنضوج  ولم يدخل مسامعه سوى هلاهل واغاني الفلكلور الشنكالي , ولم ترَ أحداقه سوى الورود التي كان يتزين بها جبل شنكال..طفولة تمايلت بين رقة الحياة وعذوبة التوافقات الاجتماعية في أسارير الحياة الشنكالية البسيطة وأحلام لا ترتقي لأكثر من خبز حار في الصباح من يد أمه العطوفة..

ورفيق مشاغب يشاركه في طريق المدرسة، لفتة من ثنايا ارضه المتوردة بانفاس التين وانعكاسات غيوم التفاؤل في مهجة الجبل المسن ووجه الشمس التي تشرق كل صباح صيفي جميل في ربوع الريف الشنكالي البهيج، شمس تحرق الهموم وتبعث نورها في اعماق مشاعره وكأن الشمس له وحده وذات ظلام هاجم الليل صباحات قريته النائمة، وتناقلت ايادي الموت هدوء قلبه السامي، فتحت عيناه المهالك، على جحيمٍ غارق في المهانة، سواد الأرواح يكسو انعتاقات النفوس فيتضرع الخوف والتهجير نبضات شنكاله وبات للمستقبل في منظور اشلاء احلامه صورة من انعدام الحياة ، احلامه التي اصبح من المحال ان يقيس القدر اوقاتاً لتحقيقها.

“داخل الغرفة المختنقة”
كان طلال مع حوالي عشرين اخرين من اقرباءه المحاصرين والمعتقلين داخل منزلهم الذي يطوف حوله بستان المثمر بمصدر رزقهم الوحيد  وعلى غفلة اسرع من الصاعقة وصل جيش من مخلوقات غريبة اذ لحياهم تصل اقدامهم وكانوا يفتقدون الى شوارب الرجولة وتفوح منهم رائحة الوحل القذر وبراز الخنازير وعلى أفواههم آثار الدم الحديث السائل من جهة ومن الجهة الأخرى آثار الدم الذي مضى عليه اكثر 1400 سنة . خارج الغرفة ,التي كانت تحوي في باطنها المختنق ( طلال واقرابائه ) , كان هناك رجلا تائها وعيناه تمشط المنطقة بحثا عن عائلته وبحثا عن السرب الذي انقطع به السبل  , وفور وصول الجيش القذر ( التنظيم الاسلامي ) فرغوا في رأسه وابلا من الرصاص و سيلان دمه الحار الطاهر سقى ارض شنكال . الاسلحة البريئة التي لم تفارقها الرصاص بوجه كائن حي في بيت ( طلال ) كانت موضوعة بالقرب من الباب , دخل احد جنودهم على الغرفة وهددوهم بالقتل اوالموت ( الاسلام ) وبعدها ببرهة دخل آخر واذ بلغة كريهة ( العربية ) سلب الجميع من كانوا في الغرفة من ممتلكاتهم ( سجائر , هواتف , المال ,مفاتيح العجلات …) . ثم دخل الثالث بالتوالي وكالعنكبوت التي علقت فراشة بخيوطها وهذه المرة تكلم بلغة تبدو مألوفة وقال ” بجيكا ژناف ده رخينن ” اي ” أخرجوا الصغار من بينهم ” كان خنزيراً  كردياً وبالفعل أخرجوا حوالي (10) أطفال ومن بينهم شقيق طلال الصغير .

” محاولة للتحاور مع الملطغ بالدم ”

“لم يكن لدينا أدنى عما كان بإنتظارنا ولكن عندما شاهدنا مشهد الرجل الغارق في دمه أمام عتبة الباب كان المصير واضحاً ”  قال طلال , عندها داس عمه على وقار سنهِ كمحاولة للتحاور مع احدهم لعلى وعسى ان ينقذ روحاً  وحاول ان يجعلهم يدركون بأن طلال وأقربائه مجرد فلاحين مساكين يسقون الأرض بعرق جبينهم لكسب القوت اليومي, ولكن رد عليه أحد عبيد شريعته بسخط واستهزاء ” سوف ندعكم وشأنكم حالما تدخلون الاسلام, واتى عم طلال وبدأ ابتسامة الأمل مرسومة على وجنتاه ولانه قد ساء فهم كلمة ” الاسلام ” بكلمة متناقضة الا وهي” السلام” , ولكن سرعان ما صححه أبي وقال : ” انهم يقصدون الدين” .. فرد جميع من كانوا بالغرفة بالرفض القاطع , عندها قال احد جرذ الخلافة “أصمتوا لقد تم الامر”.
“المشهد المريع”
بعد ان رفض طلال وآخرين ترك الحضارة (الدين الايزيدي) طلبوا منهم الخروج من الغرفة المظلمة ولكن بدلاً ان يروا النور كان الظلام القاتم قد طغ على شمس ورايات السوداء مع المقنعين في كل صوب ودرب، ويقول طلال واصفا المشهد: كانت صرخات النساء مدوياً رأيتهم بأم عيني يأخذون  حوالي 29 إمرأة بوحشية في سيارة أبي وسيارة عمي من نوع (Deer) ، احدى سيارات عمي لم تعمل فتركوها ثم رحلوا مبتعدين , أما المقنعين بالسواد الاخرين والمسلحين وحاملين الفؤوس في ايديهم جاؤوا الينا طلب منا أن نترك ديننا ولكننا رفضنا ”
واضاف طلال لحظات الأكثر رعباً قد يشاهدها انسان قائلاً “في باحة المنزل المتواضع الطيني كانوا يصطفون الشبان ويركعونهم على الركبة واياديهم مشدودة من الخلف وابتعدوا عنهم مسافة (7) أمتار وعندما رأى عمي المشهد قال بصوت مرتفع (اهربوووو!) ففهموا علينا وبدؤا بأطلاق النار العشوائي ” هرب الجميع في جميع الانحاء تخفى طلال ودخل مع احد اقربائه ( خالد عيدو) كوخاً ضيقاً لعلف المواشي, بعدها لحقوا بالاخرين وهرب (خالد عيدو) وابتعد قليلاً ثم لحقهُ طلال.
 واضاف: “أخفيت نفسي خلف كومة قش ثم اطلقوا عليها العيارات النارية فأضرم النار فأشتعلت كومة القش، لحق بي سيارة لخمس دقائق ثم توقفت, وبعد عناء طويل مشياً وحافي القدمين على الاشواك وفي الوديان وكان هذا حال الكثيرين .
“صمام الامان (الجبل)”
بعد صراع مع الألم الجسدي والنفسي وصل طلال مع صديقه ( خالد عيدو) الى الجبل الشامخ الى منطقة (كابارا) وقرر (خالد عيدو) الذهاب الى (تل عزير) اما طلال فلم يكن بوسع الذهاب الى اي مكان لم يكن لديه هاتف لان الإرهابيين قد سلبوا منه , ولم يكن يعرف شيئاً عن أهله حيث مكث هناك اسبوعاً ثم شد ترحاله الى منطقة ( جدالة ) حيث طلب من احد الاشخاص هاتفاً وتمكن من التواصل مع أهله بواسطة سائق كان يعمل بين دهوك وشنكال، وبعد فترة تم لم الشمل للعائلة التي لم تكن كاملة فقد علم طلال بأن بعض ابناء عمومته قد ذبحوا في المجزرة التي هرب منها وبعض فتيات أقربائة وبنات عمه قد تم اختطافهن.
اما جدتي فبقت مع ابن عمي المصاب لمدة اربعة ايام في المزرعة.

أما والدته نورا حسن علي  قالت: هجم العدو على كر عزير وخرجنا في الصباح مع أقرباءنا بسيارة شقيق زوجي وتوجهنا الى المزرعة وكان جميل جتو في دهوك حينها فطلب منا بإرسال سيارات الى عائلته وعائلة شقيقه خليل الذين بقوا في المجمع، وهم قد خرجوا مع العوائل سيراً على الأقدام ووصلوا اليهم في منتصف الطريق، كانت مجاميع العوائل الهاربة تتقدم نحو المزرعة ويشربون منها الماء.
تجمع أهل أل خرو في مزرعة بركات خرو في الساعة التاسعة صباحاً ، وتشاوروا فيما بينهم حول الخروج نحو الجبل، في هذه الاثناء قالوا لقد جاءت قوة من إرهابي الدولة الإسلامية من جهة الغرب، صرخت النساء والأطفال، طلب بركات من العوائل بالسكوت لحين عبورهم نحو شنكال، عبرت تلك القافلة الارهابية، تهيأنا للخروج نحو الجبل .
فرمان صعد على سطح البناية يراقب تحركات الارهابيين كي نخرج ، وقال : هؤلاء متواجدون عند السيطرة القديمة المتجهة نحو الجدالة ويلقون القبض على الأهالي، وتقدمت قوة أخرى من الإرهابيين نحو المزرعة ورموا على العوائل ، بدأت الصراخ والعويل من جديد، قتلوا مراد وخليل (اخوة نوفا) في بادىء الامر .
فالناس الذين كانوا خارج المزرعة أكثرهم دخلوا اليها، وهاجت البقية نحو العراء، اما عوائلنا كانوا مجتمعين في المزرعة لم يهرب أحداً منهم، دخلوا الارهابيين الى المزرعة ورأوا غرفتين ممتلئتين بالنساء والفتيات فضحكوا، البعض منهم كانوا يتحدثون مثلنا بالكردية لهجة شنكال ومجموعة بلبس الدشداشة والنعال كأنهم رعاة، وآخرين أصحاب اللحى الطويلة وملابسهم تشبه ملابس الأفغانيين، ويقودهم رجل ضخم أجنبي.
بعد أن تشاوروا جاءنا رجل كردي قائلاً: لتخرج الفتيات من بين النساء المتزوجات، تعالت أصوات الصراخ بين الفتيات والنساء، وكل فتاة أحتضنت أمها ، بعدها شهروا أسلحتهم نحونا طلبوا من النساء الخروج من الغرف، فعندما خرجت كانت ابنتي متماسكة بذراعي وتوسلت بالرجل الذي كان واقفاً على الباب فضربني بأخمس السلاح على ذراعي ودفع ابنتي الى الغرفة.
 دخلوا النساء الى غرفة اخرى كان مجموعنا ( 28) إمرأة، بينما الفتيات حوالي (30) فتاة ، بعد ربع ساعة خرجوا الاطفال من غرفة الرجال ووقفوا عند باب النساء، فقالوا لنا: الان يحملون الفتيات بسياراتنا فكل شخص إرهابي يأخذ من يدها وآخر يشهر السلاح بوجهها ويحملها بالسيارة، بعد عشرة دقائق سمعنا صوت السيارات بالخروج ، طلبنا من الأطفال معرفة هل بقى منهم أحد؟ فأكدوا لنا بان مجموعة منهم عند باب غرفة الرجال، ولم تمر خمس دقائق حتى سمعنا هروب الرجال والرمي عليهم، تعالت الصراخ في غرفة النساء وهجمنا على الباب كي نفتحها ثم رموا على الغرفة بقذيفة هاون فقتلت إحدانا اسمها (عيشان).
 خلعنا الباب، وركضنا على الجثث وجميعهم في السكرات الاخيرة، كل واحدة منا على جثة زوجها، وجاء ابن معي وقال: انه حي لم يموت بعد ، فقلت له: هكذا هو المقتول في اللحظات الاخيرة يتنهد، خرجت اسنانه من فمه.
بحثت عن ابني طلال لم اراه، رميت حذائي وركضت كالمجانين نحو المزرعة وأبحث عنه بين الأشجار وركض ورائي ابني الصغير، وأصرخ وأنادي (طلال… طلال…) لا أحداً يستجيب، رأيت من جهة الغرب بان النار يشتعل في كومة قش حوالي ( خمسة عربات تركتر) فقلت لابني هيا نحو النار يبدو ان طلال أختبأ في وسط القش والارهابيين أضرموا النار فيه تقربنا منه لكن الكلاب منعونا من التقرب، حاولنا دون جدوى، في هذه الاثناء نادت علي ابنتي الصغيرة بان اختها الصغيرة قد أغمى عليها أمام جثة ابيها، طلب مني ابني لنذهب عند جثة أبي اذ كان طلال بين القش فقد أحترق ما جدوى من بقاءنا هنا.
وقالت ابنته (سوزان) : لقد جمعت أسنان ابي عندي.
وأضافت نوري : أخذت الاسنان من سوزان ووضعتهم  في منديلي، ودفندتهم عند الحدود السورية العراقية، وما استطعنا من دفن جثمان شهداءنا دفن هذه الاسنان.
خرجت أكثر النساء نحو الجبل ، بقيت هناك لكن حماتي (غزال قاسو) طلبت مني بالخروج مع النساء وانا سأذهب الى السيد (خديدة حسين بشار الزينديني وسعيد عنزي) ليدفن هذه الجثث في مقبرة مزار شيخ مند.
وكان لنا أحد المصابين حاولنا انقاذه لكننا لم نستطع لتورم ارجله، تم الاتصال بأحد الخيرين فأوصلوه الى مستشفى شنكال ومن بعدها  فهو في مصيرٍ مجهول.
تم خطف (25) فتاة و(7) نساء من عائلتنا ، وابنتي (نازدار مراد محمود) كانت طالبة في الثالث المتوسط، منذ يوم خطفها تحدثت معها ثلاثة دقائق فقط ، ويقال انها انتحرت (رمت بنفسها من فوق سطح بناية)، بعد ان علمت سيتم اغتصابها.  
أما ابني طلال أعلمت بأنه على قيد الحياة بعد ثمانية أيام .
وبقينا في الجبل (11) يوماً كنا في الجدالة وعند مزار شيخ مند.
حاول عم زوجة بركات حمل الجثث في عربة التركتر بعد أيام لكنه لم يستطع لوجود تفسخ في لحوم الجثث، استطاع أن يدفن جثة شقيقه شيروان سعدون عيسو ، وهرب شقيقه الآخر زيدان سعدون عيسو من المذبحة.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi