الباحث/ داود مراد ختاري
كم هي المسافة مؤلمة بين أحاسيسنا القائمة وأحاسيس تطلعاتنا، إثر هذه المسافة، وهي بمثابة المعضلة الوجودية فنتمرد عليها من أقصى الجروح الى أقصى الجروح، حتى دفعت بنا إلى أن ننسى أرواحنا وننسى الزمن الغادر. ثمة مشاهدات عجيبة ورهيبة، مشاهدها أهل شنكال، وأبرياؤها.
كم كانت الحياة مملؤءة بالحب والحنان عندما كان يعمل هؤلاء الأبرياء في بساتينهم ويرعون أغنامهم ويبنون بيوتهم ويكدون ليل نهار بعرق الجبين لينعم بالعيش الرغيد مع أطفالهم، وتفاجأ الجميع على حين غفلة لما تعرضوا له من ظلم وغدر واجتياح همجي من قبل الدواعش، أعداء البشرية وأعداء الله حتى انتهى كل شيء خلال ساعات، وقد استولوا على جميع ممتلكاتهم من بيوت وبساتين وقطيع الأغنام والآلات الزراعية وجهد حياتهم لقرن من الزمن. إنها فاجعة التاريخ والزمن المقبر، هذا هو سفر الأعداء نحو مبتغاهم لإنهاء رونق الحياة في شنكال وانتهت الضحكة التي في أعماقك وابتساماتك الصاعدة المملوءة بالحب والحنان والود ولتخبو اشراقتك وجمالك وديمومة تواصلك مع الحياة . شنكال عليك أن تكون خير وصية يفي بالتزاماته في مستقبل وتربية أحفادك لأنك ولدت من رحم المعاناة، ولا تستقر المجسات التي تنطلق من أفئدتك، لأن فضاءاتك الواسعة هابطة، تعبر الكثير من الارهاصات حتى أصبحت جزءاً منطلقاً، أو ربما واعداً إلى حيث لا نريد. الأسئلة كثيرة تغرز الكثير من الأصفاد، لكي تتمسك في المكان والزمان، وهي تصبح بذلك واقعاً مؤلماً ومدمياً وحزيناً لأن شنكال أصبح أمام عوالم اللاوعي واللاعقل واللا نظام، جنون وإجرام يعرّف برؤية الدواعش العقلية وهواجس الفناء والدمار تقودهم لسحق منجزات التاريخ وأركان الفلسفة الانسانية، وثقافتها وإنهاء اختراعات أساطير العلم والمعرفة وفلاسفة الزمان، ونظريات التطور السياسي ومراحله، بؤساً لكم أيها الحاقدون على نعمة الله، وعلى ما وهبه لبني البشر، فإنكم تريدون العودة بالبشر الى العصور المتخلفة، عصور العبودية والظلام، فان من يعادي البشر، وأبرياءه، التاريخ لا ينسى لأن لسان التاريخ حاد، ودماء الأبرياءلن تذهب سدى، وأن مصيرأعداء الله والانسانيه هي مزابل التاريخ وجحوركم واوكاركم الغادرة ستنتهي بكم الى الجحيم وبأس المصير.
نعم البشر هو المهم في كيفية الحفاظ عليه، ولكن للإقتصاد دوراً مهما في مسيرة الحياة للبشر، ولولاه، لا يستطيع الانسان أن يتابع ديمومة حياته، إذ إن شنكال فقد أعداداً هائلة من أبنائه بين شهيد ومخطوف من كلا الجنسين، ولكن فقد إقتصاده من أساسه، فالدواعش نهبوا كل قطعان الغنم من كافة القرى والمجمعات، أما المزارع فمنذ 3- 8 لم يدخلها أحد، لذا تيبس الخضار وأشجار الفواكه، وتأكسدت مضخات المياة والساحبات، بل أكثرها نهبت، أما الدور تم تفجير أعداد كبيرة منها مع هدم البعض الآخر، والعديد منها متنفخة فيها الجثث منذ 3-8 ولا يستطيع الانسان أن يعيش بها بعد الآن، لأن الدار قد ثقلت برائحة الجثث، ولا يمكن إزالة تلك الروائح إلا بهدمها، لم يبق شيء في شنكالنا إلا جبلنا الاشم، وهو الصديق الوفي دائماً لأهله عبر الزمن.
حينما كنت تسير من مجمع إلى آخر، ترى المَزارع والبساتين منتشرة على أطراف الطريق، وفيها أنواع الخضر وأشجار الفواكه، والمُزارع لديه قطيع من الاغنام أيضاً، وحسب بعض الاحصاءات فإنها فقدت أكثر من مليون رأس غنم عدا الابقار.
تُتاح هذه الصورة أيضا في: العربية