يوليو 29, 2025

Lalish Media Network

صحيفة إلكترونية يومية تصدر باشراف الهيئة العليا لمركز لالش الثقافي والاجتماعي في دهوك - كوردستان العراق

مأساة إيزيدية تركيا قبل قرن في مذكرات (ميرازي) ـ الحلقة (28) و(29)

مأساة إيزيدية تركيا قبل قرن في مذكرات (ميرازي)
إعداد وترجمة: الباحث/ داود مراد ختاري
الحلقة (28) و(29)
في المصايف وعرس عبدالله

   توجهت إلى أمي، وإلى تلك المرابع (السهوب – زوزان) العزيزة، ينابيع شبيهة بمياه الكوثر، تلك الزهور والسوسن بأنواع كثيرة والألوان العديدة والجميلة، تلك الطيور التي تتحدث بلغات شتى، مزقزقة بكل الأشكال،

وعند الغناء، آلة البلور التي كان يستخدمها الرعاة تئن في أعماق المرء، أصوات عذبة، وصفارة رعاة الغنم، التي يجيدها الصغار قبل أن يكبروا ويستخدموا آلة البلور، وفي مضاجع البنات والكنائن (الكنات)، كانت تأتي الأصوات الحنينة الجميلة، وتلك القوافل من الفرسان المارة من المرابع (السهوب – زوزان)، المغنون ينشدون كاكا – كاكا، حافات الخيم كانت تصهر الثلوج وتنهمر خريراً في جداول، وهناك حيث كان الكبار يعلموننا ركوب الخيل، واستخدام البنادق، وعدوني بالملابس الجديدة حين يأتي الخريف وأعود للدراسة، كل هذه كانت سببا للمرح والسعادة، وأمور جذابة للغاية بالنسبة لي، لكن حبي لأمي، كان أكثر من نشوة، ويجذبني بقوة لا تقهر.
في المساء تأخرنا قليلا في الوصول إلى تلك المرابع (السهوب)، وبانضمامي إليهم أتمت فرحة أمي أكثر من الجميع.
في الصباح تأخرت في النوم، بعدما صحوت رأيت بضع فرسان مجهزين عند باب خيمة سعيد آغا، وسألت (من هؤلاء الفرسان؟) قالوا لي: “أنهم خطاب سيذهبون إلى منطقة أرديش لطلب يد بنت عثمان علي بك المعمودي وأسمها سورمه من عشيرة كالكا سيطلبونها لعبد الله بن سعيد آغا”. (ذلك عبد الله نظيري في الدراسة). لقد سألت: “أليس صغيرا؟”.
قالت أمي: – أنهم فراخ (العنقاء)( )، يكبرون بسرعة، ليس صغار الفقراء، كي يلبسوا ملابس جديدة في السنة مرة واحدة، وفي السنة يشبعون ليوم واحد، والمثل يقول (زرع الحقل باكرا، وتزويج الولد باكرا، وأخذ الحق لصاحبه بالقوة) فهل إذا كان المال وفيرا وزوج المرء إبنه سيء؟ حيث يصبح لديه أولاد بسرعة والأحفاد يزيدون… الآن إذا كان بامكاننا تزويجك لفعلنا، ليكن سيئا قدر ما شئت”. وقد غمرني الخجل لدرجة أخذت على خاطري. قالت أمي: “انظروا إليه يزعل، فلماذا أصبحت عاشقا للأسمري؟”.
الأطفال بدءوا بالضحك علينا، وأنا من طفح الخجل ذهبت خلف الخيمة، والفرسان الخطاب اتجهوا نحو أرديش.
بعد أيام كان أخي تيمور يحدث أبي عن مهر تلك العروسة، الذي أصبح مئة قطعة ذهبية، وحصان مزين، وبندقية ماوزرية ذات الخمسة الأطلاقات، وقيمتها أيضا تساوي خمسين قطعة ذهبية مع خمسة هدايا أخرى.
وكانوا يسرعون في اجراءات الزواج كي يتحقق وهم في المرابع (السهوب)، وفي الخريف سوف يعودون أدراجهم، مثلنا، وفي القرى هم بعيدون عن البعض، ولهذا كان الآغا يسرع في المجيء بكنته، كي يتحاشا برد الخريف وطول الطريق.
المهر لم يكن غالياَ عليه، لأنهم كانوا من المتمكنين وكل شيء في بيتهم جاهز، لقد أخذوا المهر، مثل ذلك اليوم الذي ظهر فيه الفرسان الخطاب. بعدها قرروا إرسال فارسين، كي يعلموا بيت أهل العروسة، بأن العرس سيكون يوم الجمعة القادم.
أحد الفارسين عاد وقال بأن عثمان يطلب حصان ممد بك المربي لديه، وإلى أن تأتوني بذلك الحصان، فلن تأخذوا العروس.
– يا تيمور، حضر نفسك، ستذهب أنت وقاسم علي إلى بيت عثمان آغا، أي حصان يريده سنعطيه، لكن الحديث عن حصان ممد بك يجب أن يتوقف، إذا قبل فليأتي قاسم إلى هنا، وسنرسل معه فرسان لجلب العروسة، وإذا لم يتوقف عن المطالبة بحصان ممد بك، فلن يكن هناك أي زواج، أخبروه بهذا، – هذا ما قاله سعيد آغا وختم كلامه.  
كان قد تم دعوة آغاوات وفرسان قبائل شمسك، قاسك، بادوي، زعفدو وقبائل أخرى، ومجموعتين للطرب والعزف على الطبل والزرناية، والرقصة الشعبية كانت مكتملة تتموج بالحركة والدوران.
في ذلك الزمن كانت بطاقة الدعوة عبارة عن تفاح، يضعون تفاحة أمام المرء، ويقول “تفضل أنت مدعوا للعرس”. وإذا كان الشخص من الوجهاء أو البارزين، كانوا يضيفون قطعة سكر. ولذلك إلى الآن هناك مقولة مشهورة بين الجماعة، يقولون “يا صاحب البطن، وكأننا أرسلنا تفاحة حمراء على إثرك”.
في كل يوم ليلا- نهارا كان يخبزون أربعة -خمسة مرات على الصاج، كانوا قد جمعوا الاواني من عدة أماكن، بالقرب من خيمة الآغا كانت النار مشتعلة للطهي عليها، الاواني ممتلئة بالأرز واللحم هي تغلي باستمرار، والجيران كذلك وحتى العوائل الفقيرة كانت قد ذبحت خروفا أو أثنين.
في الصباح الباكر كانوا يجتمعون ويبدءون بالدبكة، رقصاتهم كانت ممزوجة باللونين الأحمر والأصفر، ملابس بنات الفقراء كانت بيضاء، وهم عادة يأخذون أماكنهم في مؤخرة حلقة الدبكة، وكل من يأتي كان يأخذ مكانه قبلهم وهم يبقون في النهاية. الفرسان كانوا يذهبون لارواء الأحصنة، ويعودون لتناول الفطور، بعد الفطور كان العازفون يدقون انشودة الفرسان المتسابقين، والفرسان يبدءون بالجري، وهي لعبة سرعة الجري بالحصان، بعدها كانوا يتناولون الغداء، وبعدها يضعون الإشارات لضربها بالبنادق، وهي لعبة الرمي، الكثيرون كانوا يصيبون الهدف، والبعض كان سيئاً في الرماية، ولكن من بينهم جميعا كان يأتي في مقدمة الرماة المهرة بيت الحاجي، وهم في المقدمة أيضا في لعبة الجري بالأحصنة.
وفي سباق الربيع للأحصنة، في بلدة قراكليسا المنظم من قبل العسكر فاز حصانان منهم، حصان سعيد حاجي، والأخر لإبن أخيه معمود. الأثنان كانا في نفس السن.
أستمر العرس لستة أيام بلياليها.
تلك السنة لم تكن سعيدة بالنسبة لعائلتنا… مع إقتراب العودة إلى القرى، توفي أبي، وبقيت متروكا لأخوتي، لكن مع وجود أمي، هي لم تدعني أحس بهذا اليتم.

تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Copyright © 2021 by Lalish Media Network .   Developed by Ayman qaidi