مأساة إيزيدية تركيا قبل قرن في مذكرات (ميرازي)
إعداد وترجمة: الباحث/ داود مراد ختاري
الحلقة (22) و(23)
بين الفرسان كان علي محي الدين، علي كان قصيرا، ولكنه فارس جيد، وكذلك مسخرة، أينما جلس، كان يضحك مجلسه، الآغا والغلام عنده لايفرقان، وكلامه لا يفرق أيضا، وإن جاءه الكلام فعليه أن يلفظه بدون أي حساب لأحد.
علي كان قد جهز رمحه وجعبته ذات الست خانات، في أيام الأعراس كان يركب ويلعب بهم. كان يفتح حبال الزينة من على ظهر الخيل، ويدعه يركض بكل قوته، كصوت الجرس كان يصدر من على ظهر حصانه، كان يطلق رماحه بقوة سرعة الخيل. وكانت تنغرس أمامه، فيحملها مرة أخرى. لم نرَ ولكن كان يقال: “في شبابه، وبتلك السرعة كان يضرب برجليه معا على الأرض ويركب من جديد من دون أن يوقف الحصان”. في ذلك الميدان أنقسم الفرسان إلى قسمين، الفرسان بدأوا اللعب، الآغاوات وأفندية (ديادين) وموظفوا الحكومة تراجعوا إلى جانب، يشاهدون اللعبة، علي كان يسير بحصانه بدون أن ينعطف لأي اتجاه، والأخرون كانوا يتراكضون من أمامه، علي أطلق من جعبته ذات الست خانات، طلقات من البارود الخالي من الرصاص، ومع كل طلقة كان الغبار والتراب يرتفع عالياً، وبعدها يتراجع هو لوسط الميدان، يهجم على الفرسان. وهم يتراكضون هاربين من أمامه، حتى يوصلهم أطراف الميدان وبعضهم كان يجلس.
كان هناك شخص أسمه حاجي المسكين، لم يكن يحلق ووجهه، ووسخ المنظر، وصاحب عقل خفيف، يحمل كيسا للتسول، كان يمسح المدينة للتسول، ولسوء حظه مر الحاجي المسكين بالميدان في ذلك الوقت، في وسط الميدان هاجمه علي وضربه بطلقتين من البارود الخالي من الرصاص، لقد ضاع الحاجي المسكين بين الغبار المتصاعد، وأبتل بلباسه الذي إلتف حوله، حتى استطاع أن يعدل نفسه ويبدأ بالهرب، وصل إليه علي مرة أخرى، وأيضا ضربه طلقتين من البارود، لقد أنكمش بين التراب والغبار، وصل إليه علي، والفرسان الأخرون أطلقوا عليه وثلاثة – أربعة ضربوه مع حصانه، لم يضع علي الوقت، ولم يكن حاجي المسكين قد استطاع ان يعدل نفسه بعد حين سمع صوت طلقتين أخريين على رأسه أبقته في الغبار أكثر. علي ترجل من حصانه، وأخذ كيس حاجي المسكين من على كتفه، وصعد على حصانه مرة أخرى وهجم على الآغاوات، تفرق جمعهم رأسا، أستمر بالهجوم على بابا أفندي، ووصل إليه، ووجه إليه البندقية ذات الخانات الستة، أقسم بلا مجال له، ومد إليه كيس التسول وقال له:
– إذا لم تحمل هذا الكيس على كتفك، فسوف أضربك بالطلقات حتى نهاية الألم، وسأجعل منك علاوات بين الخلق. -هيا.
بابا أفندي من الخوف من ناحية ومن ناحية الأخرى هو أب العريس (هكذا كان عادة المزح) أخذ الكيس ووضعه على كتفه متسولاً.
– قال له علي: كان يجب أن تكون متسولاً هكذا، كي تعرف قيمة الفقراء والخدم، فأموالك هي من تعب وعرق الفقراء، وحسبما أرى فالبلاء كله منك أنت، – مع كلامه هذا كانت فوهة البندقية موجهة إليه – إذهب بسرعة. اليوم أبتلى بك الفقراء وأصحاب الكسب، فأن لم يكن عرس إبنك فلأي سبب كنت سأجزر هذا الفقير؟ نعم؟ بسرعة هيا، أخرج مجيديتين وأعطيه، كي يذهب الحاجي المسكين ويدعو للعروسين.
بابا أفندي أخرج مجيدية واحدة كي يعطيه، لكن علي وجه الطلقة البارودية إلى يده، فأخرج بسرعة مجيديتين ووجهها إلى علي. (المجيدي كان يساوي غرامين من الذهب)، وقال له- خذ أمسكها، بلاك الله، – قال البابا – لقد أهنتنا. وأنزل الكيس من على كتفه.
قام علي بإعطائه للحاجي المسكين، وقام بالضرب على ملابسه كي تنظف من الغبار، الحاجي كان ترتجف يده من الفرحة ولم يكن يعرف ما يقوم به، لأنه في حياته كله لم يرى مجيديين في جيبه.
– قال علي:- خذها وأهرب، أنا رفيقكم، أنا لا أستطيع ان أصبح رفيق هؤلاء، أموالهم هي جهد العبيد، وهم سيذهبون إلى جهنم، – الجماعة من الصغير وحتى الكبير ضحكوا لدرجة بعضهم كان يمسك ببطنه. والحديث عن هذه الحادثة كان مستمرا حتى بعد ثلاثة- أربعة أيام منها في المدينة وكذلك في المدرسة.
في الفرصة، كنا قد خرجنا من المدرسة، رأيت العمة أمي واقفة بجانب الحائط، توجهت إليها، وسألتها:
– يا عمة، لماذا أنت واقفة هنا؟
– أنا بانتظارك يا بني، كي تأتي معي، وتكتب ورقة إلى أبني إبراهيم.
وذهبت معها، وكتبت لها رسالة إلى إبراهيم، وسألته فيها: “متى ستأتي في إجازة؟” وهو بدوره كتب بأنه سيأتي.
كنت على وشك توديع العمة والخروج، إلا أنني تذكرت تلك القصة التي كان يجب أن تخبرني بها العمة.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية