الباحث/ داود مراد ختاري
الكاهل طاعن في السن بين براثن العصر
وزاد تشبثاً بالجبل الأسمر ,لكن ذلك لم يكن كافياً ليخلصه من براثن العصر , عباس رغم كبر سنه لم يهرب ليعبر الفيضان الذي أتى ليقضي على الأنام هناك حيث يعيش الشيخ الكاهل مع بني جلدته (عباس حمد عباس سنجار –تلــ عزير – من مواليد/ 1927) , لكنه لم يرضخ للطوفان وقرر أن يجتازه رغم أن كبرياءه سال منه الألم فيما بعد …
ولمس الجبل روح عباس قبل أرجله هناك حيث التواءات على مقربة من رأس جبل شنكال , تلك كان بداية واقع الطاعون على المرء .
واخذوا عباس إلى شنكال المدينة هناك حيث بضعة من الآلاف من أبناء بني جلدته ينتظرون لأمر شريعة الطاعون , حيث قرروا أن يهينوا الشيخ الكاهل حيث هناك راية الكورد ساقطة على بوابة بناية أمنية هناك , رفض عباس أن يدنس بأرجله ويدوس على الراية تلك , العجوز الكاهل لم يتوقع ما سوف ينتظره بعد أن خضع لكبريائه ومبادئه التي لم تزل تجري في عروقه , حيث لم يذهب برهة شدوا عباس من أيديه وحجبوا أعينه ورفعوه ليوقعوه أرضا على خردة من مخلفات من حديد هناك بكل قوة ودمٍ جامد في العروق لم يبقى عظماً في جسده كما هو , حيث حطموا ظهره على وقع ساقطا على الحديد !
ونقلوا الكاهل مع الآخرين من مَنْ هم كبار في السن و معاقين جسدياً إلى احد سجون قضاء تلعفر في غربي مدينة سنجار على بعد ما لا يقل عن 50 كم- رغم الألم والحر الذي اهلك الشيخ الكاهل لم يمت ,حيث عانا من الم تحطيم ظهره كثيرا وتحولت نبرة صراخه إلى أنين و أزيز يكاد لم يكن هو يسمع صوته ليناجي الضمير !
لم يكن واقع السجن إلا زيادة في المعاناة حيث بقوا هناك ثلاث ليالي من دون مأكل أو غطاء لنوم ,… العجوز الكاهل لم ينم البتة حيث أصبح أنينه نوعا من الأرق الصامت ورسالة تصل الأرض بالسماء .
بعد مرور الفترة تلك نقلوا العجوز مع بقية الباقين من الكهولة من السجن إلى إحدى قرى الجانب الشرقي من مدينة تلعفر لم يكن عباس ليعلم اسم تلك القرية التي ههجرت أهلها أيضا لولا الغزو الطاعوني لأرضه سنجار, حيث بعد ليالي صماء رُفِعَ صوته صوت الشيخ الكاهل صوت عباس العجوز بين فوضى الألم وسمع عباس انه في قرية تسمى “بكسر المحراب” !
حيث قضوا في تلك القرية أشهر في الأسر والمعاناة ولم يمكث عباس كالباقيين من الكهله إذ بقى معاقا من الم الذي أصاب ظهره والذي تحول عبر الجسد ليغرق جسده كليا وليحوله إلى جسدٍ من دون نفسٍ أو حياة !
والشيء الذي زاد من ضخامة الآم العجوز أنه رأى الطاعون يهلك كل براءة فتاة ويدنس الشرف المقدس إمام أعينه التي تبصر دون مشيئته في هذه المرة .
تمنى الموت لكن لم يشتهي الموت جسده السقيم , رغم وجوده في تلك القرية بكل لحظة ودقيقة .
بعد شهور من الألم المدوي صوته لأعماق ذاته الجريحة نقلوا عباس مع عدد كبير من الكهولة إلى الموصل أم الربيعين الموصل الحدباء التي غزت من قبل الأعداء ليمكثوا هناك في الأسر , ورأى عباس الشيخ العجوز أن الدولة الإسلامية يأسرون عدد من الشباب والرجال في سجون تحت الأرض في الموصل وكان بينهم احد أقرباءه “حسن” ابن خاله الذي لم يسكت على الباطل الأمر الذي أدى به إلى القتل من بربر دولة الإسلام , وروا العجوز الكاهل عن حديث إحدى الفتيات الإيزيديات والتي تزوجت من قبلهم بقوة شريعة الطاعون والتي أتت لتزور أهلها في الأسر حيث قالت : إنني رأيت عدد ما لا يقل عن (300) ثلاثمائة شاب إيزيدي في إحدى سجون دولة الإسلام في بلدة “قيارة ” ونتيجة ضعف الإدراك لدى عجوز الكاهل لم يتذكر ليسألها عن أي تفاصيل .
رأى عباس خلال فترة الأسر أنهم يقتلون من يحاول أو يفكر حتى مجرد بالفرار ورأى كيف رجع عصر السبايا والعبيد وعانا من الم ظهره وألم بقية من هم من حوله ومعاناة الجوع وكبر السن.
بعد فترة قضاها عباس بالموصل سجلوا أسماء من هم معاقين وكهله والذين هم أعباء على دولتهم الإسلامية الميمونة ليخلوا سبيلهم ويرحلونهم إلى كركوك من ثم إلى إقليم كردستان ,……. وألان يعيش عباس الكاهل بين بقية إفراد أسرته ويقص قصته لكل عابر سبيل ويشكوا من الم الذي أصابه ومن الذكريات المؤلمة لما حدث لبني جدلته ….
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية