أكتوبر 22, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

مأساة إيزيدية تركيا قبل قرن في مذكرات (ميرازي) .. الحلقة (32) و(33)

مأساة إيزيدية تركيا قبل قرن في مذكرات (ميرازي)

إعداد وترجمة: الباحث/ داود مراد ختاري

الحلقة (32) و(33)

أينما حللت صوت نحيب وويلات المتشردين، الأطفال كانوا يبكون، والأمهات كانت تنتحب فوق أطفالها الرضع في المهد، الأيدي مبللة، الأقدام مبللة، والكثير منهم جياع.


طريقهم كان يمر من عندنا، المرحلين يمرون من القرية على طريق بيازيد، على طريق (ديادين) لم يكن يتوقفون، كانوا يسيرون كي ينهوا طريقهم البعيد جدا، حتى أرديش، ومن هناك لم يكن يعلنون ما الذي سيحدث وإلى أين سيتوجهون.
القرويون جميعا قاموا، بأخذ هؤلاء المتشردين من على الثلوج بدون أن يعرفوهم إلى بيوتهم، كانوا نساءً وأطفالاً، يشعلون التنانير، لتدفئة المتشردين وتجفيف ملابسهم المبللة، بعض منهم كانوا والدور يذهبون عند عرباتهم وأموالهم لتفقدها، والبعض الأخر كان بدون حمولة فقط كانوا يقومون بالتدفئة وتجفيف ملابسهم، الغنم والدواب كانت قد أختلطت، وأصوات الخراف كانت تتصاعد من القرية، وهي تتحرك من هنا وهناك، وكذلك كان صوت الدواب.
لم يبقَ في القرية بيتاً الا وذبح خروفاً، رائحة  اللحم المشوي كانت ترتفع من على التنور، البيوت امتلأت بالمتشردين، ولم يكن الوضع مستورا، فحتى الحضائر امتلأت بهم، فقط كي لا يتعرضوا للوقوف تحت الثلوج المتساقطة، ويحافظوا على ملابسهم يابسة.
خمسة- ستة عوائل كانوا قد جاءوا إلى بيتنا، أحدهم كان بيت حسن سليمان الذي لم يكن يحب الترك والبكاوات، بيت آرتيم وميلو، كانوا معارف قدماء لنا، وحسن كان صديق أبي. لقد فرشوا السجاد السميك المصنوع من الصوف، تيمور، حسن والباقون كانوا يجلسون عليها، ويتحدثون، حسن قال وهو يغير مكانه:
– يا حبيبي، قلت لهم تعالوا لا تهربوا، الروس شعب رحيم، وسوف يصفي مياهاً لشعبنا، إنهم الروس، فكونوا شاكرين لله، لأنكم سوف تتحررون من الترك. فكان علينا أن نأخذ بعض الطعام لهم، ولن يتعرضوا لنا أبدا. ومهما فعلت فلم يسمع كلامي أحد، وهم قالوا: لا، الحرب مستميتة، تعالوا نبتعد عن الطريق إلى الأطراف، لنرى بعد ذلك ما يحدث. في الماضي كنت قد قلت لهم: “في النهاية سوف ينتهي الترك إلى الحضيض، فهي غير قادرة على الروس ذوو العيون الحمراء، ساريموسكوف قد قلب الدنيا على رأسها، فلا أحد بإمكانه محاربة الروس، فهم جذور الأرض، فعند الحدوث، يستقدمون على الجثث، لكنها لا تتوقف عن الحرب، ولم يكن الكثيرون يصدقونني.
– قال تيمور:ـ لآن سيرون بعيونهم، ليصدقوا ذلك.
الكرد كانوا يريدون حكم الروس لهم، حتى أمثال محمد بك أيضا سلموا أنفسهم  للجنود الروس. محمد بك كان أحد ضباط الألوية الحميدية، لكنه لم يكن مثل البكاوات الأخرى غير متعلم ٍ، فهو درس لسبع سنوات في مدرسة إستانبول.
وكان يساعد الأرمن كثيرا، لم يكن يستحقرهم، ولم يكن أحد قادرا على الإساءة  للأرمن خوفا منه، وهو كان يحب قومه، وكذلك كان يحب الأرمن، فعندما تقدم الروس لم يهرب، لأنه لم يكن يحب الترك، وكان يرى حرية الكرد في يد الروس. لقد ذهب إلى بلدة (ديادين) وسلم نفسه للروس،  وأعطوه الأرمن مجموعة وأخذوه إلى تبليس عند نامستنيك، وبقى لأيام في تبليس، وبعدها أعطى النامستنيك جيني بولكوفنيكي لمحمد بك وعاد إلى بيته.
أهالي (ديادين) سمعوا بأن محمد بك سلم نفسه للروس، فالذين لم يهربوا بقوا في أماكنهم ولم يهربوا بعد، والذين فروا وكانوا قريبين عادوا أدراجهم.
من (ديادين) وبيازيد هرب الأفندية والآغاوات وأيضا الأتراك، بعد عدة أيام رجع حسن أيضا وذهبوا إلى (ديادين)، وبعدها صار حاميا للمدينة.
الروس جاءوا وتقدموا، القوزاق والعسكر يأتون للقرية، ولم يكن يتعرضون لأحد، وكل ما يأخذونه كانوا يدفعون ثمنه، بدون دفع الثمن لم يكن يأخذون أي شيء، وعدا ذلك كانوا يدفعون ثمن الشيء أضعافا، حتى النساء تبيع لهم السمن والجبن والحليب والقشطة، وكلما تقدم الزمن كانت الحال تتحسن وتتعدل وتحلو أكثر.
النقص كان عدم وجود مدرسة، لقد تركت الدراسة.
عند قدوم الربيع، صرت راعيا للخراف، بهذا كنت أخجل من نفسي، وكنت أفكر مرات، غاضبا: “كيف يحدث هذا، في البارحة كنت أفنديا في المدرسة، واليوم صرت راعيا للخراف”.
كان هناك البعض من الرعاة نحساً، كانوا يحاولون إغاظتي، ويضحكون علي، أحدهم كان يقول: “يا جماعة أحمد أنهى الدراسة وتخرج، خالنا قيمز وضع الحطب على كتفه”. (كانوا يقصدون أخي قيمز الذي جعلني راعيا للخرفان). كانوا يتسائلون “أين هو الحطب؟” ويجاوبون “أ لا ترى المعطف (الهبانة) على كتفه؟” والأخر يقول: “أنه معطف  رائع وجديد!” – يبدءون القهقهة ويضحكون مع بعضهم. “يا أحمد أكتب ورقة، كي أرسلها لحبيبتي”، – فيعودون للضحك والسخرية مني وهكذا كانوا يقضون وقتهم عليٌ في اليوم.
الخلاصة، بصعوبة تعودنا على بعضنا، القدماء والمنضمون الجدد للرعاة توحدوا معاً، بعد ذلك لم يكن يدعوني أذهب لإرجاع الخراف وجمعهم، فقد كانوا يجمعونها بدلاً عني، وكنت أقرأ لهم كتب الحكايات، وكذلك كتب العشق، وكنت أشرحها لهم باللغة الكردية، وقد علمت البعض منهم طرق الحساب وبعض الرياضيات، ولذلك أصبحنا أصدقاء.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi